رسائل الغارة على أنفاق الناعمة

رسائل الغارة على أنفاق الناعمة

شنّ طيران العدو الصهيوني، فجر أمس، غارة على موقع عسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، باتجاه أنفاق الناعمة جنوبيّ مدينة بيروت. الغارة في توقيتها، تأتي رداً على الصاروخين اللذين سقط أحدهما بالقرب من مدينة نهاريا الساحلية في فلسطين المحتلة عام 1948، والصاروخ الآخر، اعترضته دفاعات ما يعرف بـ«القبة الفولاذية».

قبل الحديث عن الصواريخ الأربعة «البدائية» _ سقط اثنان داخل الأراضي اللبنانية _ التي أطلقتها كتائب «عبد الله عزام»، إحدى الجماعات المسلحة المرتبطة بنهج وفكر «القاعدة»، لا بد من التوقف أمام بعض الأهداف التي أرادت تلك القوى المسلحة تحقيقها من خلال «إثبات وجودها!».


ـــ المجموعات المسلحة المرتبطة بأجندة خارجية/ محلية، أسقطت منذ ولادتها، الاشتباك مع جيش الاحتلال ومؤسساته على أرض فلسطين المحتلة، معتبرة أن «جهادها» يهدف إلى إقامة الدولة/ الخلافة الإسلامية، أولاً. ولهذا، فإن عملياتها الدموية، المتنقلة على أكثر من ساحة _ ما عدا فلسطين المحتلة _ هي، كما تدّعي، دفاع عن أهل «السنة والجماعة!». لكن الوقائع الميدانية في أكثر من مكان على امتداد ساحات نشاط تلك المجوعات، تؤكد أن العديد من علماء ومشايخ وأبناء «أهل السنة والجماعة» قد صرعتهم عبوات تلك المجموعات ورصاصاتها.


ـــ جاء توقيت إطلاق الصواريخ في لحظة انعطاف تاريخية يمرّ فيها لبنان، المرتبط ـ شاء دعاة «النأي بالنفس» أو أبوا ـ بتطورات ما يحصل على الأرض السورية. فما بين الاستعصاء السياسي الذي عطّل تشكيل حكومة جديدة، وحملات التجييش المذهبية/ الطائفية التي تعلن مشروعها بالعمليات المسلحة في البقاع وبيروت «الضاحية وبعبدا»، تتحرك قوى عابرة للحدود، لإعادة خلط الأوراق، وإرباك الوضع الداخلي بما يستفيد منه العدو الصهيوني، وأدوات التفتيت المذهبي/ الطائفي، المرتبطين به. انطلاقاً من قراءة هذا الوضع، وللخروج «الشكلي» من دائرة الاتهام التي تحيط بعمل تلك المجموعات، من حيث إخراجها العدو الصهيوني من ساحة الاشتباك، جاءت عملية أمس «الخلبية» لإعادة الاعتبار الوطني «الجهادي، الصادق» في الموقف من كيان العدو.


أما رد فعل حكومة نتنياهو، فقد كان أكثر من فشل وأقل من نجاح، لأن من أطلق الصواريخ لا يرتبط بشكل من الأشكال بالقيادة العامة، بل يتناقض بالمطلق مع برنامجها الوطني والقومي. لقد أراد العدو أن يضرب هدفاً محدداً لتحقيق عدة مكاسب:


1ـــ إعادة التذكير بالوجود الفلسطيني العسكري خارج المخيمات، بهدف افتعال أزمة بين المقاومة الفلسطينية والحكومة اللبنانية. رون بن يشاي، الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشار، أمس، إلى «أنّ الغارة التي شنها سلاح الطيران، ضد لبنان كانت ذات طابع غير عادي، فهي لم تهدف إلى «معاقبة» مطلقي الصواريخ الأربعة، بل كانت إشارة إلى الحكومة اللبنانية وحزب الله، مفادها أنه يجب عليهما العمل بحزم ومهنية أكثر لمنع وقوع حوادث أخرى من إطلاق النيران الاستفزازية ضد إسرائيل». علماً بأن أنفاق الناعمة استُهدفت على مدى عدة سنوات بالقصف الصهيوني الذي لم يستطع تدميرها.


2 ـــ طمأنة المستعمرين الصهاينة داخل الوطن المحتل إلى أن حكومتهم قادرة على الرد! وأن هذا الاستعراض الجوي الجديد، هو لخلط أوراق/ أسماء قوى وكتائب المقاومة الفاعلة و«الموجهة» في محاولة، لنفي تشكيك العديد من المهتمين بالصراع العربي ـــ الصهيوني، بهدف تلك المجموعة التي أطلقت الصواريخ.

 


* كاتب فلسطيني

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية - العدد ٢٠٨٦