نتنياهو الهش: أي حكومة وبأي ثمن؟
عاد بنيامين نتنياهو ليظهر أمام الجمهور الإسرائيلي برداء الساحر القادر على إبهار الناظرين.
وبعدما دفنه المعلقون وخبراء استطلاعات الرأي خرج إلى العلن، ليضع إصبعاً في عيون كارهيه داخل إسرائيل وفي الخارج، وهم كثر، ليقول إنه موجود وسيبقى.
واحتار المعلقون في تفسير ما جرى. البعض قال إنه فاز لأنه أظهر طينته اليمينية المتطرفة الحقيقية، وآخرون قالوا إن «الشعب مسحور» وواجب التغيير. ومع ذلك يؤمن كثيرون بأنه بعد أن يهدأ ضجيج الاحتفالات، ويعود الناس لرؤية الواقع كما هو، سيظهر أن لا جديد، وأن المشاكل ذاتها صارت أعمق، وأن السحر القادر على الفوز بالانتخابات، سيبقى عاجزاً عن حلها.
لقد ذهب نتنياهو إلى حائط البراق ليقدم الشكر على العون الإلهي الذي نقله من دائرة المهزومين والمثيرين للخيبة إلى دائرة المنتصرين. وبعد الصلاة شكر الناخبين الكثر الذين اختاروه، خلافاً لكل التوقعات والتقديرات رئيساً للحكومة للمرة الرابعة. وقال «أنا منفعل من ثقل المسؤولية التي ألقاها شعب إسرائيل على كاهلي».
وأضاف: «أقدر جداً قرار مواطني إسرائيل بانتخابي ورفاقي، خلافاً لكل التقديرات وضد قوى كبيرة. وبودي القول إنني سأبذل كل ما بوسعي للاهتمام برفاهية وأمن كل مواطني إسرائيل، وبعون الله سننجح».
ومن المؤكد أن انتخابات الكنيست الإسرائيلية لم تقف عند إعلان النتائج، بل تتعداها نحو البدء بمساعي تشكيل الحكومة. وبديهي أن أول ما التفت إليه نتنياهو هو محاولة إصلاح العلاقات المتدهورة مع حلفائه الطبيعيين: «البيت اليهودي»، «إسرائيل بيتنا»، والحريديم. وقد أثبتت نتائج الانتخابات أن حملة نتنياهو الانتخابية، التي توجهت أساسا ضد حليفيه الأقربين وقادت إلى تدهور مكانتهما، «البيت اليهودي» 8 مقاعد بدل 12 كانت له، و «إسرائيل بيتنا» 6 بدل 10 كانت له، لن تمر من دون عقاب. وسارع «البيت اليهودي» إلى إعلان كونه شريكا طبيعيا في الحكومة المقبلة، لكن زعيم «إسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان، العنيد، توجه إلى حزب «كلنا» برئاسة موشي كحلون لتشكيل تحالف، للتفاوض بقوة أكبر مع نتنياهو للدخول إلى حكومته.
ومن الجائز أن مهمة نتنياهو مع الحريديم، «يهدوت هتوراه» و»شاس» (سبعة مقاعد لكل منهما)، ستكون سهلة، إلا إذا تعقدت بسبب شركاء آخرين في الحكومة. ومعروف أن علاقات الحريديم سيئة مع «البيت اليهودي» الذي قاد إلى إبعادهم عن الحكومة، بتحالفه مع «هناك مستقبل» في الكنيست السابقة. كما أن علاقات الحريديم بـ «إسرائيل بيتنا» سيئة أيضاً لاعتبارات علمانية، ويمكن أن تكون سيئة جدا مع كحلون لاعتبارات اقتصادية واجتماعية.
لذلك فإن الشركاء المحتملين لنتنياهو في الحكومة الجديدة ليسوا من طينة واحدة، ويصعب توقع اتجاه الأمور. فمن الناحية العددية خسر معسكر اليمين - حريديم الغالبية (النصف زائدا واحدا) التي كانت له في الكنيست السابقة، وليس بوسع نتنياهو تشكيل حكومة يمين ضيقة. وإذا أفلح في جمع كل هذه القوى في حكومة واحدة فإنه بحاجة على الأقل إلى الشراكة مع كحلون، أو مع «هناك مستقبل»، إذا أراد تشكيل حكومة يمين وسط.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن نتنياهو على صدام شخصي وحزبي مع كل من نفتالي بينت و «البيت اليهودي»، وأفيغدور ليبرمان و «إسرائيل بيتنا»، وموشي كحلون و «كلنا» (10 مقاعد). وكما يقال كل شيء في السياسة ممكن، ولكن بثمن، وأحيانا يكون الثمن باهظاً، ونتنياهو مستعد لدفع كل ثمن مقابل البقاء رئيسا للحكومة.
لكن هناك من يسأل: أليس الثمن الذي يمكن أن يدفعه نتنياهو من أجل تشكيل «حكومة وحدة وطنية» أقل من ذلك الذي يدفعه لتشكيل حكومة يمين ضيقة، أو حتى حكومة يمين وسط؟ الأجوبة على ذلك تتناقض. لكن ما هو أهم من الأجوبة مواقف الأطراف. فقد تعهد نتنياهو بعدم تشكيل حكومة وحدة، وأعلن زعيم «المعسكر الصهيوني» (24 مقعداً) اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني حتى بعد ظهور النتائج أن الخيار الوحيد الممكن أمامهما هو البقاء في صفوف المعارضة، ونالت «القائمة العربية المشتركة» 14 مقعداً. وهذا يعني أن «حزب العمل» يريد من الآن البناء على أساس أن حكومة نتنياهو، مهما كانت، ستكون حكومة غير مستقرة، وأن الانتخابات المقبلة قد تكون أقرب مما يتخيل البعض.
فإذا كان نتنياهو هو الذي بادر قبل ثلاثة شهور لتفكيك حكومته مع القوى ذاتها و «هناك مستقبل»، لأن الوضع لم يكن مريحاً، فهل سيكون أسهل عليه إدارة حكومة في ظروف أسوأ؟
الشيء المؤكد أن الأسئلة كثيرة، والأجوبة متناقضة، والكثير سيعتمد على نوعية الحكومة التي ستتشكل، والتي يصعب التكهن بها حتى الآن. ظاهرياً حقق نتنياهو انتصاراً باهراً بحصول حزبه على 30 مقعداً (من أصل 120) وبدفن كل استطلاعات الرأي والتقديرات. جوهريا المشاكل بقيت على حالها: العلاقة المتدهورة مع أميركا، احتمالات إبرام الاتفاق النووي مع إيران، تراكم الأخطار في المحيط العربي، انسداد أفق التسوية مع الفلسطينيين، تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة وغلاء السكن.
إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية تبدو جوهرياً أكثر تعقيداً مما هي ظاهرياً. لقد فاز نتنياهو فعلاً، وحقق «الليكود» بقيادته أفضل النتائج لكن الصورة النهائية هي: معسكر اليمين تراجع بعض الشيء، المعارضة باتت أقوى والمشكلات صارت أشد. المهم أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تكون أكثر استقراراً من سابقتها، وبالتأكيد ليست أكثر تطرفاً. إنها الحكومة السابقة، ولكن بشكل أضعف.
ردود فعل
وفيما أعلنت واشنطن أن وزير الخارجية جون كيري اتصل بنتنياهو مهنئا، أشارت إلى أن الرئيس باراك أوباما سيتصل به، خلال أيام، لتهنئته بالفوز. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست أن الإدارة الأميركية لا تزال تعتقد أن الحل القائم على دولتين هو أفضل سبيل لإحلال السلام في المنطقة.
وفي انتقاد مبطن لتحذير نتنياهو اليهود المتشددين من أن فلسطينيي الـ48 يصوتون بكثافة في الانتخابات، أعلن ارنست أن هناك مخاوف عميقة لدى القيادة الأميركية بشأن استخدام «لغة خطاب مثيرة للانقسام» في الانتخابات الإسرائيلية. واستبعدت وزارة الخارجية الأميركية أن يؤثر فوز نتنياهو على المفاوضات النووية مع إيران.
وأكدت الرئاسة الفلسطينية أنها ستستمر في التعامل مع أي حكومة إسرائيلية «تعترف بحل الدولتين» وتلتزم بقرارات الشرعية الدولية، بينما اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية أن إسرائيل اختارت «العنصرية والاحتلال والاستيطان» بدل المفاوضات مع الفلسطينيين.
وأعلنت الأمم المتحدة أنها تنتظر من إسرائيل مواصلة عملية السلام للتفاوض على دولة فلسطينية. وهنأت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني رئيس الوزراء الإسرائيلي على فوزه في الانتخابات، موضحة أن «الاتحاد الأوروبي يلتزم العمل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة وفق علاقة مفيدة للطرفين بالإضافة إلى تحريك عملية السلام».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم «لا فرق بالنسبة لنا بين أحزاب النظام الصهيوني السياسية. جميعها معتدية بطبيعتها».