أيزنكوت «البعبع» الوديع.. في مواجهة حزب الله
تعيين اللواء غادي ايزنكوت رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي خلفاً لبني غانتس عادي في ظرف غير عادي. السلف كان عدواً عاقلاً، وأدرك بلحمه ودمه في حرب عام 2006 (كقائد ذراع البر) حدود قوة إسرائيل وردات فعل حزب الله والأثمان والخطوط الحمراء، الأمر الذي دفعه الى الحفاظ على الوضع القائم مع لبنان، بلا جولات قتالية واسعة، طوال السنوات الماضية. لكن، هل يعني تعيين ايزنكوت، صاحب «عقيدة الضاحية» وقتل المدنيين في لبنان، أنه سيسارع الى تنفيذ نظرياته القتالية، والتعجيل بالحرب في الاتجاه اللبناني؟
لا يأتي ايزنكوت من دائرة قرار وتفكير مغايرين عن غانتس. كان نائباً لرئيس الأركان وشريكاً في قراراته، سواء الهجومية منها أو الدفاعية الانكفائية. ولا ينتظر منه أن يكون صاحب تفكير مغاير، فهو ينتمي الى مدرسة رئيس الأركان السابق غابي اشكنازي. وقد أثبتت التجربة أن هذه المدرسة أكثر عقلانية من بعض من في المؤسسة السياسية، وهي تؤمن باستخدام القوة فقط عندما لا يكون هناك خيار آخر، بل باتت أكثر حضوراً في الوعي الجمعي، السياسي والعسكري الإسرائيليين، نتيجة للحرب والأثمان التي تلقتها في حرب عام 2006.
على هذه الخلفية، سيواصل ايزنكوت المهمة، تماماً كما أنجزها غانتس: الابتعاد عن إيران لفقدان أي خيار عسكري ممكن، رغم التقدير بأن التهويل بهذا الخيار سيبقى قائماً على حاله، وأيضاً إزاء الفلسطينيين، إذ لن يسارع الى المواجهات الواسعة، بعدما ثبت العجز في دفعهم الى الاستسلام في عملية «الجرف الصامد» قبل أكثر من أربعة أشهر. أما لجهة الجبهة الشمالية، بشقيها اللبناني والسوري، فستبقى أشد تعقيداً من قدرة أي جنرال يتولى رئاسة الأركان في إسرائيل، انطلاقاً من أن الكلمة الفصل في أي مواجهة مفترضة، هي حسابات الكلفة والجدوى التي ستبقى مهيمنة على حسابات وتفكير من يتولى منصب رئاسة الأركان.
يمكن للإعلام العبري أن ينشغل بنظريات ايزنكوت الهجومية وما بات يعرف بـ«عقيدة الضاحية» وضرب المدنيين في لبنان. وهي تهديدات ساقها ايزنكوت ضد الحزب ولبنان عام 2008. لكن ما بين الأمس واليوم، فضلاً عن الغد، فرق شاسع جداً.
أراد ايزنكوت من خلال "عقيدة الضاحية" أن يعزز قوة الردع الإسرائيلية في مقابل حزب الله، وخصوصاً أنه من الطاقم القيادي الذي انكوى وعيه في حرب 2006، ولا يريد تكرار الفشل. إذ كان رئيساً لشعبة العمليات في الجيش في تلك الحرب، وفي حينه قال إن إسرائيل أخفقت في مسألتين: أنها لم تستطع أن تحسم الحرب مع الحزب طوال 33 يوماً، وأن قصف العمق الإسرائيلي تواصل حتى آخر يوم في الحرب.
بعد عامين فقط على «عقيدة الضاحية»، تجاهلها صاحبها الذي نادى بها طويلاً، باعتبارها الحل الأمثل لمعضلة حزب الله، وانتقل الى الإقرار بمعادلة جديدة أمام الحزب، وهي «الحرب الباردة». أشار في لقاء مع مسؤولي السلطات المحلية في شمال إسرائيل، (24 أيار 2010) إلى أن «أساليب حزب الله تذكّر بالحرب الباردة التي كانت في أوروبا »، مضيفاً إن «الردع المتبادل ينتج توتراً كبيراً». والحديث عن «الحرب الباردة» والإقرار بـ«الردع المتبادل»، هو تعبير عن حقيقة التحوّلات التي طرأت على موازين القوى بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، بين عام 2008، وعام 2010، فكيف هي حال التحولات حتى عام 2014.
"نظرية الضاحية" كانت ممكنة، ربما، في جبهة كقطاع غزة، حيث لإسرائيل القدرة على التدمير وضرب المدنيين وتجاوز كل قوانين الحرب ومعاييرها، إذ لا يوجد في المقابل، لدى الفصائل الفلسطينية، ما يردع إسرائيل عن القتل والتدمير، ومن دون أن تتوقع تدميراً وقتلاً مقابلين. لكن مع لبنان، دفنت هذه النظرية منذ سنوات، ولم تعد ذات معنى إلا في إطار الحرب النفسية، لا أكثر.
إضافة الى ذلك، يوجد في معادلة ايزنكوت ما يطمئن اللبنانيين في معرض تهديده القديم. فعندما يهدد بالدمار الشامل، فهو ينطلق من الدمار والأهوال اللذين يراهما واقعين في إسرائيل في المقابل، إن وقعت الحرب؛ الأمر الذي يدفعه الى التهديد لمنع تفعيل التهديد المقابل من لبنان، وهي عبارة تجد في اللغة العربية والعبرية على السواء مرادفاً لها: الردع المتبادل بين الطرفين يؤجل الحرب على أقل تقدير.
على هذه الأسس وهذه الضوابط، الردعية المتبادلة، لا يتوقع تغييراً في المعادلة القائمة بين لبنان وإسرائيل، تماماً كما جرى رسمها وتأكيدها أخيراً في زمن من سبقه في موقع رئاسة الأركان ، بني غانتس. كما لا يتوقع أيضاً حرباً ومواجهة واسعة ابتدائية، لا يريدها طرفاها. لكن في الوقت نفسه، يبقى الخطأ في الحسابات حاكماً لإمكان الحرب من عدمها، ما يعني أن جهد ايزنكوت سينصب على عدم الوقوع في خطأ قاتل يتسبب بحرب لا تريدها إسرائيل، بل ربما لا تقوى على تحمل تبعاتها.
المصدر: الأخبار اللبنانية