بوتين لم «يبس التوبة».. لكن الجنرال كيلو تقاعد!
استنتج «المناضل الثوري» أخيراً أن (الصديق الأمريكي المخلص): «نجح في الضحك علينا وخداعنا طوال السنوات الخمس الماضية التي كنا في أثنائها في غفلةٍ أوقعتنا في حال من الغباء وسوء التقدير والفهم»..
كذلك كتب ميشيل كيلو في مقالته المنشورة يوم أمس السبت، في موقع العربي الجديد، بعنوان «وثيقة حول سورية». ولكننا نزعم أن «حال الغباء وسوء التقدير والفهم» التي يصفها لم تنته بعد! ولنعد إلى الوراء قليلاً قبل الدخول في ما انتهى إليه الرجل..
يوم 7/9/2013، أي قبل حوالي ثلاث سنوات، وفي خضم التهديدات الأمريكية بضربة عسكرية ساحقة، نشرت جريدة السفير اللبنانية «رسالة مفتوحة» وجهها كيلو، الذي يبدو اليوم بائساً ومهزوماً وحائراً، للرئيس الروسي. يعرض الجنرال كيلو -المزهو باستناده إلى «القوة العسكرية الأعظم في التاريخ» ويقصد أمريكا- على الرئيس الروسي، أن المعارضة ستطلب من أمريكا الكف عن ضرب سورية في حال تعهد بوتين بإخراج الأسد من السلطة. وربما كان الجانب الأمريكي قد وكّل جنراله بإجبار بوتين على أن «يبوس التوبة» أيضاً، ولكن الجنرال وبحكمته الواسعة استطاع إقناع الأمريكيين أن لا حاجة لذلك.. بالمقابل، اكتفى كيلو بتنبيه بوتين أن قبوله بهذا العرض كفيل بأن «يحفظ ماء وجهكم»!
ماء وجه كيلو بالمقابل، كان قد سكب بكامله بين يدي روبرت فورد، الذي كانت إشارة واحدة منه بأن سورية ذاهبة إلى دولة كنتونات كفيلة باعتراف كيلو بجبهة النصرة باعتبارها تنظيماً غير إرهابي بل وبضرورة التميز بينها وبين داعش، فهو نفسه زار النصرة و«استقبل استقبال الأبطال»، والإشارة نفسها كانت كفيلة أيضاً بتشكيله هيئة أسماها «سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية»، وذلك في الشهر الثالث من عام 2013.
اليوم، وبعد أن فعل كيلو كل ما يمكن فعله امتثالاُ لرؤى واشنطن وتصوراتها، بعد أن ترك «يساريته» وحالف الإخوان المسلمين، وبعد أن ترك «علمانيته» وغدا حليفاً لـ«النصرة» وممثلاً طائفياً، بل وقطعة ديكور بائسة ضمن فسيفساء قبيحة ومرتجلة عن التنوع والتعدد.. بعد كل هذه «التضحيات» يتلقى كيلو الصدمة الكبرى، تلك الصدمة ليست إطلاقاً في «الوثيقة السرية» التي يعرضها في مقالته يوم أمس، بل تحديداً في قناعته بأن لا دور له، هو وصحبه، في سورية القادمة التي ستكون موحدة وعلمانية على العكس تماماً مما يطرح. خيبة أمله تتركز في أن كل بهلوانياته السياسية عبر عقود، والتي تكثفت خلال السنوات العشر الأخيرة، في التنقل من حزب إلى آخر، ومن تحالف إلى آخر، كل ذلك سينتهي إلى لا شيء.. وبأن «الصديق الأمريكي» الذي عقد عليه كل الآمال تركه على قارعة التاريخ.
عود على بدء، فإنّ ما قصدناه بأن «حال الغباء» لم ينته بعد، يمكن استنتاجه من أن «السياسي المحنك»، لم يفهم بعد أن العالم تغيّر، وأن المشكلة ليست في أن الأمريكي قد «خانه»، رغم أن هذا أمر لا يجوز توقع غيره من الأمريكان، بل في أن هذا الأمريكي ذاته يعيش حالة تراجع مستمرة ومتسارعة. وإذا كان «حال الغباء» الذي أقر به كيلو، قابلاً للفهم من زاوية «خيانة الصديق الأمريكي»، فهل يمتد «الغباء» ذاته إلى رؤية كيلو للـ«الإسرائيلي»؟ ليس بين يدينا أي دليل جدّي يقول خلاف ذلك، ولكن لدينا قرائن كثيرة تشير إليه.. من جبهة النصرة إلى «الهيئة» الطائفية وإلى غيرها وغيرها..
يختتم كيلو مادته حائراً بسؤال حول «ماذا علينا أن نفعل» (هو ومن يصطف في صفه)، ويؤكد أن «علينا الإجابة على هذا السؤال في أقرب الآجال، كي لا نخون شعبنا وأنفسنا» ونحن نؤكد له أنه «سبق السيف العذل»..