الأردن وضريبة الحرب: المخاوف من «داعش»
رانية الجعبري رانية الجعبري

الأردن وضريبة الحرب: المخاوف من «داعش»

على وقع انقسام الشارع الأردني حيال مشاركة الأردن في «التحالف الدولي» ضد «داعش»، خرجت طائرات أردنية مقاتلة خلال اليومين الماضيين، ونفذت ضربات على عدة أهداف للتنظيم في محافظة الرقة السورية، في الوقت الذي كان فيه القضاء الأردني يصدر حكمه بالإفراج عن الداعية الإسلامي الأردني المتشدد عمر محمود عثمان، المعروف باسم «أبو قتادة»، بعدما برأته محكمة أمن الدولة من تهمة التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح في العام 2000.

الضربة على الرقة شرعت أبواب الخوف لدى الأردنيين، فهل عليهم الاستعداد لتلقي ردود فعل إرهابية وتفجيرات كتلك التي ذاقوها في العام 2005 على يد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» الذي كان يقوده الأردني أبو مصعب الزرقاوي؟

يفضل الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد د. فايز الدويري خلال حديثه إلى «السفير» إبقاء أبواب الريبة مفتوحة، إذ كان يرى أن الأسلم للأردن هو الاكتفاء بتقديم معلومات استخبارية وخدمات لوجستية وإدارية أو تسهيلات استخدام المطارات الأردنية، لكن بعد هذه الضربة، على الأردن أن ينتظر ردود الفعل من «داعش».
ومما لا يمكن التغاضي عنه، هو أن الأردن كان من ضمن أولويات «داعش» بعد سوريا والعراق، وقد جاءت تصريحات مصدر مسؤول في القيادة العامة تناقلتها وسائل إعلام أردنية لتؤكد «أنه تمت عمليات خرق متكررة للحدود الأردنية وبشكل كبير خلال الشهرين الماضيين ما اضطر القوات المسلحة إلى توجيه ضربة جوية لعدد من المواقع التي تتخذها بعض الجماعات الارهابية كمركز انطلاق لعملياتها تجاه الأراضي الأردنية».
فهل الهجوم هو أحسن سبل الدفاع؟
«
لا». هذه الإجابة التي تبناها الدويري مبيناً من واقع خبرته العسكرية بأنه «ورغم عدم وجود داعش في الحدود الأردنية ـ السورية المأهولة بالسكان، إلا أن التنظيم موجود على طول حدود مسافتها 250 كيلومتراً من الحدود الشرقية والشمالية الشرقية للأردن، وإنها منطقة فراغ سكاني تسمح لسيارات الدفع الرباعي إذا اجتازت الحدود بأن تناور وتتحرك بسرعة».
ومع ذلك لا ينفي الدويري بأن وجود رد من «داعش» قد يكون صعباً في ظل حملة جوية مكثفة، من دون أن يغفل الجهد الأمني والاستخباري الذي على الأردن بذله في كل الأحوال، تحديداً في ظل وجود ألفي مقاتل أردني يعملون مع «جبهة النصرة» و«داعش»، ويمكن استغلالهم ليقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية.
وهؤلاء ليسوا الوحيدين، بل ثمة خمسة آلاف متعاطف مع «داعش»، ودرجة تعاطفهم متباينة، وقد قام الأمن الأردني مؤخراً باعتقال أكثر من 170 «متعاطفاً» يعتبرون ناشطين، فيما يعتبر الآخرون متعاطفين بدرجة أقل، أي أنهم مستعدون لتأمين بيئة آمنة لهؤلاء الناشطين. فبالتالي ثمة خوف من أن تتحول الخلايا النائمة إلى خلايا ناشطة.
وتأتي تصريحات القيادي في «التيار السلفي الجهادي» الأردني محمد الشلبي المعروف بأبي سياف لترجح رأي الدويري، إذ قال لشبكة «سي أن أن» الإخبارية الأميركية، بعد الضربة بساعات قليلة، إن «هذا التصرف (أي الضربة) هو المسمار الأول في نعش الاستمرارية». وعن معنى توصيفه «للمسمار الأول في نعش الاستمرارية»، اكتفى بالقول: «بقاء النظام».
وبعد ذلك حاولت «السفير» الاتصال بأبي سياف مراراً، لكنه لم يجب، وفضّل إرسال رسالة نصية مفادها «رأينا مستمد من رأي الشرع وهو حرمة الاشتراك في هذا التحالف، حيث أنها من وجهة نظرنا حرب صليبية، وكان من الأولى توجيه هذه الضربات لليهود الذين استهدفوا أهل غزة، وماهي إلا تنفيذ لأجندات الغرب الذين لا يريدون أن تقوم للإسلام قائمة»، مضيفاً أن «الآن من حق الدولة الاسلامية والجماعات الاسلامية التي تم استهدافها، الرد».
وبرغم ما سبق، فإن المخاوف السابقة من ردود فعل «داعش» غير موجودة بهذا الحجم لدى الباحث والمختص في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية. ومع ذلك هو لا ينفي أثناء حديثه إلى «السفير»، وجود تيار كامل لـ«داعش» في الأردن يتبع التنظيم ويعلن ولاءه صراحة لابي بكر البغدادي.
ووجود «داعش» في الأردن يتجاوز موضوع الخلايا إلى تيار كبير يتبع التنظيم الأصلي. لكن السؤال الذي يطرحه أبو هنية «هل هنالك خلايا عسكرية لتنفيذ هجمات؟». ويجيب على سؤاله: «لا أعتقد أن هناك خلايا جهاد مسلح في الأردن، لكن قد توجد جهات فردية وليست خلايا».
ولفهم الطريقة التي يفكر بها «داعش» اليوم، يفرق أبو هنية بين تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق» أيام أبو مصعب الزرقاوي قبل العام 2006، والذي نفذ هجمات إرهابية في فنادق في العاصمة الأردنية عمان في العام 2005، وبين تنظيم «الدولة الإسلامية» اليوم، واصفاً الأخير بأنه يتصرف كدولة، وإنه سيجتهد بامتصاص هذه الضربات، كونه يعتمد إستراتيجية مبنية على الجيوسياسية وليس النكاية، ومع ذلك لا يستبعد أبو هنية أن يكون هناك هزات ارتدادية على المدى القريب، لكن لن يكون لها مخاطر كبيرة على الصعيد المحلي.
إذاً هل بالإمكان إقفال باب الريبة؟
قد يكون ذلك ممكناً إذا أُغلق باب الصراع الذي فتحته الضربة الجوية يوم أمس سريعاً، ويبدو أنه لن يقفل سريعاً. يقول أبو هنية «في اعتقادي أن المنطقة ذاهبة لسنوات طويلة من الصراع تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات».
وبرغم استبعاده لردود وهجمات ارتدادية في الأردن من «داعش» على المدى القريب، فإنه يراها ممكنة على المدى البعيد، «فالمنطقة دخلت مرحلة أشد من الفوضى».
«
داعش» يوحد الأردنيين
الملفت أن الأردنيين الذين انقسموا فور قيام «الثورة السورية» مطلع العام 2011، بين مؤيد لها ومعارض، توحدوا اليوم في غالبيتهم ضد مشاركة الأردن في «التحالف»، والذي ترجم بالضربة الجوية، فلم يكن «الإخوان المسلمون» وحدهم من رفض انخراط الأردن في هذا الحلف ضد «داعش»، بل أيضاً كان هذا موقف أحزاب يسارية كان لها موقف مؤيد للنظام السوري، وهي لا تقف هذا الموقف مؤيدة لـ«داعش»، بل مشككة بأهداف هذه الحملة ضده، في ظل الإحساس بأن هناك أهدافاً غير معلنة من هذا الحلف الذي يعلن أنه ضد التطرف.
ويتساءل الأمين العام لـ«حزب الوحدة الشعبية الديموقراطي الأردني» سعيد ذياب أثناء حديثه إلى «السفير»، «أليست الدول التي سارعت إلى إنجاز تحالف ضد داعش، هي ذاتها الدول التي خلقت المناخات والظروف المناسبة لنمو التنظيمات الجهادية المتطرفة ومن بينها داعش؟ ألم تنفق الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة العربية المليارات وتغرر بآلاف الشباب العرب تحت ذريعة الجهاد في أفغانستان، وهناك تمت ولادة تنظيم القاعدة الذي تفرعت منه تنظيمات مثل داعش؟».
من جهة أخرى، أفرجت السلطات الأمنية الأردنية أمس، عن الداعية الإسلامي الأردني المتشدد عمر محمود عثمان، المعروف باسم أبو قتادة، بعدما برأته محكمة أمن الدولة من تهمة التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح في العام 2000، وأمرت بإطلاق سراحه فوراً.
وقال مصدر قضائي إن «محكمة أمن الدولة برأت أبو قتادة من تهمة التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح أثناء احتفالات الألفية في الأردن في العام 2000، لعدم قيام الدليل القانوني المقنع، وأمرت بالإفراج عنه فوراً، ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً بقضية أخرى».
وأوضح المصدر أن المحكمة رأت أنه «لم يرد في ملف هذه القضية أي بينة تربط المتهم بالتهمة المسندة إليه»، مشيراً إلى أن «الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين، وليس على الشك والتخمين».
من جهته، قال أبو قتادة، في كلمة مقتضبة لدى خروجه من سجن الموقر جنوب البلاد، «اشكر الله عز وجل، كما أشكر المحامين الأردنيين، والمحامية البريطانية، الذين وقفوا إلى جانبي».
وكان أبو قتادة، الذي تسلمته عمان من لندن في شهر تموز من العام الماضي، بعدما خاض معركة قضائية طويلة لمنع ترحيله من بريطانيا، انتقد في السابع من الشهر الحالي، إعدام الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف على يد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، مشيراً إلى أن هذا التنظيم هو «آلة قتل وهدم».

المصدر: السفير