بوغدانوف: القرارات الدولية خرائط عمل
أكد نائب وزير الخارجية الروسي مبعوث الرئيس إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، في حديث مع صحيفة «الحياة»، التزام موسكو الصارم المرجعيات الدولية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، معتبراً أنها تشكّل خرائط طريق لتسوية الأزمات في سورية واليمن وليبيا وغيرها في المنطقة.
ولفت إلى مساع روسية لاستضافة حوارات عربية - إيرانية. وتحدث عن الدور الروسي وآفاق التفاهمات مع واشنطن في رزمة من الملفات العالقة، بدءاً من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
وفي ما يأتي جزء من الحديث:
---------
> أسئلة كثيرة عن آفاق التفاهمات مع واشنطن وعن سبل التوصل إلى تسويات في أوروبا والمنطقة. لنبدأ بالحديث عن إيران. ما هي آفاق التفاهم مع طهران التي باتت عنصراً محورياً في أزمات عديدة في سورية واليمن والعراق وغيرها؟
- ثمة الكثير من الافتراضات والأفكار قد تكون موجودة في كل مكان. لكن نحن نعتمد في هذا الموضوع على الأطر القانونية الرسمية. لدينا نصوص ووثائق متفق عليها بين الأطراف، إيران والخليج العربي وتركيا والولايات المتحدة لذلك يمكن الانطلاق منها.
أنا أقصد هنا مجموعة الدعم الدولي في سورية، بمشاركة الأطراف العربية وإيران والأتراك وأطراف أخرى وعلى أساس تفاهمات إطار فيينا التي حضرها كل وزراء الخارجية وتحت رعاية روسيا والولايات المتحدة قبل شهور وتم على أساسها اتخاذ قرار مجلس الأمن 2254 بالإجماع. هذه أسس مبدئية لحل الأزمة السورية وعلى كل المسارات هناك مسار أمني ومسار عسكري ومسار إنساني ومسار سياسي ولدينا مواقف متفق عليها.
نحن نسمع كلاماً كثيراً عن تصدير الثورة الإيرانية وأنهم يريدون توسيع نفوذهم في الشرق الأوسط وبالدرجة الأخص في العراق وسورية ولبنان والبحرين. لكن نحن نقول يجب أن نقرأ باهتمام المسائل المتفق عليها من خلال اللقاءات مع شركائنا، بمشاركة كل الأطراف الإقليمية الفاعلة. وأعتقد بأن هذا مدخل مناسب لتقارب إيراني - أميركي وتقارب إيراني - سعودي. وهذا هو المدخل الصحيح للحديث عن التسوية المطلوبة في سورية. نحن نتحدث عن نظام علماني... يأتي من طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تجري في الداخل والخارج بما في ذلك مشاركة اللاجئين في البلدان المجاورة وغير المجاورة، وبرعاية ورقابة صارمتين من الأمم المتحدة. ولدى الأمم المتحدة تجربة طويلة في إجراء انتخابات، في أفغانستان وفي العراق في ظروف مشابهة، ويمكن أن تجري في سورية حيث توجد أراض تحت سيطرة النظام وأراض خارج سيطرة النظام.
---------
> ثمة رغبة روسية تشمل انسحابات القوات الأجنبية كلها من سورية، وهناك مقاومة إيرانية لذلك. أين وصلت الأمور في هذا الموضوع؟
- لدينا محادثات متواصلة مع الأطراف، وعقدنا في آستانة لقاءين ونحن على استعداد لتنظيم لقاء ثالث.
> متى؟
- بعد أسبوعين تقريباً، سينعقد اللقاء الثالث، ونتواصل مع أنقرة وطهران والأميركيين والأمم المتحدة، ونحن مهتمون جداً بالوجود الأميركي.
> لكن لم تجب على سؤال حول الانسحاب الإيراني من سورية؟
- الوضع في سورية له أبعاد، وقد يكون مشابهاً لحوادث وقعت. أنا بدأت الخدمة في سبعينات القرن الماضي في سلطنة عمان، وكانت هناك مشكلة كبيرة حول نشاط الجبهة الشعبية لتحرير ظفار. وتحوّلت إلى أزمة داخل المجتمع العماني تجلّت في شكل صراعات ومشاكل والأطراف كلها كانت تسعى إلى إيجاد حلفاء وأصدقاء خارج البلاد. وهذا جزء من منطق الصراعات، أي تدويل المشاكل الداخلية. القيادة العمانية في حينها طلبت من شاه إيران إرسال القوات المسلحة وحدثت حرب، لكنهم نجحوا في النهاية في التوصل إلى حل سياسي ومصالحة. وبعد التوصل إلى الحل تمت المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية.
> هل يعني ذلك أن موضوع سحب القوات الإيرانية من سورية يجب أن يبقى في انتظار المصالحة الوطنية والحل النهائي من وجهة نظركم؟
- عندما يتم التوصل إلى حل سياسي تنتفي الحاجة لوجود قوات أجنبية.
> الأمر ذاته ينسحب على «حزب الله»؟
- المشكلة ليست مع «حزب الله» لأنه جاء بطلب من القيادة السورية. قيادة «حزب الله» لها علاقة متميزة مع دمشق اتخذت قراراً على أساس الطلب. في المقابل ثمة عشرات الآلاف من القوات أتوا متطوعين إلى سورية بقرارات فردية.
> هناك إجماع على إخراج «داعش» و «النصرة».
- الكلام الخطابي ليس كافياً. المطلوب توحيد جهود المكافحة بالسلاح للقضاء عليهم.
> تقصد التحالف الدولي؟
- الأميركيون يعملون من دون احترام القوانين الدولية. ويجب احترام سيادة سورية، الدولة العضو في الأمم المتحدة.
---------
> يجمعكم مع إيران تحالف ميداني... وتغضّون النظر عن تصرفات إيران.
- منذ سنوات ونحن ندعو إلى قيام تحالف دولي عريض لمواجهة الإرهاب يضم كل الأطراف، نسعى إلى إشراك الجميع فيه. من أجل مكافحة الإرهاب في سورية والعراق لا بد من التنسيق مع الجيشين النظاميين. أما مسألة تحالفنا مع الشيعة، فلا يمكن تجاهل أن لدينا عشرين مليون مسلم في روسيا ولدينا علاقة تاريخية مع الشعب الفلسطيني ولدينا شراكة إستراتيجية مع مصر ومع بلدان أخرى في المنطقة.
> العلاقة مع إيران ليست إستراتيجية؟
- إستراتيجية طبعاً، لكننا نسعى إلى إقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف.
---------
> هل توافقون على إقامة مناطق آمنة بدءاً من غرب سورية، وفق تسريبات عن خطة أميركية؟
- حتى هذه اللحظة لا نفهم الآلية ولا تفاصيل الأفكار الأميركية. منطقة آمنة باتفاق مع من؟ أي ترتيبات؟ بموافقة الحكومة أو من دون موافقتها؟ لا نعلم من سيشرف عليها. وما الهدف، ومن يتحمل المسؤولية؟
> لم يبدأ الحديث مع الأميركيين على أي مستوى؟
- التقينا مع بعض المسؤولين في الإدارة الجديدة، موظفون في الخارجية. لكن في شكل تفصيلي ومعمق لا يوجد أي حديث مع أي طرف. نحن نريد الحوار، لأنه من دون دور فعّال وبنّاء لواشنطن من الصعب حل المشكلة. لذلك قدّمنا دعوة إلى حضور آستانة لكنهم قالوا إن التمثيل حالياً سيكون على مستوى السفير فقط.
> هناك حديث عن ترتيب قمة أميركية - روسية في ريكيافيك (آيسلندا)؟
- أعتقد بأن القيادة الروسية مستعدة للقاء فوري على مستوى الرئيسين. ولدينا قمة العشرين في هامبورغ بعد ثلاثة شهور في تموز (يوليو)، لكن نحن نفضّل أن يكون اللقاء ثنائياً وليس على هامش قمة دولية. الرئيس بوتين مستعد للذهاب إلى أي مكان، إلى ريكيافيك أو أي مكان آخر.
> هل ترون التفاهمات الكبرى مع أميركا تبدأ من أوروبا إلى الشرق الأوسط. القرم يبقى خطاً أحمر، لكن هل أفق التفاهمات يدور حول دونباس (شرق أوكرانيا)؟
- تلك هي إرادة الشعب في شبه الجزيرة (القرم) ولا حديث عن هذا الموضوع. نحن ننطلق من ضرورة الالتزام بتطبيق اتفاق مينسك الذي شارك به زعماء الرباعي الدولي. أجرينا حوارات واسعة ولقاءات وتوجد أسس متفق عليها لحل مشكلة دونباس ونحن ملتزمون بها.
---------
> في ليبيا ما هي آفاق تحركاتكم؟
- نحن على اتصال مع كل الأطراف، التقينا فايز السراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، ولدينا أيضاً اتصالات مع الأطراف الأخرى، رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش خليفة حفتر. وفي حديثنا مع السراج، أكدنا أننا مع توحيد السقف الليبي لإنقاذ البلد وإنقاذ السيادة. نحن نشجع الأطراف على الجلوس والاتفاق على صيغة مناسبة تحترم كل مصالح الأطراف، ولا نرى أن سيناريو التقسيم مطروح. نحن ندعم القرارات حول الحفاظ على وحدة البلد لكن هذا أمر عائد للشعب الليبي.
> أنتم تقدمون الدعم لخليفة حفتر...
- نحن نتعامل مع حفتر كشريك وندعوه بصفته طرفاً رئيسياً وله نفوذ على بعض المناطق وهو يقود جيشاً يحظى بتأييد مجلس النواب المنتخب باعتراف دولي. هذه قوى موجودة ومعترف بها ولها شرعية. والمهم الشرعية الليبية وليس الروسية أو غيرها. نحن نؤيد قرارات مجلس الأمن بأن الحكومة يجب أن تحصل على موافقة البرلمان. هذا لم يحصل بسبب خلافات على مناصب أو غيرها. إنما نحن نشجع الجميع على الاتفاق.
---------
> الوضع في لبنان هش، فماذا في الأفق لمنع الانفجار؟
- في لبنان دائماً توجد مشكلات ناتجة من النفوذ الخارجي وهذا على مدى التاريخ. الآن بعد انتخاب الرئيس ميشال عون بتوافق مع الشيخ سعد الحريري، ثمة تطور إيجابي. ونحن نرى تحسناً في مناخ الاستثمارات والسياحة والطائرات تأتي حتى من الخليج.
> تحدث الرئيس عون عن سلاح «حزب الله» في شكل ناقضته مندوبة الأمم المتحدة التي رأت فيه انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 1701. ماهو موقفكم؟
- عون والحريري لديهما خبرة طويلة وذكاء سياسي وتوجد تمنيات بقيام جيش واحد وقوي، لكن على الأرض هناك وقائع. عون هو الرئيس لكل اللبنانيين ولديه رؤية وفهم كرئيس للجمهورية اللبنانية. هناك تمنيات لبعض القوى يمكن احترامها. لكن كيف يتم تنفيذها؟ السؤال الأساسي ما هي الظروف الحقيقية في لبنان والمنطقة؟ لدينا مشكلة سورية وإسرائيل وملفات أخرى عديدة.
> يعني أنت توافق الرئيس عون؟
- أنا لست صاحب القرار. هذا شأن لبناني ونحن نرجو من كل اللبنانيين أن يتفقوا على قرارات وعلى أساليب لتنفيذ هذه القرارات.
---------
> أنت متشائم أم متفائل في شأن مستقبل المنطقة؟
- أنا مقتنع أن مكافحة الإرهاب ستكون فعالة. لكن توجد مشاكل. لدينا آستانة كمثال، هناك اتفاق على وقف النار لكن المشكلة هي في الآليات. هذا يحتاج إلى إرادة سياسية معتمدة على حل سياسي وعلى التوافق السياسي ضمن أسس واضحة.