عن الضحايا والخيارات السياسية
تظهر مقاربات متعددة في التعاطي مع ضحايا الإجرام الصهيوني في فلسطين ولبنان؛ وإذا كان من الطبيعي والبشري أن يتألم المرء، فإن غير الطبيعي هو ما يحاول البعض طرحه من سؤال عن «جدوى المقاومة»! وكأن الإجرام الصهيوني يحتاج إلى مبرر أو ذريعة ليمارس إجرامه، وكأنه كان وديعاً أليفاً قبل 7 أكتوبر، ولم يكن يرتكب الجرائم على أساس يومي...
ربما من المهم في هذه المسألة أخذ الأفكار التالية بعين الاعتبار:
أولاً: جزء ممن يروجون لفكرة «عدم جدوى المقاومة»، ويظهرون عواطفهم الإنسانية وتألمهم على موت الأطفال والنساء، كانوا هم أنفسهم قبل بضع سنوات، (ضمن مجال الرؤية السوري)، يشجعون على استمرار الحرب حتى النهاية، ويبررون ذلك بأن «الثورة» تتطلب تضحيات جسيمة، أو أن «التصدي للمؤامرة» يتطلب تضحيات جسيمة... المهم ألا يتم الذهاب نحو حل سياسي بين أبناء الوطن الواحد... أي إنهم كانوا يشجعون تدفق سيول الدم في حالة اقتتال بين أبناء البلد الواحد، ولكن حين بات القتال هو مع العدو الواضح، باتوا فجأة «إنسانيين» ورقيقي المشاعر، ولا يتحملون منظر الدماء، ويشككون على هذا الأساس بجدوى المقاومة!
ثانياً: يسقط في السؤال عن «جدوى المقاومة» أشخاص آخرون أيضاً، من دافع إنساني فعلاً، ولكن هؤلاء يعيبهم قصر النظر السياسي، ومحدودية الاطلاع التاريخي؛ في كل حركات التحرر الوطني، دائماً ما كانت الشعوب الواقعة تحت الاستعمار تدفع تكاليف أعلى بأضعاف من التكاليف التي يدفعها المستعمر، ودائماً ما كانت الحرب بين حركات التحرر وقوى الاستعمار حرباً غير متناظرة، لا تقاس نتائجها بعدد الضحايا وكمية الدمار، بل بالقدرة على التحمل وبالقدرة على الاستنزاف... ودائماً ما كانت قدرة المستعمر على تحمل الاستنزاف أقل بما لا يقاس من قدرة أصحاب الأرض، ببساطة لأن وجود أصحاب الأرض في أرضهم، والعيش فيها بكرامتهم، ليس مسألة تجارية تخضع لحسابات الربح والخسارة، في حين أن الاستعمار هو في أساسه مشروع يستهدف الربح، بمعانيه الاقتصادية والسياسية وبأبعاد الهيمنة التي يخدمها... ولذا فإن أصحاب المشروع الاستعماري مستعدون في أي وقت لإعادة النظر في «جدوى الاستعمار»، بوصفه مشروعاً اقتصادياً وسياسياً، وهم لذلك مستعدون لإغلاق المشروع وإعلان الإفلاس حين يتأكدون من انخفاض «الجدوى»... بالمقابل، فإن «الجدوى» من العمل المقاوم، هي دائماً جدوى إيجابية، ببساطة لأنها ليست «جدوى اقتصادية»، بل هي مرتبطة بحق الوجود والحياة الكريمة والاستقلال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197