ما الذي يعنيه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»؟
عماد طحان عماد طحان

ما الذي يعنيه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»؟

تشكل العبارة القائلة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، العبارة الأكثر تكراراً على الإطلاق في خطابات وتصريحات الزعماء الغربيين، حين يكون الحديث هو عن الحرب الجارية في منطقتنا، ليس منذ 7 أكتوبر فحسب، بل ومنذ إنشاء الكيان وحتى الآن.

عبارة متكررة بطريقة تبدو معها وكأنها أحد أعراض وسواس قهري مزمن؛ فحين يتلقى الكيان ضربة ما، عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو حتى دبلوماسية، وكبرت الضربة أم صغرت، فإن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» هو اللازمة التي ينبغي تكرارها، وحين تعتدي «إسرائيل»، وهو الأمر المستمر دائماً، سواء كان ذلك حرقاً للمدنيين، ضرباً للمستشفيات والمدارس والبيوت والخيام والبُنى المدنية، أو قتلاً للصحفيين والكوادر الطبية والنساء والأطفال، أو غير ذلك من أفعالٍ إجرامية، فإن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» هو العنوان الثابت... أي أن هذا «الحق» المفترض، يعني ضمناً حق «إسرائيل» في ممارسة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والعدوان على سيادة البلدان، وحتى احتلال ما ملكت يمينها...
مع ذلك، فإن محاولة تفسير هذا التكرار الممجوج حدّ السخافة والانفصال عن الواقع، لا يمكن تفسيره ضمن حدود «الرؤية الإسرائيلية»، بل يحتاج إلى تفسيرٍ ضمن رؤية الأطراف والدول التي تكرر التعبير عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». انطلاقاً من هذه الزاوية، يمكن القول: إن هذا «الحق» يعني ما يلي:
أولاً: هو «حق إسرائيل»، في الدفاع عن المصالح الغربية في منطقتنا، وعن المصالح الأمريكية خاصة، أياً تكن الأثمان، وأياً تكن الجرائم التي يرتكبها الكيان؛ فدماء وآلام الإنسان «غير الأبيض»، ابن منطقتنا، هي دماء وآلام رخيصة لا قيمة لها بالنسبة للنخب الأمريكية والأوروبية. وما يتم «الدفاع» عنه فعلياً، ليس «إسرائيل» نفسها، بل مصالح أصحاب المشروع الأساسيين، والتي تتمحور حول منع ظهور عالم جديدٍ تنتهي فيه الهيمنة الغربية، ولعيون الحفاظ على الهيمنة الغربية يهون كل شيء، بما في ذلك سيادة بلداننا وشعوبنا، وحياة تلك البلدان والشعوب...
ثانياً: «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» هو المثال الملموس على ما يسميه الأمريكان «النظام العالمي القائم على القواعد»، وهو التعبير الذي يستخدمه الأمريكان لوصف النظام الدولي الذي تسوده الهيمنة الأمريكية، بالضد من النظام الدولي القائم على القانون الدولي؛ فالقانون في النظام الذي تريده أمريكا وتريد استمراره، مبني على «القواعد» التي تناسب مصالحها، وهذه القواعد لا صلة بينها وبين القانون الدولي، أو الأخلاق والأعراف الإنسانية المعروفة. القواعد هي المصالح، وأي شيء يتفق مع المصالح الأمريكية مقبول، وأي شيء يعارضها مرفوض... هكذا وبكل بساطة.
ثالثاً: في هذا السياق، فليس من المستغرب حجم الهجوم الهائل الذي تمارسه «إسرائيل» ضد الأمم المتحدة ومؤسساتها، فالمقصود هنا ليس المؤسسة نفسها بالدرجة الأولى، بل القانون الدولي، لأنه ليس «نظاماً قائماً على القواعد» وفق الفهم الأمريكي.
بكلمة، فإن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، هو «حق» العالم الغربي المهيمن والناهب في المحافظة على هيمنته العالمية وتعميقها، وصولاً إلى استعباد البشر بشكلٍ كامل ومطلق ومستدام... وبالتالي، فإن حق الشعوب في مقاومة «إسرائيل»، هو الترجمة الفعلية للدفاع عمّا تبقى من قانون دولي من جهة، وهو الترجمة الفعلية للدفاع عن مستقبل الإنسانية ككل، في وجه عبودية جديدة شاملة، وباتجاه تحرر إنساني شامل...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197