غاية المراد من قصة المنطاد
في2يوليو 1798نزل الجنرال الفرنسي بونابرت إلي ميناء الإسكندرية من علي ظهربارجة تسمى الأوريان ثم دخل القاهرة. وفي 22 أغسطس أصدر مرسوما بإنشاءالمجمع العلمي المصري.
في ذلك الوقت كان المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي فيالرابعة والأربعين من عمره ووصف لنا ما أسماه " سنوات الملاحم العظيمةوالحوادث الجسيمة".من تلك الحوادث إنشاء المعهد العلمي الذي أدهش المصريينبتطور العلوم التي لم يعرفوها أصلا. ذهل الجبرتي حين رأى التجاربالكيميائية التي تتبدل فيها ألوان السوائل في القوارير فكتب يقول"فيها أمور وأحوال وتراكيب غريبةينتج منها نتائج لا يسعها عقول أمثالنا"! وذاتيوم أعلن الفرنسيون أنهم سيطيرون منطادا قرب بركة الأزبكية. وفي اليوم المحدد تجمع أهل القاهرة لمشاهدة ذلك، وارتفع المنطاد قليلا لكنه سرعان ماانفجر. ولم يقتنع الجبرتي بإمكانية تطيير جسم في الفضاء، وظن أن المنطادكذبة وأنه على حد قوله"مجرد بالون عادي". كان الأمر" مما لاتسعه العقول"حينذاك. و بعد أكثر من قرن ونصف على المنطاد الأول شاهد المصريون عام 1961أول إنسان يرى الأرض من الفضاء الخارجي على متن منطاد أكثر تطورا هو"فوستوك" كان ذلك يوري جاجارين. وكانت مصر الدولة الوحيدة من بين كل الدولالعربية والإفريقية التي زراها أول رائد فضاء. مع ذلك كان البعض يشك فيواقعية منطاد جاجارين لكن الحقيقة العنيدة هزمت الشكوك التي ظهرت من قبلإزاء منطاد بونابرت. ثم توالت رحلات المناطيد فلم تعد خبرا مهما إلي أن هبطيوم الأربعاء 12 نوفمبر الحالي المسبار الفضائي"فيلة"على سطح مذنب، وكان "فيلة" ضمن مهمة مركبة فضائية تسمى" روزيتا" أطلقوها منذ عشرة أعوام في 2004 بهدف تعقب مذنب اكتشفه عالمان روسيان. الهدف الأول من إسقاط مسبار علىسطح ذلك المذنب هو اكتشاف كيف نشأت الحياة على الأرض والعناصر الأوليةالتى تكون منهاكوكبنا،لأن المذنبات – خلافا للكواكب - ظلت على حالتها الأولى التي كانت عليها قبلأربعة مليارات ونصف المليار عام، فاحتفظت بالعناصر التي تكونت منها الأرضحينذاك.الهدف الثاني دراسة كيفية حماية الأرض من مخاطر اصطدام المذنبات بهاوتدميرها. وتعد هذه الرحلة خطوة علمية هائلة غير مسبوقة في تاريخ الحضارةوالعلم. أضف إلي هذا تلك الإشارات التي ربطت الحدث بمصر وفي مقدمتها أن اسم المسبار" فيلة" مأخوذ من معابد فيلة الفرعونية واسم المركبة"روزيتا" يعنيحجر رشيد، والأهم أن أربعة من شباب العلماء المصريين قد شاركوا في المهمةوهم د. عصام حجي ابن الفنان الكبير محمد حجي، ود. رامي العمري، ود. أحمدالشافعي، ود. عصام معروف. وإذا أدركت حجم الانجاز العلمي واحترام حضارتناالقديمة ومساهمة علمائنا فسوف تشعر بالفخر الجميل بأولئك العلماءوبقدراتنا. لكنك إذا نظرت إلي مقدار اهتمام الإعلام وأجهزة الدولة وغيرهابذلك الحدث فسوف تشعر بالأسف العميق على أحوالنا. ولو أنهم أطلقوا علىالمسباراسم " فيفي" بدلا من" فيلة" لقامت الدنيا عندنا وتحزمت ورقصت وهاصت ولم تقعد من الفرح! في حينه لم يصدق الجبرتي قصة المنطاد الأول وقال" فيهأمور لايسعها عقول أمثالنا" وكان معذورا لأنه لم يكن يعلم أما نحن فنعلملكننا لا نبالي وتلك كارثة أعمق وأشد إيلاما.