كيف يُبَدَدَ ويُسرق ويُساء إدارة الثروة العربية؟

افادت وكالة الانباء الفرنسية أن تقرير الامم المتحدة الذي نشر يوم الاربعاء في 25/2/2015 أفاد أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح جمع عن طريق الفساد ثروة تقدر ما بين 32 و 60 مليار دولار خلال 33 سنة في السلطة . أفاد التقرير الذي سلم لمجلس الامن الدولي أن هذه الثروة وضعت في نحو عشرين بلد وبلد ” . لا نود هنا ان نتسائل من الذي اوصل عبد الله صالح الى السلطة ومن الذي حافظ على البقاء فيها 33 سنة ، ولا من هم حلفاؤه الذي تحالف معهم ليقتلوا بعض افراد شعبه بطائراتهم بدون طيار وبدون محاكمة بل ولماذا هذه التسريبات قد تمت هذه الايام فقط ولكننا نكتفي بالفساد المالي لدى علي عبد الله صالح وهو ليس استثناء بين حكام العالم العربي ، فأرقام ثروة حسني مبارك وأولاده قد تجاوزت السبعين مليار دولار حسب بعض التقديرات وبالنسبة لكثير من حكامنا العرب الخافي الاعظم .

سنة 2000 هي منتصف فترة حكم الـ 33 سنة لعلي عبد الله صالح. كان الناتج المحلي الاجمالي (GDP)لليمن سنة 2000 (10 مليارات) دولار . والتعريف البسيط للناتج المحلي الاجمالي هو انه ناتج جميع المعاملات الاقتصادية في بلد ما لمدة سنة إذن فإن المبلغ المنهوب يساوي ناتج جميع الانشطة الاقتصادية لليمن لمدة ثلاث سنوات !!! اما عن المال المنهوب والمسلوب والضائع في بقية دول العالم العربي فحدث ولا حرج !

الاقتصاد الاكبر في العالم العربي هو الاقتصاد السعودي و جزء كبير من الدخل القومي ناتج عن ثروة طبيعية هي البترول والذي جاءت تحت اراضي الجزيرة العربية كقضاء وقدر . كتبت جريدة الواشنطن بوست بتاريخ 1/1/2013 مقالاً بعنوان ” غنى العربية السعودية يخفي مشكلة فقر متفاقم ” أدعت فيه أن ” بلداً يتمتع بثروة نفط هائلة يعيش ربع مواطنيه تحت خط الفقر . ” ويقول التقرير أيضاً أن الحكومة تعطي معلومات قليلة عن الموضوع الا ان تقارير الابحاث والصحافة تعطي رقماً يعادل ربع السعوديين تحت خط الفقر الرسمي وهو 17$ / اليوم من مجموع 16 مليون سعودي.” ويضيف التقرير ان معدل الفقر بإزدياد بالرغم من مشاريع تعتقد الواشنطن بوست أنها اقرب منها لتلميع الصورة من حل المشكلة . ولو أخذنا أخر حروب اسعار النفط ولو افترضنا أن سعر النفط قد هبط 50 دولاراً للبرميل كمعدل لبلد ينتج (10 مليون) برميل يومياً فهذا يعني خسارة مقدارها 182.5 مليار دولار في السنة – لو وزعت على4 ملايين فقير (أي ربع فقراء المملكة حسب تقرير الواشنطن بوست) لنال كل فرد منهم $45625 مما يعني ان اسرة من 5 اشخاص سيكون نصيبها حوالي ربع مليون دولار في السنة . في أول خطاب متلفز للعاهل السعودي الجديد أعطى الاولوية للجبهة الداخلية خاصة الامن والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد وكيفية توفير الخدمات السكنية والصحية والتعلمية للمواطنيين كافة على أسس المساواة والعدالة وهذه سياسة لو تم اتباعها فهي في الاتجاه الصحيح.

وحسب معهد التمويل الدولي (IIF) تمتلك الدول العربية ما يزيد عن 2.2 تريليون دولار (2200 مليار) في اصول مالية خارج بلادها تمتلك دول الخليج النفطية 1.7 تريليون منها . هذا بالاضافة على المحافظ السيادية المدارة من الدول والتي تزيد عن التريليون دولار أيضاً وكذلك لا يتم ضخ هذه الاموال في العالم العربي الا لتمويل النزاعات والحروب الامريكية بتمويل عربي . ناهيك عن مليارات دولارات الاسلحة المودعة في الاستيداع من الاجيال القديمة من الاسلحة ، والتي لا يتم أو يحسن استعمالها أو يتم وضع قيود تكنولوجية عليها كما في حالة الطائرات F16 التي يتم تغيير خزانات الوقود وأجهزتها الالكترونية المتقدمة .

هذه الدول التي تصدر ملياراتها وتريليوناتها للخارج تستورد غذائها وكسائها ودوائها وسلعها من خارج أوطانها ولو تمّ منع القمح عنهم لماتوا جوعاً ! في حين لو استثمرت جزءاً من تلك الاموال لتأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع لكان اجدى بها .

مجموع الناتج المحلي الاجمالي لـ22 دولة من دول العالم العربي العضو في الجامعة العربية يساوي 2.8 تريليون دولار الجزء الاكبر منه يأتي من دخل البترول – وهذا المجموع أقل من الدخل الكلي لبلد واحد كألمانيا ذات الـدخل القومي المساوي الى 2.9 تريليون دولار. وكذلك فدخل اسرائيل القومي قبل انتاج الغاز يبلغ 291 مليار دولار ويزيد (10) اضعاف عن الـدخل القومي الاردني مع أن عدد السكان متقارب في الحالتين ، بل يزيد عن الـدخل القومي لاي من الدول النفطية العربية كالكويت (247) ، وقطر (202) ، وليبيا (67)، والعراق(185) والجزائر (206) ومصر (271) ، وعُمان ( 80) والبحرين (32).

بعض بلدان النفط العربي ، ولا اريد أن اسميها لكي لا تأخذ العزة البعض بالاثم ، عدد سكانها أقل من عدد موظفي شركة وول مارت المعروفة والتي وظفت سنة 2014( 2.2 مليون موظف) – كما ان مبيعاتها السنوية يزيد عن الناتج المحلي لاي من دول الخليج النفطية عدا السعودية . كذلك فإن الاصول لبنك ستي غروب البالغة 1.6 تريليون دولار أي ما يزيد عن مجموع الدخل الاجمالي لــ22 دولة عربية لو استثنينى النفط منه

هل تستطيع تلك الدول التصرف بحرية بأموالها ؟ الجواب لا . فإذن لماذا تنتج أكثر من حاجاتها وتستنذف ثروات الاجيال القادمة مقابل أوراق وأموال تذهب الى سندات خزينة الولايات المتحدة لتمويل عجوزاتها الناتجة عن حروبها بما في ذلك ضد شعوبنا بل ومساعدتها لاعداءنا كما لاسرائيل ؟

عندما خطَت الكويت خطوات صحيحه في الاستثمار بأموالها الفائضة لشراء أسهم في شركة البترول البريطانية (BP) تدخلت الحكومة البريطانية وفرضت على الكويت حداً أعلى من الملكية في تلك الشركة وأجبرتها على بيع ما يزيد عن ذلك الحد . هل هذه هي التجارة الحرة التي ينعق الغرب بها ليلاً ونهاراً ! كذلك و على سبيل المثال أكبر شركة نفط في العالم شركة Exxon دخلها سنة 2014 كان يزيد عن كل الدخل القومي لاي دولة خليجية عدى السعودية اذ بلغ 407 مليار مقابل ربح يساوي 32.58 مليار . (وهذا الربح لشركة واحدة يزيد عن الدخل القومي للاردن بكامله) كما أن كل حقوق المساهمين فيها لا يزيد عن 175 مليار دولار بل وكل اصولها 346 مليار دولار .

الحقيقة المفزعة أن مجموع الدخل الكلي المحلي للدول العربية ما بين سنوات 1980 الى 2004 قد زاد طيلة هذه السنوات الـ 24 ما مجموعه 6.4% فقط وهو حوالي زيادة الناتج المحلي للصين لمدة 7 شهور في تلك السنوات الـ 24 سنة

لكي يبقى المال العربي حكراً للمؤسسات المالية الغربية التي يملكها ويديرها الصهاينة اليهود سواءً في وول ستريت أو في لندن فقد تمّ محاربة اي بنك عربي بدء يأخذ طابع العالمية وبدأ يستقطب الاموال الحكومية والخاصة المحلية ولذلك تمّ تدبير مؤامرة بنك انترا الذي وصلت استثماراته حتى اخر اوروبا والولايات المتحدة وكذلك تمّ تدمير بنك الاعتماد والتجارة الدولي (بالإنجليزية: Bank of Credit and Commerce International ) لاضعاف ثقة المستثمرين الخليجيين وتكبديهم خسائر كبيرة واهية ارتكبت بنوك الولايات المتحدة العملاقة اسوء منها كتبيض اموال تجارة المخدرات . كما يتم الان محاربة أي بنك عربي يأخذ طابع العالمية كالبنك العربي .

لكن ما الغرابة في ذلك كله ما دام يمكن لشاويش أن يصبح مشيراً وأن يتم سجن ثلاثة مواطنين لقتلهم كلباً ، بينما يعذب في اليوم ذاته محامياً حتى الموت داخل مخفر شرطة ، او يقدم طفل عمره 8 سنوات الى محكمة عسكرية ، او يتم اعتبار فصيل مقاوم بأنه ارهابي من نفس المحكمة التي رفضت دعوى لاعتبار اسرائيل كياناً ارهابياً بدعوى عدم الاختصاص ، وفي نفس الوقت التي قامت به المحكمة الاوروبية بإزالة اسم حماس من قائمة الارهاب

وأخيراً :” كما تكونوا يولي عليكم ” واستغفر الله العظيم لي ولكم !

المصدر: رأي اليوم