الأردن: تطبيع في خضم الحرب
يبدو أن المتغيرات الحاصلة في المنطقة تعيد ترتيب كل شيء. ليس في الإقليم وحسب، بل داخل كل بلد في الإقليم حتى وإن لم تطله ظلال «الربيع العربي» بصورة مباشرة. فمشروع «ناقل البحرين» (البحر الأحمر والبحر الميت) الذي كانت تعترضه الكثير من العقبات منذ سنوات، ها هو يصبح واقعاً، حتى وإن كانت أوزار الحرب على «داعش» تحط رحالها في عقر الدار.
وأعلن وزير المياه والري الأردني حازم الناصر أمس، أن الأردن سيبدأ خلال الأسابيع المقبلة تحضير وثائق عطاء مشروع ناقل البحر الأحمر ـ الميت، تمهيداً لطرحه للتنفيذ خلال العام الحالي، مبيناً خلال التوقيع مع الجانب الإسرائيلي، أن «هذه الاتفاقية الثنائية رسمت الخطوط الواضحة لمكونات المشروع الرئيسة، وطريقة التنفيذ، والجدول الزمني، الذي سيتم السير به وآلية متابعة الأعمال، وإدارة المشروع والتمويل والآثار البيئية والاجتماعية، بما يحقق أعلى درجات المصالح الوطنية الأردنية».
وتوقيع الاتفاقية يستكمل مذكرة التفاهم التي وقعت في العاصمة الأميركية واشنطن في كانون الأول من العام 2013، مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور دولي رفيع المستوى. وحضر توقيع الاتفاقية ممثلون عن «البنك الدولي» والولايات المتحدة ورئيس لجنة المياه المشتركة المهندس سعد أبو حمور وأعضاء لجنة المياه المشتركة.
وبحسب ما نشرت وكالة الأنباء الأردنية ـ «بترا» أمس، على لسان الناصر، فإنه يصف المشروع بـ «المشروع الوطني الأردني بامتياز»، معتبراً أن المشروع «سيحقق التنمية الاقتصادية الشاملة للدولة الأردنية، التي تسعى بكل طاقتها إلى إرساء الأمن السلمي العالمي، كما سيسعى إلى تأمين الأشقاء الفلسطينيين بحصة كبيرة لمناطق الضفة الغربية التي تعاني نقصاً مائياً كبيراً، بالاضافة الى أنه سيتم توقيع اتفاقية ثنائية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني لهذه الغاية قريباً، عملاً بما ورد في مذكرة التفاهم الثلاثية التي وقعت في شهر كانون الأول من العام 2013 في الولايات المتحدة».
وأضاف الناصر أن «المشروع حل إبداعي بتحلية مياه البحر، إذ سيعمل على تأمين احتياجات المملكة المتزايدة في التنمية والتطور خلال الفترات المقبلة، من خلال تنفيذ وإنشاء مأخذ على البحر الأحمر لسحب 300 مليون متر مكعب سنوياً في المرحلة الأولى، لتصل إلى ملياري متر مكعب سنوياً، بعد استكمال المراحل المستقبلية للمشروع مع إنشاء محطة ضخ على الشاطئ الشمالي للعقبة وخطوط المياه، وإنشاء مبنى لاستيعاب جميع المضخات التي سيتم تركيبها في المراحل المختلفة».
وجهة النظر الرسمية هذه، تقابلها وجهة نظر أخرى، إذ يرى المحلل السياسي الدكتور إبراهيم علوش في حديث إلى «السفير» أن المشروع «إنما هو خطوة لإلحاق الأردن بدولة الكيان على كافة الصعد، استناداً إلى معاهدة وادي عربة المؤلفة من 30 بنداً، والتي يتناول 15 بنداً منها التكامل الإقليمي بين الأردن والكيان الصهيوني».
ويستدل علوش على ما سبق بصفقة الغاز المزمع توقيعها، «ليصبح كل أردني مطبعاً عندما يشعل النور في بيته أو مكان عمله، وأخيراً باتفاقية ناقل البحرين التي تم توقيعها، والتي تتضمن جوانب ظاهرة وأخرى غير ظاهرة، ومن بينها تكرير المياه ونقلها إلى أم الرشراش»، وهنالك من يتحدث عن ربط مشروع البحرين بالمشروع النووي الإسرائيلي بطريقة ما، بغرض تأمين مياه التبريد له.
وبين علوش أن «هذه القضية كان قد تعرض لها سابقاً الخبير البيئي الأردني سفيان التل في محاضرة له في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية».
هذه الاتفاقية سمع عنها الأردنيون منذ سنوات، لكن توقيعها الذي يأتي في هذا التوقيت تحديداً يفتح باب الأسئلة عن السبب. فلماذا الآن يتم توقيعها؟
يعتبر المحلل السياسي جهاد الرنتيسي أن الاتفاقية كانت تعترضها عثرات عدة وها هي العثرات تتآكل، إذ أن الاتفاقية من وجهة نظره ستؤسس لدور أردني في فلسطين، وأن تآكل السلطة الفلسطينية في هذه الآونة بالإضافة إلى تنامي الدور الأردني في الإقليم في ظل الأزمة السورية وما تفرضه من انعكاسات على المنطقة، أتاح الفرصة لأن يصبح توقيع الاتفاقية ممكناً في هذه الأيام.
ويذهب الرنتيسي، في حديثة مع «السفير»، إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن «المنطقة ككل تتجه نحو التقسيم إلى كيانات أضيق من خطوط سايكس - بيكو، والأردن وإسرائيل لن يكونا بمعزل عن هذه التقسيمات أبداً، مضيفاً أن «مشروع الناقل يأتي كجزء من هذه السياسة».
وأشار إلى أن «البعد السياسي قد كان هو المعيق الأكبر لتوقيع هذه الاتفاقية منذ سنوات، كما أن قرار التوقيع الآن هو قرار سياسي بامتياز»، برغم أن الرنتيسي يذهب إلى أن المشروع قد تكون له أثار إيجابية على البحر الميت وربما على الأردن من جهة مائية وبيئية.
ويتوقف علوش عند الفكرة الأخيرة للرنتيسي، ويتساءل: «في حال اعتبرنا أن الناقل سينقذ البحر الميت، لا بد أن نتذكر أن سيطرة الكيان الصهيوني على مياه اليرموك ومصادرتها هو المتسبب الأول بتهديد البحر الميت بيئياً»، معتبراً أنه إذا كنا سنعتبر هذه فائدة للاتفاقية فإن «الأردن سيكون بصدد دفع تكاليف مشكلة بيئية خلقتها إسرائيل».
المصدر: السفير