الفلسطينيون و«إسرائيل» وبينهما «داعش»
مع بدء الحديث عما انتهى إلى «تعديل وزاري» على حكومة الحمدالله الوفاقية، كانت الأحاديث تتكاثر، والأحداث تتسارع في الضفة والقطاع من جهة، وفي سيناء من جهة أخرى، كأنما خيط رفيع يربط بين تلك الأحاديث والأحداث.
فمع اقتراب الذكرى الأولى للحرب «الإسرائيلية» الثالثة على قطاع غزة، وبينما كانت أصوات «إسرائيلية» تبشر بأن حرباً رابعة على وشك الوقوع، كان الحديث يزداد حول اتصالات تجري بين حركة (حماس) و«الإسرائيليين» بهدف التوصل إلى هدنة طويلة في قطاع غزة. بدأ ذلك قبل أن يعلن أحمد يوسف، القيادي في (حماس) عن «دردشات» تدور حول الموضوع، وليصبح بعده سجالاً مفتوحاً بين النفي والتأكيد والتقليل من أهميته. تصريحات المسؤولين الأمنيين في الكيان الصهيوني أكدت صحة التسريبات المتناثرة. فمن جهة، قال يورام كوهن، رئيس جهاز (الشاباك) «الإسرائيلي» إنه «مع أن حماس مستعدة للحرب، إلا أنها لا تريدها»، ومن جهة أخرى، أعلن إسماعيل هنية (4/7) أن «أطرافاً دولية أبلغتنا أن «إسرائيل» لن تشن حرباً جديدة على قطاع غزة»، وأن «هناك قوى كانت قد اتخذت قرار الحرب على القطاع قبل عام، قررت الانفتاح على القطاع حالياً»، مبشراً المصلين في مسجد مخيم النصيرات بأن «المرحلة القادمة ستحمل الخير لأهل غزة الصامدين».
ومع الإعلان عن تعديل حكومة الحمدالله، عاد الحديث عن «المصالحة»، وأن ذلك يعتبر نسفاً لمقررات «مؤتمر الشاطئ»، وهو مقدمة لتصعيد جديد بين حركتي (فتح) و(حماس). في الوقت نفسه، نقلت الأنباء أن «انفراجة» تحققت بين مصر وحركة (حماس) نتيجة تدخلات إقليمية، كان الدليل عليها فتح معبر رفح لخمسة أيام متتالية، ما أدى إلى عودة القلق إلى بعض القيادات «الإسرائيلية» التي رأت أن ذلك سيسمح بمرور ما يساعد (حماس) على ترميم وضعها العسكري وإعادة بناء الأنفاق، وتهريب السلاح إلى غزة.
تزامن مع تلك التطورات الهجوم الذي تبناه «داعش» في شمال سيناء، وراح ضحيته العديد من ضباط وجنود الجيش المصري وشرطته، فكان فرصة لتمسك به القيادات «الإسرائيلية»، ولتنفخ فيه بالربط بين حركة (حماس) وتنظيم «داعش»، لتحقيق هدفين: إعادة التوتر لعلاقات مصر مع (حماس)، وللتمهيد لشن حرب على غزة، إن كان ذلك ضرورياً. وبالفعل انطلقت الأبواق «الإسرائيلية» تعلن أن «داعش» أصبح على الحدود المصرية مع غزة، بل هو موجود في غزة نفسها. وأدلى وزير الاستخبارات«الإسرائيلي»، إسرائيل كاتس، بتصريح قال فيه إن تعاوناً قائماً بين (حماس) و«داعش» يؤكد تورط الأولى في هجمات الثانية في سيناء، وهو ما أعاد تأكيده المراسل العسكري لصحيفة (هآرتس-2/7/2015) عاموس هرئيل، بقوله: إن «رجال الذراع العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة يقيمون علاقات وثيقة مع قسم من نشطاء «داعش» في سيناء».
في الأثناء، تحركت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وشنت حملة اعتقالات واسعة اعتقلت فيها (108) من كوادر وعناصر (حماس)، إلى جانب حملة أخرى قام بها جيش الاحتلال وأعلن عن اعتقال (16) كادراً وعنصراً للحركة. وقد اعترف المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة، اللواء عدنان الضميري، بتنفيذ حملة الاعتقالات لكنه ادعى أنها تمت «على خلفية غير سياسية»، لكنه عاد وأعلن عنها مضمناً اعترافاً ينقض تصريحه الأول، قائلاً: «لا نعتبرها حملة، إنها مسؤوليتنا الوطنية، للحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي، والحفاظ على أمن بلدنا من أيد عابثة تريد أن تجر مدننا وقرانا وفلسطين كلها بالكامل إلى الدمار»، (السفير - 4/7/2015). ومن يدقق في أقوال الضميري يتصور أن «فلسطين كلها بالكامل» تحت سيطرته وهو المسؤول عن أمنها واستقرارها، ويثير استغراب المراقب، ما يلاحظه بما يشبه التنسيق بين سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» والسلطة الفلسطينية، في التأكيد على وجود رابطة بين حركة (حماس) وتنظيم «داعش» لم يقتصر على التنسيق بين الأجهزة الأمنية فقط، عندما خرج وزير خارجية السلطة، رياض المالكي، ليقول في حديث إلى فضائية (روسيا اليوم-1/7/2015): إن القاهرة، وأطرافاً أخرى، أبلغت رام الله أنها تملك ما وصفته «أدلة» على تورط الحركة في هجمات سيناء.
لقد دفع موقف السلطة الفلسطينية من اتهام حركة (حماس) بالتورط في هجمات سيناء، إلى اعتقاد بعض المراقبين بأن تنسيقاً بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية من أجل تحقيق «مصلحة مشتركة» تتلخص في دفع مصر إلى توجيه ضربات جوية للحركة في القطاع، أو على الأقل لإعادة التوتر بينهما كما كان قبل الانفراجة الأخيرة، وربما تمهيداً لضربة «إسرائيلية» يريدها الأكثر تطرفاً في الكيان، لكنه، وكما جاء في الأنباء، أن مصر لم تستجب للتحريض وأنها لم تعد تربط بين (حماس) و«داعش». فضلاً عن ذلك، استنكرت كل فصائل المقاومة في غزة، باستثناء حركة (فتح)، الاتهامات التي تم توجيهها لحركة (حماس)، كما استنكرت حملة الاعتقالات التي تعرض لها أعضاء الحركة، وطالبت بإطلاق سراح جميع المعتقلين...
وسط هذه الفوضى الشاملة، أليس على الفلسطيني أن يتساءل: إلى أين؟
المصدر: الخليج