شراكة مفخخة
مأمون كيوان مأمون كيوان

شراكة مفخخة

ثمة تاريخ عريق للغزو والتدخلات العسكرية الأمريكية في بقاع مختلفة من العالم، حيث رعت الولايات المتحدة 40 انقلاباً و30 عدواناً في 50 عاماً في القرن الماضي . فضلاً عن غزو نيكاراغوا والبيرو وبنما وكولومبيا وهاييتي وتشيلي وهندوراس في القرن التاسع عشر .

وأنتج تاريخ الغزو والعدوان قوى مقاومة لعالم تلفه الأزمات والحروب وسياسات القوة والهيمنة . وعوضاً عن التراجع عن تلك السياسات العدوانية جرى العمل على تجميلها من خلال تأسيس ما سمي ب “فيالق السلام” التي مضى أكثر من نصف القرن من الزمن على تأسيسها من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي .

وقد خدم المتطوعون الأوائل في العام 1961 في 6 دول . ومنذ ذلك الوقت خدم نحو 200 ألف رجل وامرأة في 139 بلداً، منها: أفغانستان وباكستان وإيران وتركيا وإثيوبيا وتشاد، ونشطت فيالق السلام في الدول العربية التالية: الأردن، ليبيا، موريتانيا، المغرب، تونس، السودان، الصومال، اليمن، وعُمان .

ويبلغ إجمالي عدد المتطوعين والمتدربين حالياً نحو 8655 متطوعاً ومتطوعة، منهم 60% إناث و40% ذكور ، 7% فقط منهم متزوجون و7% منهم تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً.

وتبلغ قيمة ميزانية فيالق السلام السنوية 400 مليون دولار . ويعكس المتطوعون الذين ينضمون إلى فيالق السلام التنوع الزاخر للولايات المتحدة في نواح مثل الأعراق، الإثنية، والأعمار، والديانات، وهم يمتلكون طائفة عريضة من القدرات الجسمانية والمهارات المهنية .

وفي العام 1981 أصدر الكونغرس تشريعاً جعل فيالق السلام وكالة حكومية مستقلة . وبحلول عيد تأسيسها العشرين كان نحو 98 ألف متطوع قد أكملوا خدماتهم الطوعية في 88 بلداً .

وفي ،1989 أسست فيالق السلام مدارس “وورلد وايز” أو حكماء العالم وهو برنامج أتاح للطلاب في المدارس الأمريكية أن يتراسلوا مع متطوعين يعملون وراء البحار في مسعى للترويج للتوعية الدولية والتفاهم ما بين الثقافات . وبنهاية ذلك العام، كانت أكثر من 550 مدرسة تشارك في هذا البرنامج . وما انفك المتطوعون العائدون يشاركون في برنامج “وورلد وايز” الدولي كمتكلمين ومحاضرين ضيوف .

ويتوزع نشاط فيالق السلام على النحو الآتي: إفريقيا 37%، أمريكا اللاتينية 24%، أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى 21%، آسيا 7%، الكاريبي 7%، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 4%.

وكان الرئيس باراك أوباما قد دعا كل دول النصف الغربي للكرة الأرضية في شهر إبريل/ نيسان 2009 للانضمام إلى الشراكة لتشجيع التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة والوقود الأحفوري الأكثر نظافة، والفقر في الطاقة . وستُطبق أولى جهود فيالق السلام المتعلقة بالشراكة في كوستاريكا وجمهورية الدومنيكان وغيانا وهندوراس ونيكاراغوا وبنما وبيرو وسورينام .

ووفقاً لمدير فيالق السلام (السابق) غادي فاسكويز . ربما تضايق سياسة الولايات المتحدة الخارجية بعض الحكومات الأخرى وتثير غضبها، لكن المتطوعين الأمريكيين الذين يعيشون ويعملون مدة سنتين على مستوى القواعد والجذور الشعبية بين المجتمعات الأجنبية يلقون ترحيباً وتكريماً من السكان المحليين الذين يعتبرونهم كأفراد من عائلاتهم، وأنه ينظر إلى متطوعي فيالق السلام على أنهم خارج نطاق النزاع أو الجدل السياسي ويتمتعون بحصانة ضد معظم شعور العداء ضد أمريكا الذي يجتاح الشرق الأوسط، بسبب ما يؤدون من عمل وخدمة في المجتمعات الأهلية .

وأشار فاسكويز إلى أنه رغم موجات العداء لأمريكا التي ظهرت أخيراً في بعض أجزاء العالمين العربي والإسلامي، فإن متطوعي فيالق السلام لا يزالون يلقون ترحيباً حاراً كمعلمين وعاملين في الرعاية الصحية، وفي مشاريع التنمية الريفية في أكثر من اثني عشر بلداً إسلامياً . ومن بين 6680 متطوعاً يخدمون في 70 بلداً هناك نحو 1000 متطوع يخدمون في بلدان ذات أغلبية مسلمة من السكان .

وراهناً، ترعى مبادرة الشراكة الأمريكية  الشرق أوسطية القادة الناشئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . ومن خلال هذه المبادرة يتواصل أكثر من 11 ألف من خريجيها بصورة منتظمة مع بعضهم بعضاً لتبادل الأفكار حول دفع عملية إصلاح المجتمعات المدنية .

وتعرف هذه المبادرة بشكل أكثر شيوعاً باسم “ميبي”، وهي تقدّم التدريب والمنح إلى المجموعات المحلية والأفراد، لكي يبادروا إلى تنفيذ مشاريع مغامرة، يمكن أن تساعدهم على إحداث تغيير في مجتمعاتهم . ويهدف الملتقون إلى بناء الديمقراطية وتمكين المرأة وتعزيز فرص العمل للشباب .

وتتولى وزارة الخارجية إدارة برنامج القيادات الطلابية لمبادرة الشراكة الأمريكية  الشرق أوسطية . وتختار الشباب من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للدراسة المكثفة لمدة ستة أسابيع في مؤسسات أكاديمية في الولايات المتحدة، حيث يتعلمون المهارات القيادية وأساليب تطبيق العملية الديمقراطية في مجتمعاتهم الأهلية .

وتتاح للقيادات الطلابية فرصة الاجتماع مع نظرائهم الأمريكيين، والاضطلاع على نشاطات خدمة المجتمع المحلي، والمشاركة في إجراءات العمليات الحكومية على المستويات المحلية، كما على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي .

وإذا كان حصاد نشاط فيالق السلام المتواضع يشير إلى أن جهودها لم تؤت أكلها وإلى أن الروح التطوعية التي يُفترض أنها تسمو على القومية والسياسة، هي بمنزلة الأحلام الوردية والأمنيات الطوباوية تبقى عاجزة أمام حقائق الواقع، وضحايا الحروب العدوانية والتدخلات العسكرية الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم . فإن الشراكة التي تنشدها الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هي شراكة مفخخة بفضائل الديمقراطية الفوضوية من فتن وكراهية للذات ويشير الواقع إلى أن الشراكة الحقيقية القائمة بشكل حصري في الشرق الأوسط هي بين واشنطن و”تل أبيب” وعلى حساب حقوق العرب أجمعين .

المصدر: الخليج