متلازمة «المال والملل» فعلت فعلها وأشياء أخرى قيد التحري.. شباب غارق في وحل التطرف .. وتساؤلات عن دور الأحزاب السياسية ؟
فيما كان الشباب يتطلعون إلى مستقبل فيه المزيد من الحرية والديمقراطية، وجدوا أنفسهم فجأة غارقين في تنظيمات متطرفة مسلحة وغير مسلحة، وصعدت نتيجة ذلك التيارات والتنظيمات المتطرفة إلى الواجهة، واستحوذت على نسبة ليست كبيرة، لكنها خطيرة من الشباب وطاقاتهم، على حساب الأحزاب السياسية التي ظهرت عليها نتيجة الأزمة الراهنة التي تعصف بالمنطقة عوارض القصور في استيعاب الشباب وجذبهم إليها، ما شكل خطراً على كيان دول المنطقة وحاضرها ومستقبلها.
لقد استطاعت التنظيمات المتطرفة المتفرعة عن تنظيم “القاعدة” خلال سنوات قليلة، أن تتغلغل داخل المجتمع العربي وتطوّر نفسها، وفق صيغة أفقية واسعة في طيفها، بمتزعمين ميدانيين يتمتعون بالاستقلال الذاتي والقدرة على الحركة في بلدان المنطقة وجوارها الآسيوي والأفريقي، من أفغانستان إلى المغرب العربي، وربما قريباً في أوروبا، لا أحد يعلم، وسورية اليوم هي إحدى هذه البلدان التي تعاني من الإرهاب الناتج عن التطرف.
وإذا كان القضاء على الخطر الإرهابي الذي تشكله التنظيمات المتطرفة هو المهمة الملقاة على عاتقنا جميعاً، فالأجدى أن ندرك أسباب هذا التطرف وجذوره السياسية والاجتماعية، بعد أن تحوّل اليوم إلى شبكة أيديولوجية لها امتداداتها في جميع أنحاء العالم، وبما أن الأحزاب السياسية ليست سلعاً جاهزة تستوردها الدول، بل هي نتاج ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية تفرزها هذه الدول، فمهمتها الصعبة تكمن في توفير الشروط لنفسها لتتجاوز ظروف مجتمعاتها، وتنهض بدورها في القضاء على أسباب التطرف، بالعمل على تحقيق التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يتحدث الكاتب الكبير محمد الماغوط في إحدى مقابلاته متذكراً أيام شبابه، أواسط العقد الماضي.. “بالنسبة لفتى يافع وفقير مثلي، كنت بحاجة إلى انتماء ما، وكان هناك حزبان يتنافسان في السلمية، هما حزب البعث، والحزب السوري القومي، وفي طريقي إلى الانتساب إلى أحدهما، اتضح لي أن أحدهما بعيد عن الحارة ولا يوجد في مقرّه مدفأة، ولأني كنت متجمّد الأطراف من البرد اخترت الثاني دون تردد، لأنه قريب من حارتنا وفي مقرّه مدفأة.. ومنذ أن انتهت موجة البرد، لم أحضر له اجتماعاً.. مرة واحدة كلفوني بها بجمع تبرعات من إحدى القرى التي كنت أعمل في بساتينها، فجمعت التبرعات والاشتراكات، واشتريت بها بنطلوناً وذاك وجه الضيف”، ربما تختصر حالة الكاتب الراحل الكثير من تساؤلاتنا في تحقيقنا هذا، ولكن لابد من الدخول في التفاصيل، والبحث في الأسباب والنتائج، للوصول إلى جذور المشكلة.
من أين بدأت المشكلة؟
في سبيل بحثنا عن أسباب القصور الحزبي في استيعاب الشباب واستقطابهم داخل الأحزاب السياسية، إلى أن أصبحوا فريسة سهلة لجماعات العنف والتطرف، طرحنا القضية مع بعض الشخصيات الحزبية، للوصول إلى تحديد ماهية المشكلة، في سبيل العمل على معالجة القصور، وحماية الشباب من الذهاب في الطريق الآخر المظلم، الذي سيقضي على حاضرهم ومستقبلهم، وبالتالي حاضر الوطن ومستقبله، الذين هم عماده وأساس بنائه وتنميته.
ويعتبر غسان عثمان، أمين عام حزب العهد الوطني، أن “الحديث عن ضعف استقطاب الشباب من قبل الأحزاب السياسية بعيد عن الواقع”، ثم عاد ليقول “أنا بتصوري لم تكن النشاطات الحزبية كافية لاستيعاب الشباب”، مضيفاً أن “تقصير الأحزاب أو الحكومات لا يبرر التحاق الشباب بالتنظيمات المتطرفة”.
ويقول جميل مراد، عميد الشباب والثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي “إن ابتعاد الأحزاب بشكل أو بآخر عن العمل المجتمعي وحصر اهتمامها بالعمل السياسي، أدى إلى عدم وجود برامج و خطط واضحة تجاه شريحة الشباب، مما أدى إلى عزوف هذه الفئة عن العمل الحزبي”، ويعتبر مراد أن “السبب الرئيسي لجنوح الشباب نحو التطرف الديني هو التعصب المبني على الجهل الموجود عند بعض شرائح المجتمع، و الذي تم استغلاله من قبل بعض المنابر الدينية المتطرفة، التي عملت على خلق شخصيات غير قادرة على اتخاذ قرار مستقل مبني على أسس وطنية، بل عملوا على تعزيز شعور هؤلاء الأفراد برفض باقي فئات المجتمع والتكتل مع الأشخاص الذين يحملون القواسم المشتركة نفسها”.
أما فؤاد عاصي عضو قيادة اتحاد شبيبة الثورة فيتوقف عند التعبيرَين المستخدمَين في التحقيق : الأول “القصور الحزبي” والثاني “استيعاب الشباب”، وقال “إنّ استخدام كلمة أو تعبير قصور حزبي مؤداه أنّ جملة الأحزاب السياسية التي تعمل قديمها وحديثها في سورية ، إنّما هي عاجزة عن استقطاب جماهير الشباب، وهذا بالفهم العام والخاص خاطئ .. ومن وجهة نظري ليس بالضرورة لهذه الأحزاب أن تستوعب الشباب بالمعنى الجمعي أو الكلي ، ولم تكن الأحزاب يوماً تستوعب كلّ الشباب مهما كانت هذه الأحزاب أو اتجاهاتها أو مناهجها يسارية أم يمينية ، دينية أم علمانية .. وأيضاً تعبير قصور حزبي يعطي معنى فيه تهاون أو ضعف أو عدم مواكبة ، وإنّما يمكن أن يكون هناك بعض التقصير من بعض الأحزاب ، وخاصّة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وأيضاً هذا لا يعني أنّ هذه الأحزاب لا تعنى بالتوجّه إلى الشباب والعمل على استيعاب أكبر عدد منهم من جهة والاهتمام بالنوع منهم من جهة ثانية”.
وأمام مسألة انضواء بعض الشباب تحت راية المجموعات أو التنظيمات التي تعتمد العنف والتطرّف، يقول عاصي “لا يمكن أن نحمّل مسؤولية ذلك للأحزاب السياسية القديمة أو الناشئة، وإنّما هو نتاج مجموعة من العوامل: النفسية الذاتية والمجتمعية والثقافية والتعليمية والدينية والاقتصادية والإعلامية وغيرها من العوامل ، هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تدفع ببعض الشباب نحو العنف والتطرّف، ولا بدّ من دراسة جديّة وواقعية للوقوف بدقة عند ماهية الدوافع والأسباب التي تنحو بالشاب تجاه الانضمام لهذه التنظيمات المتطرّفة”.
ويوضح مهند دليقان، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، يوضح قبل الإجابة على سؤالنا أنه ليس مع مسألة الفصل الميكانيكي بين شرائح الشباب وبقية الشرائح العمرية في المجتمع السوري، لسببين، الأول أن هذا المجتمع فتي، بمعنى أن الشريحة العمرية الشابة كبيرة فيه بنسبة تتراوح بين 40-60% حسب الأرقام والمصادر المختلفة، والثاني المترتب عليه هو أن هذه الشريحة تتأثر كباقي الشرائح تماماً بكل التطورات المختلفة التي تطرأ على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن الفرق بخصوصياتها أنها الأكثر إظهاراً لمفاعيل هذه التطورات بحكم مشاكلها وحساسيتها وعدم استقرار غالبيتها على الدوام “دراسة، بطالة، خدمة علم، زواج وتكوين أسرة، أمراض اجتماعية، الخ”.
ويكمل دليقان، شارحاً وجهة نظره عن أسباب القصور الحزبي في استيعاب الشباب واستقطابهم داخل الأحزاب السياسية، وتركهم فريسة العنف والتطرف، قائلاً “هذا مرتبط بمستوى انكفاء الحياة السياسية ذاتها، الناجم بدوره عن جملة من العوامل من أبرزها: ابتعاد الأحزاب عن أداء دورها الوظيفي المجتمعي والاكتفاء بالعمل المكتبي .
ابتعاد عن الجماهير، وابتعاد هذه الجماهير عن الشارع ، ويتابع أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية “مع ارتفاع شدة التناقضات الاقتصادية والاجتماعية شهد النشاط السياسي ارتفاعاً في مستواه بما يشمل الشباب بالدرجة الأولى الذين وقعوا تحت تأثير عدم قدرة غالبية الأحزاب والبنى السياسية عموماً على الاستقطاب الصحيح. أسباب أوسع من ذلك”.
القاعدة الفكرية كأحد المعوقات.. ماذا عن ضعف الإمكانات المادية للأحزاب؟
تسليط الضوء على القاعدة الفكرية للأحزاب في سورية، وعمّا إذا كانت إحدى معوقات انخراط الشباب في هذه الأحزاب الناشئة منها والقديمة، مرتبط بعدم اتفاق القاعدة الفكرية للأحزاب مع متغيرات العصر ومتطلبات الشباب وطموحاتهم، والعامل المادي أيضاً حيث أن التيارات الفكرية على تنوعها قد تغري الشباب بالانتساب إليها تحت ترغيب العامل المادي، أو المنفعة الخاصة، كان للقيادات الحزبية التي التقيناها وجهة نظرها في هذا الموضوع.
ويرى فؤاد عاصي من منطلق تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي أنّ “انخراط الشباب في صفوف الحزب تحكمه عوامل كثيرة، وربّما كان العامل الذي يحظى بأهمية كبيرة ذلك المتمثّل بالقاعدة الفكرية التي يحملها الحزب، وخاصّة تجاه القومية العربية .. وأيضاً قضايا الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية والمشاركة السياسية وتكافؤ الفرص ، جملة هذه القضايا هي الآن التي يعمل عليها الحزب في إطار تجدد خطابه السياسي وَتسويق أفكاره ومعتقداته بما يتوافق مع المستجدات والظروف العامّة الراهنة من جهة وخصوصية الشباب العربي اليوم بما يتوافق مع اتجاهاتهم وطموحاتهم وآمالهم من جهة أخرى”.
واعتبر عاصي أن “الأفكار بحاجة دائماً إلى تجديد في طريقة عرضها أو نقلها إلى الآخرين أيّاً كانوا، أو حتّى إلى مراجعة نقدية بين فترة زمنية وأخرى لقياس مدى مواءمتها مع الظرف التاريخي المعاش”.
ويعتبر ماهر مرهج، أمين عام حزب الشباب الوطني، وهو حزب ناشئ، أن الأحزاب تطرح أفكاراً ولكن أدواتها قد تكون ضعيفة، ويتحدث عن تجربة حزبه، فيقول “لدينا أفكار جديدة وخلاقة، لكن لا نستطيع الوصول إلى شريحة واسعة من الشباب، فليس لدينا أدوات إعلامية .. ظهورنا على الإعلام قليل، والمساحة الإعلامية المعطاة لنا قليلة، ولا تصل أفكارنا، وإمكاناتنا المادية أيضاً لأننا غير مرتبطين بجهات أخرى”.
جميل مراد وهو قيادي في حزب عريق له رأي آخر، يقول “إن القاعدة الفكرية للأحزاب الموجودة في سورية قائمة على أسس و ثوابت قومية و وطنية لا تتأثر بمتغيرات العصر، ولكن في الوقت نفسه يجب على الأحزاب أن تطور وسائل إيضاح وآليات تعامل مع الفئات الشابة، متوافقة مع متغيرات العصر لأن مطالب الشباب وظروف معيشتهم وتحدياتهم تختلف عن ما كانت عليه منذ عقدين أو ثلاثة, مع الأخذ بعين الاعتبار أن توافر الإمكانات المادية يسهل بشكل كبير تطور هذه الوسائل”.
بينما اعتبر مهند دليقان أنّ “العصر الذي كانت سمته الأساسية هي الاصطفاف السياسي على أساس التوجه الفكري أو الأيديولوجي المعلن قد مضى إلى غير رجعة، لأنّ الناس استنتجوا بتجربتهم العملية أنّ الشعارات شيء والممارسة والتطبيق العملي شيء آخر، لذلك بحسب دليقان فإنّ “ما يهم الشباب اليوم هو البرامج السياسية الملموسة التي تطرحها القوى السياسية، وليس شعاراتها العامة وعناوينها الأيديولوجية، أي أنّ الجانب الواقعي العملي لدى الشباب يدفعهم اليوم للبحث أبعد بكثير من عتبة الشعارات”.
وسائل التواصل الاجتماعي ودورها.. تثير جدلاً
اختلفت الآراء حول أثر وسائل التواصل الاجتماعي في ضياع الشباب وتشتيت أفكارهم، حتى غدوا غير قادرين على تحديد هويتهم الفكرية، وبالتالي عدم القدرة على الانتظام في الأحزاب.
ويعتقد مهند دليقان أن “هناك مبالغة في تقييم دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام للشباب وتوجيههم وتنظيمهم، بالمقابل فإنّ وسائل الإعلام التقليدية وعلى رأسها الفضائيات ما تزال تملك ناصية التأثير الأهم والأخطر على المجتمعات”.
بينما يعطي ماهر مرهج مثالاً عن تنظيم “داعش” ويقول هو “عبارة عن فكرة بغض النظر عن تفاصيلها وأيديولوجيتها، استطاعت استقطاب شباب من أوروبا، وهذا عائد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي استثمروها لنشر أفكارهم، وسيطروا على هذه الوسائل وشبكات الانترنت، وأصبحوا أقوى من أي حزب ينشأ حالياً ويحاول أن يستقطب الشباب، بفضل هذه الوسائل، وهذا عائد أيضاً إلى إمكاناتهم المادية الكبيرة”، مضيفاً أن “الشباب أصبح يفرّج عن همومه عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الثورة الإعلامية العالمية”.
أما جميل مراد فيرى أن “وسائل التواصل الاجتماعي تعد من عوامل العولمة، ولكن هنا يبرز التحدي الأكبر للشباب بتحويل هذه الوسائل عبر ما ينشرونه فيها إلى وسائل معززة للهوية الفكرية و تسخيرها في نشر الوعي القومي”.
ويقول فؤاد عاصي إن الولايات والمتحدة الأمريكية والصهاينة “استخدموا كلّ ما لدى منظماتهم ومؤسساتهم وأجهزة مخابراتهم على المستوى الفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي والتعليمي والإعلامي، ولم يتركوا في حياتنا كعرب عموماً وسوريين خصوصاً أيّاً من القيم والمعتقدات بما فيها وأولها الدينية، إلا وحاولوا تشويهها أو تخريبها، وطبعاً من الوسائل المستخدمة للتخريب والتشويه والتزييف هي وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمّياتها، وربّما استطاعوا وخاصّة في المرحلة الأولى من الحرب أن يشكّلوا اتجاهاً معيناً عند بعض الجماهير والشباب، ولكن على العموم لم يضيّع أغلبية شبابنا وأبناء الشعب بوصلتهم وبقي الوطن والانتماء والسيادة أساساً في أيّ تحرك أو توجّه”.
إيصال هموم الشباب إلى مراكز القرار.. هل تقوم الأحزاب بدورها؟
ماذا عن عجز الأحزاب لجهة فرض توجهات الشباب لدى مراكز القرار؟ يعتبر غسان عثمان أن “المشكلة تكمن في عدم وجود تطابق بين أهداف الأحزاب ومبادئها وبين التطبيقات الحكومية، وهو ما أدى إلى خلل تم استغلاله من قبل فئات منحرفة”، مضيفاً “طالبنا مرات عديدة بوزارة للشباب، وتأمين فرص عمل وسكن لهم، لكن لم نرَ استجابة من الحكومات المتعاقبة”.
بينما يرى فؤاد عاصي أنه “في جميع دول العالم التي تسمّى ديمقراطية يمارس الشباب نشاطهم السياسي عبر المنظمات الشبابية أو عبر الأحزاب السياسية أو التجمعات الأهلية، وبمقدار قدرة الشباب على الحركة ضمن هذه التنظيمات وما يمكن أن يقدّموه من أفكار للتطوير بمختلف مناحي الحياة تتخذ هذه التنظيمات توجهاتها المرحلية”، ويتحدث عاصي عن تحرك منظمة اتحاد شبيبة الثورة قبل بداية الحرب على سورية في هذا الخصوص، قائلاً ” تحركنا وبالمشاركة مع عدد من المؤسسات العلمية والحكومية على صياغة مشروع مسودة استراتيجية وطنية للشباب، آخذين بعين الاعتبار توجهات الشباب وطموحاتهم اتجاه مشكلاتهم الأساسية في العمل والتعليم وتكافؤ الفرص والصحة ….الخ”
ويختم عضو قيادة اتحاد شبيبة الثورة بالقول “كلّنا أمل بعد تحقيق الانتصار وعودة الأمن إلى ربوع سورية أن نبدأ من جديد وضمن مشوار الإعمار، لاعتماد استراتيجية وطنية تلبي احتياجات الشباب ضمن توجهاتهم تجاه مشكلاتهم وقضاياهم الأساسية بعد النتائج الكارثية للحرب على سورية” .
جميل مراد يقول إن “المجتمع السوري مجتمع شاب، حيث تبلغ نسبة من هم دون الخامسة والثلاثين حوالي 60% من مجموع السكان، لذلك من المفروض على الأحزاب أن تراعي هذه النسبة، وأن يكون الشباب ممثلين بشكل واسع ضمن القيادات الحزبية، وبالتالي القيادات المجتمعية مما يساهم بشكل فاعل بنقل هموم الشباب و مشكلاتهم إلى مراكز القرار”.
أما مهند دليقان فيلح على “أنه ثمة فرق في مصطلح ومفهوم الأحزاب بين الحالة القانونية، بمعنى التسجيل لدى وزارة الداخلية مثلاً، وبين التعبير الفعلي لهذه الأحزاب عن مصالح الناس، فالمجتمع والناس يحاولون التعبير عن مصالحهم وفق الحالة السياسية السائدة في اللحظة المفترضة، ويمكن بهذه الحالة أن تمثلهم فقط الأحزاب التي تقوم بدورها، سواء أكانت مسجلة قانونياً أم لا، وإذا لم تقم الأحزاب بهذا الدور وهذا التعبير فإن المجتمع سيوجد أشكاله التمثيلية الأخرى”.
ويضيف دليقان “من الطبيعي أن يسعى المجتمع والشباب ضمناً إلى المشاركة في القرار السياسي، وإلى توجيهه نحو مصالحهم، ولكن الطريقة التي سارت بها الأمور خلال العقدين الماضيين على الأقل في المستوى الاقتصادي لم تكن في مصلحة الأغلبية المسحوقة من السوريين، والأرقام الحكومية قبل غيرها دليل على ذلك، الأمر الذي يزيد من أهمية استعداد المجتمع للدفاع عن مصالحه، وإذا كانت الأحزاب بعيدة عنه فإنّه سيشكل أحزابه وسيتعلم من الحياة”.
ماهر مرهج يرى أن “الشباب بحاجة إلى وظيفة وعمل ومال، ويجب احتواء الشباب ضمن تنظيمات سياسية تناغم مشاعرهم”.
الفوارق الطبقية المفرطة كسبب
يرى فؤاد عاصي “أنّ العامل الاقتصادي هو أحد العوامل التي يمكن أن تشكّل دافعاً، ولكنّها ليست وحدها التي تدفع الشاب نحو التطرّف والعنف والإرهاب ، إنّها مجموعة كبيرة من العوامل تجتمع لتهيئ الفرصة لهذه التنظيمات للعمل في أوساط الشباب أو التي يمكن أن تجذب بعض من الشباب للانضواء ضمن صفوفها” .
فيما يعتبر مهند دليقان أنّ “الفروقات الطبقية ضمن المنظومة الرأسمالية هي دافع أساسي للعمل السياسي، ولكنّ هذه الفروقات حين تصل إلى حد تهميش قطاعات واسعة من المجتمع ومن الشباب، فتضيق عليهم بشكل هائل فرص الحياة الكريمة، فإنها، إلى جانب العوامل المذكورة آنفاً، تقود إلى التطرف، أيّ أنّ الإفقار والتهميش هو الأساس الطبيعي للتطرف”.
بينما يرى ماهر مرهج أن “مايحدث في سورية مرتبط كثيراً بالوضع المادي، شباب كثر عرفناهم كانوا يحملون فكراً علمانياً، انتسبوا إلى مسلحي “الحر” ثم “النصرة” و”داعش”، سعياً وراء المال والمكاسب”
ويقول جميل مراد “في كل المجتمعات في العالم تجد فوارق طبقية و اجتماعية، ولكن ما حدث لدينا أنه قد تم استغلال المجموعات المتطرفة للوضع المادي السيئ لدى بعض الشباب، لإغرائهم و جذبهم للعمل المسلح”
الاندفاع نحو الأحزاب في عهد الاستقلال وعزوف الشباب اليوم
في فترة مابعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي كان هناك انخراط واسع للشباب ضمن الأحزاب، واليوم نرى عكس ذلك، قلة التزام، وهروب في كثير من الأحيان، ماذا حدث؟!!.
يقول غسان عثمان “إن فترة الخمسينات كانت قمة النضال السياسي وانطلاق التوجهات التقدمية، ومن الطبيعي أن يحدث فتور بعد فترة طويلة، خاصة بعد انخفاض المنافسة بين الأحزاب في الوضع الذي قام في سورية بعد ذلك”، ويستدرك عثمان ” لكن اليوم نرى عودة معاكسة وبداية التنافس بين الأحزاب”.
يتفق جميل مراد في رأيه مع ماقاله أمين عام حزب العهد الوطني، معتبراً أنه “في بداية عهد الاستقلال كان الوعي الوطني والقومي على أشده، و كانت الأحزاب هي الوسيلة الوحيدة للعمل المجتمعي”، لكن مراد يضيف أن “ما نشهده اليوم هو توجه شريحة هامة من الشباب للعمل التطوعي، ضمن أطر الجمعيات الأهلية و مؤسسات المجتمع الأهلي، التي شكلت عامل جذب للشباب الذين يرغبون بالعمل المجتمعي، دون الالتزام بالأطر الحزبية”.
ويتابع “في ظل هذه المؤامرة التي تستهدف هويتنا الوطنية والقومية تم استغلال الجهل والتخلف عند بعض فئات المجتمع من قبل التيارات التكفيرية والتغرير بهم، بوسائل مادية و معنوية أدى إلى جذب عدد من الشباب حولهم، إضافة إلى أن هموم الحياة و متطلباتها و الأعباء الملقاة على عاتق الشباب، جعلت العمل الحزبي لا يتصدر قائمة الأولويات”.
أما فؤاد عاصي فيقول “صحيحٌ أنه في الفترة التي تلت الاستقلال شهدت الأحزاب السياسية نشاطاً كبيراً لكل عناصرها وكوادرها وأهمهم الشباب ، ونحن نعلم أنّ الشباب بحكم من خصائصهم هم الأكثر اندفاعاً وعنفواناً وقدرة على العمل والحركة ، واليوم وفي ظلّ هذه الحرب القذرة بكلّ المقاييس التي تشنّ على بلدنا ، نرى الاندفاع والحماس والعنفوان ذاته وربّما أكثر من قبل ، أعداد هائلة من الشباب المنضوين في صفوف التنظيمات الشبابية والسياسية القديمة والحديثة سارعوا للانضمام للعمل السياسي والوطني والتطوعي وصولاً إلى العمل المسلّح دفاعاً عن الوطن واستشهاداً في سبيل حريته ووحدته .. وأنتم تشاهدون معنا الأنشطة الشبابية التي تنفّذ في كلّ أرجاء وطننا، وإن كانت اليوم مصبوغة بلون الحرب والأزمة، إلا أنّها تعبّر عن نبض الشباب وعنفوانهم الذي لا يخبو”.
وحول هذه النقطة يقول مهند دليقان “إذا كان الشباب قد انخرطوا في الأحزاب السياسية بشكل واسع بعد الاستقلال، فإنّ الأحزاب في حينه وطروحاتها كانت تتناسب مع مهمات تلك المرحلة التاريخية، واليوم نعتقد أنه ثمة درجة نشاط سياسي عالٍ بأشكال مختلفة، وبالتالي فإن الشباب غير بعيدين عن العمل السياسي بمستوياته المتعددة التي تأخذ شكلها الحزبي، عند توافر الأحزاب وبرامجها القادرة على إقناعهم واجتذابهم وتأطيرهم”.
كلمة للشباب
يجتمع كثير من الشباب الذين التقيناهم على فكرة أن لا علاقة تربط بين قلّة إقبال الشباب على الأحزاب وبين جنوحهم نحو التيارات المتطرفة، وتقول ليال علي وهي غير منخرطة في أي حزب سياسي ” أنا وكثر مثلي لا ننتمي إلى أحزاب، ولكن في نفس الوقت لا نقبل بالتشدد والتيارات المتطرفة”، أما علياء محفوظ فتعتبر أن “الانحدار الاقتصادي وهو من مسؤولية الحكومة أحد أسباب تطرف الشباب، ولكن في نفس الوقت لا يمكن إنكار أن الذهنية الاجتماعية مساهمة فيه أيضاً” .
صلاح معلا وهو مدرس لمادة العلوم الطبيعية، قدّم إجابة مقتضبة بالقول “أجيال تربت على الشعارات وحين حاجتها وجدتها جوفاء”، أما نيفين إسماعيل فتعتبر أن “عجز اﻷحزاب عن ملء الفراغ بشكل صحيح عند فئة الشباب الذين ينتمون إلى بيئات تعصبية، هو ما دفعها أكثر نحو التطرف، كذلك عدم تطبيق المعايير بشكل كافٍ، وعدم محاولة استقطاب هذه الفئات تحديداً، وقلة إسهامات الشباب أنفسهم بدعم أعمال هذه الأحزاب”.
ويعتبر شادي ونوس أن “البشر كائنات اجتماعية، تميل للتجمع بشكل قطعان، والأحزاب هي شكل من أشكال القطعان، عندما يكون الجو العام في المجتمع يسمح بالتعددية السياسية ، تنشط الأحزاب السياسية ويقل تأثير الأديان، لكن عندما يكون الجو العام مقيّداً سياسياً وحزبياً، تميل الناس إلى التجمع بشكل آخر، وغالباً ما يجتذبهم التيار الديني”.
في المحصّلة..؟
ما هو واضح أن الإشكالية التي طرحناها أثارت جدلاً وتبايناً في الآراء، ووضعتنا أمام حقائق مؤلمة، والأكثر وضوحاً بعد معرفة كثير من جوانب القضية أنه لا يوجد حلّ جذري لمعالجة جنوح الشباب نحو التطرف، وإنما عمل متكامل ومسؤولية اجتماعية وشعبية قبل أن تكون مسؤولية حكومية أو حزبية، فكما تهميش الشباب وقلة العمل على تأمين متطلباته الملحة هو أحد أسباب جنوحه نحو التطرف، كذلك الحاضنة الاجتماعية التي تحوي بذور التطرف، والغزو الثقافي العابر للحدود، مع استيلاء جماعات العنف والتشدد في الخارج على مساحات واسعة في الإعلام والإنترنت، وقدرتهم على الوصول بسرعة إلى هؤلاء الشباب دون رقابة مجتمعية أو حكومية، كل ذلك وغيره يجعل التيارات المتطرفة تتصيد الشباب في كل مكان تصل أذرعها إليه.
وفي بلادنا ومع إشارتنا إلى أثر “قصور العامل الذاتي” فإننا لا يمكن أبداً أن ننفي وجود خطط مسبقة نظرية وعملية، تصل إلى حد المؤامرة على الفرد والمجتمع والوطن والأمة.
المصدر: جريدة البعث