الصهاينة «الإنسانيون» وبضاعتهم الفاسدة!
بعض الصهاينة، من إعلاميين وأكاديميين، وبعض السياسيين، يحاولون بين فينة وأخرى أن يتحفونا بآرائهم ومواقفهم "الإنسانية" تجاه الشعب الفلسطيني . وبين "النقد اللاذع" للسياسة "الإسرائيلية" و"النصح المخادع"، يتكشفون، كما قلت في مقال سابق، عن "فرقة احتياطية" لأكثر الصهاينة تطرفاً، ولأكثر السياسات عنصرية . والعجيب حقاً، أن بعض هؤلاء استطاع أن يخدع بعض الفلسطينيين ويقنعهم بأنهم أصدقاء للشعب الفلسطيني وأنصار لقضيته الوطنية!
من بين الأكاديميين، يقف في المقدمة المؤرخ الصهيوني "الإسرائيلي" زئيف شترنهيل، وهو من مواليد بولندا عام ،1936 يعمل أستاذاً للعلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، ويعتبر خبيراً في الفاشية! "يعارض سياسة الاستيطان، ويدعو إلى تسوية مع الفلسطينيين"، وحاصل على "جائزة إسرائيل" العام 2008 . وينشر مقالاته في صحيفة (هآرتس) المحسوبة على "اليسار الوسط" . آخر مقالاته نشرتها (هآرتس 3-1-2015) تحت عنوان: "لو كنت فلسطينياً"، يقدم فيه "النصح" للفلسطينيين في مطلع العام الجديد، بعد فشل المشروع الذي قدمته السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن الدولي بهدف تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال .
يبدأ شترنهيل نصائحه للفلسطينيين، بدعوتهم لأن يحاولوا التعلم من اليهود، وخصوصاً "من أعظمهم دافيد بن غوريون"! وهكذا من البداية يطلب منهم أن يكون ابن غوريون "مرجعيتهم" السياسية! ويذكرهم بأن "القاعدة الذهبية" لدى ابن غوريون كانت بكلماته: "هي خذ كل ما يعطونك إياه!!" وعليه، يفترض أن يقبل الفلسطينيون ما يعطيه لهم صهاينة تل أبيب ! ولكن قبل التطرق لبقايا نصائح شترنهيل، يفرض سؤال نفسه: ماذا أعطى صهاينة تل أبيب للفلسطينيين بعد أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات، وبعد قبول القيادة الفلسطينية التوقيع على "اتفاق أوسلو" الذي تنازلت بموجبه عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية .
حسناً، لننزل إلى نصيحة شترنهيل الثانية، فماذا يقول لو كان فلسطينياً؟ بكلماته أيضاً: "ثانياً، كنت سألبي بلا تردد المطلبين الأساسيين اللذين يطرحهما اليهود كشرط لا بد منه . . كنت سأوقع في هذه اللحظة على مطلب نتنياهو، وأعترف ب"إسرائيل" كدولة قومية للشعب اليهودي . .!!" هكذا مطلوب أن يعترف الفلسطينيون بأن "كل روايتهم" عن اغتصاب وطنهم كانت رواية كاذبة، وأن الغزاة الصهاينة عملاء الاستعمار العالمي كانوا على حق، وأن فلسطين هي "وطنهم القومي وحقهم التاريخي ووعدهم الإلهي!!" .
هل بقي شيء من نصائح منتحل الهوية الفلسطينية، شترنهيل؟ نعم، بقي الكثير! النصيحة الثالثة، هي كما يكتب: "بذات الحماسة كنت سأعلن بصوت عالٍ بأني أتنازل عن حق العودة!" لماذا، لأن "الهاذيين وحدهم لا يزالون يؤمنون بأنهم سيعودون في أي مرحلة إلى حيفا والرملة وطبريا"! هذه في الحقيقة ليست "نصيحة" مستقلة بذاتها، بل هي توسيع للنصيحة التي سبقتها، فمن يعترف ب "الدولة اليهودية" يكون قد هيأ نفسه للتنازل عن كل شيء وليس فقط عن حق العودة، وإلا سيكون من "الهاذين" المجانين! هذا هو رأي شترنهيل اليهودي البولندي "الإسرائيلي" اليساري منتحل الهوية الفلسطينية في مشروعية حق العودة!
"النصيحة" الرابعة لشترنهيل، هي متابعة لما جاء في "النصائح" الثلاث السابقة، ويقول فيها: "كنت سأشدد بأن ليست لدي مطالب بأراض ضاعت في نكبتنا، التي هي حرب الاستقلال اليهودية"! مؤكدا رأيه السابق: "إذ على أي حال لا يوجد أي احتمال للعودة إليها في أي مرحلة!!" .
أما النصيحة الأخيرة التي يقدمها الصهيوني "الإنساني" زئيف شترنهيل للفلسطينيين، فهي التعلم من ابن غوريون "أن أضمن دوماً دعم قوة عظمى!" وهو هنا يرشح أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن عالم السياسة أستاذ العلوم السياسية لا يعرف ولا يرى كيف أن أوروبا مجرد ذنب سياسي للولايات المتحدة . والحقيقة أنه لأنه يعرف ذلك جيداً، يرشح أوروبا من أجل مسيرة فلسطينية عبثية جديدة قد تمتد عشرين عاماً أخرى، توفر لحكام تل أبيب ما يلزم من وقت لاستكمال مخطط تهويد فلسطين .
لا شك أن شترنهيل نموذج ممتاز لأولئك "الإنسانويين" من الصهاينة، وهم فيما ينتحلون من صفات المدافعين عن قيم "العدل والديمقراطية والمساواة" يخدمون نتنياهو وليبرمان وبينيت، أكثر مما يخدمهم فايغلين ولبيد وليفني وغيرهم! إن شترنهيل يسبق تسيبي ليفني ويستحق أن يحل محل شمعون بيريز في الدعوة إلى "السلام الإسرائيلي" الكاذب!!
ولا بد من ملاحظة نسوقها في هذا المقام، وهي أن هؤلاء من أمثال شترنهيل، قد يتعرضون للاعتداء عليهم من جانب جماعات المستوطنين وأحزابهم، إما لغباء وقصر في تفكير هذه الجماعات، أو من أجل تلميعهم وتأكيد صفاتهم "الإنسانية" لتمرير عمليات الخداع التي يمارسها شترنهيل وأمثاله، لدرجة أن يتهموهم بمختلف التهم من "معاداة السامية" إلى "كارهي أنفسهم" . وعلى الفلسطينيين ألا يقعوا في هذا الخداع، فيسهمون في تمريره .
وتبقى كلمة للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية، والكتاب وأصحاب الرأي الفلسطينيين . كلمة تحذير للجميع من تسويق أعضاء هذه "الفرقة الاحتياطية" بإلصاق تهمة "اليسار والتقدمية" بهم، باسم العمل لكسب ود "المجتمع الإسرائيلي"، أو للظهور ك "معتدلين" أمام الرأي العام العالمي . ومن يشارك في التسويق لهم، لا يشارك فقط في عملية التزوير الواسعة التي تروج لها القيادات الصهيونية، بل وفي طمس اغتصابهم وجرائمهم، ويخذلون شعبهم وقضيته .
إن دورنا كوطنيين فلسطينيين، أن نقف لهؤلاء المضللين بالمرصاد، فنفضح بضاعتهم الفاسدة ونردها إليهم، لا أن نسوقهم ونسوقها لهم . .!
المصدر: الخليج