الفيل يا ملك الزمان: توطئة لزلزالٍ مغربي لا بد منه؟
أما الفَرَج فمن عنده سبحانه!
هكذا ختمتُ مقالي للأسبوع الماضي، وبهذا أستهل سطوري الحالية، لأننا عندما ننتظر الغيث من غيره عادةً ما يأتينا الفرج منقوصاً، خصوصاً إذا بقينا قاعدين، مربعين أيدينا، فنكون كمثلِ الذي ينتظر مَنْ يحارب مكانه ومَنْ ينهض لرفع المظالم نيابةً عنه، أو الذود عن كرامته !
لقد هَلتْ علينا مقدماتُ “الزلزال” في شكل سابقة إعفاء ملك البلاد لوزراء في الحكومة الحالية ومنع وزراء في النسخة الأصلية من نفس الحكومة من تحمل مسؤوليات عمومية مستقبلاً، إضافة إلى إقالة موظف سام من مهامه. جاء ذلك، كما تعرفون، إثر تقديم المجلس الأعلى للحسابات لتقريره حول مشروع “منارة المتوسط” الذي أكد وجود “اختلالات” في المشروع المذكور، و”تأخيرات غير مبررة”… وما خفي أعظم.
ما يهمنا الآن ليس أسماء هؤلاء، ولا “سيرتهم الذاتية في تحمل المسؤولية” في هذا البلد المنكوب ببعض مسؤوليه، ولا التشفي فيهم. ما يهمنا هي “الرجات الارتدادية” لما يلي مقدمات الزلزال، أي سؤال: ماذا بعد؟
هل سيمضي الأمر أبعد، بتعميق التحقيق في “الاختلالات” على طول البلاد وعرضها، وإحالة الملفات على قضاء “مستقل” يحاسب كل مسؤول حقيقي عن تلك الاختلالات، وبعبارة أقل تهذيباً، المسؤول الحقيقي عن الاختلاسات والترامي على الملك العام وهدر المال العام واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة والعمالة للمصالح الخاصة ومصالح الخارج أيضا…؟
هل ستتخذ قرارات ملكية أخرى في حق “مسؤولات ومسؤولين” خاضعين لسلطته المباشرة أطلقوا العنان لمزاجهم ولأيديهم في مؤسسات عمومية، لخدمة مصالحهم الشخصية التافهة على حساب المصلحة العامة، ولتنفيذ اختيارات وإملاءات خارجية، فكانوا كالجمل الذي “يَدُك” كل ما حرثه غيره، وكالفيل في الغرفة؟
أكيد أنكم تعرفون مَثَلَ الجمل الذي “يَدُك” كل الحرث، وبالأخص إذا كان جملاً عديم الرؤية و”الحس الوطني”، أي “لا يفهم في الزنجبيل”، لكن لا أدري إن كنتم تعرفون تعبير “الفيل في الغرفة”. هي عبارة تقال حين يكون المشكل كبيراً بحجم الفيل، وبالتالي من المستحيل التغاضي عنه كما لا يمكن التغاضي عن فيل داخل الغرفة. في هاته الحالة أمامنا، نحن المتواجدين في نفس الغرفة، ثلاثة خيارات: إما تجاهل الفيل والاستمرار في العيش كأن شيئاً لم يكن (سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمل)، أو الدوران حول الفيل وفتح نقاش لا ينتهي حول حجمه وعمره وإن كان يحتاج إلى فيلة لتؤنسه ويملآن للغرفة بالفيلة الصغيرة، وإما العمل فوراً على توسيع الباب أو هدم سور بأكمله لإخراج الفيل من الغرفة ومن ثم بيعه لحديقة الحيوان أو السيرك.
طبعاً الجميع سيحبذ الحل الثالث لأنه من جهة يخلصنا من الفيل/المشكلة ومن جهة أخرى يدر علينا مالاً من حيث لا نحتسب. لكن ما الذي جعلنا ويجعلنا في المغرب نتبنى الخيارين الأول والثاني، وننتظر دهراً إلى أن تلد فيلتنا ويكبر أبناؤها قبل اتخاذ القرار الصائب؟.
“الاختلالات” واضحة وضوح الشمس. ومن يشكك فيها ما عليه سوى أن يذهب إلى حي الرياض بالرباط، بسرعة قبل أن تنتهي الأشغال، ويحسب طبقات الزفت التي توالت على شارع النخيل في غضون خمس سنوات، ثم ينتقل إلى أي منطقة جبلية بريفنا أو أطلسنا ليرى شبه طرقٍ تؤدي إليها، عرفتْ طبقة واحدة من الزفت قد تعود إلى عهد الاستعمار البغيض.
إن ما تسميه البلاغات الرسمية “اختلالات”، هي أخطاءٌ وتخطيئاتٌ مرئية بالعين المجردة قبل اليوم، ولم تزد سوى تفاقماً مع مرور الوقت بين المركز والهوامش، بين طبقة “المحظيين والمحظيات” وباقي الطبقات، لماذا؟ ربما لأن “الزلزال البناء” قد تأخر كثيراً عن موعده، أو أن ما نعيشه مع هذه القرارات الملكية الشجاعة الأخيرةِ (وليست الآخرة يا رب)، مجردً توطئةٍ لا بد منها، نحو اجتثاثِ أسباب ومسببات وعوامل ضعفنا وإضعافنا واستضعافنا، واجتراحِ المشروع التنموي النهضوي المغربي المنشود.
إننا نحلم بمغربٍ عادلٍ عتيد، وحلمنا هذا بسعةِ الممكنِ وما يجب أن يكون… أما “المسكنات فقد تنفع في التخفيف من بعض الآلام، لكنها لا تعالج الداء من أساسه.”، مثلما غَردَ، بهذه المناسبة، الأستاذ عبد القادر العالمي على صفحته في العالم الأزرق.
عن «رأي اليوم»
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني