كبتاغون 2: كلما كبرت الجزرة ينبغي أن تكبر العصا!
صوّت مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي، 16 نيسان، على مشروع قانون بعنوان «قانون كبح الاتجار غير المشروع بالكبتاغون لعام 2023» أو ما يسميه البعض «قانون الكبتاغون 2»، والذي تم طرحه في مجلس النواب في تموز 2023، وتم إقراره يوم الثلاثاء الماضي بموافقة أغلبية 410 من أعضاء مجلس النواب مقابل 13 صوتوا ضده.
ليصبح قانوناً، يحتاج مشروع القانون هذا للإقرار في مجلس الشيوخ، ومصادقة الرئيس الأمريكي؛ وفي حال حصل ذلك، يصبح قانوناً ساري المفعول، إلا أنه من المتوقع أن يتم تمريره ضمن حزمة من القوانين يتم تمريرها سنوياً ضمن «قانون إقرار الدفاع الوطني»، وذلك ما حصل مع النسخة الأولى من «قانون الكبتاغون» وكذلك مع «قانون قيصر» والكثير من القوانين ذات الصلة بمنطقتنا.
النسخة الأولى من القانون
قبل الحديث عن مشروع القانون الجديد، من المفيد العودة إلى النسخة الأولى من القانون، والذي تطرقت إليه قاسيون في عدد من المواد، وغطت مادة لمركز دراسات قاسيون محتوى القانون ومغازيه وتأثيره الفعلي. وقلنا في تلك المادة: «القانون فعلياً لا يمكن له أن يكون أداة في وقف إنتاج الكبتاغون، بل يمكنه نظرياً فقط أن يكون أداة في حصار تصدير ذلك الإنتاج، وهذا على العكس تماماً، سيؤدي إلى زيادة الإنتاج لتعويض أية خسائر ناجمة عن المصادرات التي يمكن أن تحصل... أبعد من ذلك، فإن هذا القانون يعطي الصلاحية لأمريكا لتواجدٍ أكبر في دول الجوار بالدرجة الأولى، والتي ستتعاون مع الولايات المتحدة، ورقابة أمريكية أشد فيما يتعلق بموضوع العقوبات بذريعة مكافحة المخدرات... بكلام آخر، هذا القانون لا يهدف لا من قريب ولا من بعيد لتحسين الوضع في سورية، أو وضع حد لإنتاج وانتشار وتعاطي المخدرات، ولكنه فقط يخدم كذريعة إضافية لتضييق الحصار على سورية، ووقف دخول مواد إضافية لا تغطيها العقوبات الحالية. كما أنه يخدم تشديد الرقابة على دول الجوار لمنعها من أن تكون خياراً في كسر الحصار الخانق على سورية والسوريين».
وكان الاستنتاج الأساسي في تلك المادة «أنّ محاربة تجارة الكبتاغون ليست أكثر من شعارٍ وهمي، شأنها شأن حماية المدنيين في قانون قيصر، بينما الهدف الفعلي هو محاولة توسيع أدوات التحكم الأمريكية ليس في سورية وحدها، ولكن خصوصاً في الدول المجاورة لها، وبالتحديد عبر الأردن ومن ثم العراق؛ حيث ستحاول الولايات المتحدة وعبر هذا القانون وغيره أنْ تلغي مفاعيل عمل ثلاثي أستانا، الذي بات يتحدث بشكل علنيٍ أو شبه علني بأنه ماضٍ ليس فقط في التسوية السورية التركية، بل وأيضاً نحو تطبيق 2254 ونحو حل الأزمة السورية دون مشاركة الأمريكان، وبالرغم منهم إنْ احتاج الأمر ذلك... يضاف إلى ذلك، أنّ هذا القانون نفسه، يمكنه أنْ يستخدم كما قانون قيصر من قبله، أي كأداة ضمن المشروع المسمى «خطوة مقابل خطوة»، أي بوصفه أداة إضافية في عملية الابتزاز والتفاوض بغرض التحكم بتناسبات القوى داخل سورية وفي محيطها، على أمل تحقيق هدفين، الأول: هو تمديد عملية الاستنزاف قدر الإمكان، والتي بموجبها لا يجري استنزاف وتخريب سورية وحدها، بل وتجري عملية منظمة لاستنزاف كل دول المنطقة لمصلحة الكيان «الإسرائيلي»، وكذلك استنزاف الخصمين الدوليين الأساسيين، أي روسيا والصين بالحد الأدنى عبر منع مشروعهما الاستراتيجي من استكمال تحقيقه: أي الحزام والطريق، والأوراسي».
ما الجديد في «الكبتاغون 2»؟
القانون السابق، أي «الكبتاغون 1»، كان هدفه – المعلن بكل حال: «تطوير وتنفيذ استراتيجية مشتركة بين الوكالات لمنع وتجريد وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والإتجار بها المرتبطة بالأسد»، ووضع أسس للاستراتيجية اللازمة لتحقيق ذلك.
أما هذه النسخة من القانون، فيمكن تلخيص محتواها فيما يلي:
السياسة التي يهدف القانون إلى تحقيقها: «استهداف الأفراد والكيانات والشبكات المرتبطة بالحكومة السورية لتفكيك وإضعاف المنظمات الإجرامية العابرة للحدود، بما في ذلك شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بنظام الرئيس بشار الأسد في سورية وحزب الله».
المستهدفون من القانون: «أي شخص أجنبي»؛ ويعرّف القانون «الشخص الأجنبي» بالتالي: «(أ) يعني فرداً أو كياناً ليس شخصاً أمريكياً؛ و(ب) يشمل دولة أجنبية».
ينص القانون على فرض عقوبات على «أي شخص أجنبي» مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بإنتاج وتهريب وتجارة المخدرات وتسهيل الإجراءات المالية لها في جميع المراحل، بما فيها التصنيع أو الترويج أو النقل أو التهريب.
العقوبات المنصوص عليها في القانون تشمل «حجب وحظر جميع المعاملات في الممتلكات والمصالح في ممتلكات الشخص الأجنبي إذا كانت هذه الممتلكات والمصالح في الممتلكات موجودة في الولايات المتحدة، أو تأتي داخل الولايات المتحدة، أو تقع في حيازة أو سيطرة شخص أمريكي» وكذلك عدم السماح لدخول «الشخص الأجنبي» إلى الولايات المتحدة أو إعطائه تأشيرة دخول أو إلغاء تأشيرة الدخول في حال كانت لديه تأشيرة.
يحدد القانون أسماء ثمانية أفراد سوريين – وهم ماهر الأسد، وعماد أبو زريق، وعامر تيسير خيتي، وطاهر الكيالي، وراجي فلحوط، ومحمد آصف عيسى شاليش، وعبد اللطيف حميدة، ومصطفى المسالمة – وبموجب القانون، يجب على الرئيس الأمريكي وخلال 180 يوم من تاريخ إقرار القانون – في حال تم إقراره – النظر والبت في فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون.
يتضمن القانون تنازلات أو حالات يمكن عدم تطبيق القانون فيها، وهي تلك التي يرى الرئيس أنها «مهمة لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة» واستثناءات «إنسانية» وهي تلك التي يرى الرئيس أنها «مهمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية وتتوافق مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة»، ويتضمن استثناءات، ومنها ما هو متعلق بـ «النشاطات الاستخباراتية للولايات المتحدة» وكذلك «الاستثناءات للامتثال للالتزامات الدولية وأنشطة إنفاذ القانون»، كما ينص القانون على أن «السلطات والشروط المنصوص عليها لا تشمل... فرض عقوبات على استيراد البضائع».
من المفيد هنا أيضاً التذكير بأن عضو مجلس النواب الأمريكي، فرينش هيل، والذي كان العضو الذي اقترح القانون الأول، هو من اقترح هذا القانون أيضاً، وفي تصريح على صفحته يوم تمرير «قانون الكبتاغون 2» في مجلس النواب، قال هيل: «إيران هي الممول الرئيسي لحماس وحزب الله مما يزيد من شراكتهم الإرهابية مع الرئيس بشار الأسد في سورية... وبعد زيارات متعددة مع مسؤولين حكوميين أمريكيين وشركاء في الشرق الأوسط العام الماضي، أرى أن استراتيجيتي المطلوبة التي بدأتها الحكومة الأمريكية لمحاربة إنتاج الأسد وتهريب الكبتاغون لا تزال في مراحلها الأولى. نحن بحاجة إلى فرض عقوبات محددة تستهدف بشكل مباشر الأفراد والشبكات المرتبطة بتجارة الكبتاغون، ولهذا السبب على وجه التحديد من الأهمية بمكان أن يتم إقرار مشروع القانون الذي قدمته، قانون كبح الإتجار غير المشروع بالكبتاغون، في مجلس النواب اليوم. يجب على حكومة الولايات المتحدة وشركائنا في المنطقة وفي أوروبا ممارسة ضغوط كبيرة لوقف انتشار هذا العقار الخطير الذي يعد أساسياً لضمان الاستقرار في المنطقة – إن إقرار مشروع القانون الخاص بي هو خطوة تالية مهمة في إجراءاتنا الحاسمة التي يتعين علينا القيام بها».
ما هو تأثير القانون؟
بمقارنة سريعة بين هذا القانون وسلفه، فإن القانون الأول ركّز على وضع استراتيجية عامة لمكافحة الكبتاغون، بينما يركز هذا القانون على إجراءات وعقوبات محددة على من ينطبق عليهم القانون. كما ذكر هذا القانون بالإضافة إلى النظام السوري، جهة أخرى وهي حزب الله.
فيما يتعلق بسورية والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سورية، «قانون الكبتاغون 2» لا يضيف أي شيء لا يمكن تحقيقه من خلال القوانين القائمة وبرامج العقوبات على سورية سارية المفعول، وعلى رأسها «قانون قيصر»، حتى فيما يتعلق باستهداف «أشخاص أجانب» بما يشمله ذلك من أفراد وجهات وشركات ودول غير سوريّة.
كما أن هذا القانون، مثل سلفه، لا يمكن له أن يكون أداة في وقف إنتاج الكبتاغون، حيث إن العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون تتعلق فقط بالممتلكات ذات الصلة بـ «الشخص الأجنبي» في الولايات المتحدة والقدرة على الدخول إلى الولايات المتحدة.
الطريف في القانون أنّه يفتح المجال بشكلٍ علني، ودون أي شروط، للرئيس الأمريكي ليقرر ما هي مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية بما يخص تجارة المخدرات، بما في ذلك إمكانية التغاضي عنه، وربما تشجيعه، وبما يصب في فكرة «العصا والجزرة»؛ فالمهم ليس التجارة بالكبتاغون من عدمها، بل المهم هو ما يخدم مصلحة الأمن القومي الأمريكي، ولذا ليس مهماً إن كنت تتاجر بالكبتاغون أو بأي شيء آخر، الرئيس الأمريكي يمكن أن يعفو عنك حين تخدم مصالح «أمن بلاده القومي».
الأكثر طرافة هو استثناء نشاطات الاستخبارات الأمريكية من القانون؛ بما يشكل اعترافاً ضمنياً، ليس جديداً بطبيعة الحال، عن دور ما لهذه الاستخبارات في تجارة المخدرات وضمناً الكبتاغون... كم الدراسات التي صدرت خلال الخمسين سنة الماضية عن أدوار CIA (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) في تجارة المخدرات في أمريكا الجنوبية وأفغانستان وأماكن أخرى حول العالم، وعن مراكز غربية، هي بالمئات إنْ لم نقل بالآلاف...
جوهر المسألة
ربما أهم ما ورد في قانون «منع التطبيع» الذي صدر مؤخراً وهو ضمن سلسلة قوانين العقوبات إضافة لـ«كبتاغون 1» و«قيصر» والآن «كبتاغون 2»، هو أنّه مدد عقوبات قيصر حتى عام 2032، (راجع مادة المركز: في الظاهر «مناهضة للتطبيع»... وفي الجوهر تمديد للعقوبات وللأزمة حتى 2032!)، وأنّ واشنطن مددت صلاحياتها الجغرافية التي منحتها لنفسها لتشمل دول جوار سورية تحت ذريعة مكافحة الكبتاغون، وفي الحقيقة ليس فقط لتشديد الحصار، ولكن ربما أهم من ذلك، لتفعيل البعد الإقليمي من «خطوة مقابل خطوة» (راجع مادة المركز: من «تغيير سلوك النظام» إلى «خطوة مقابل خطوة» أين وصلت اتفاقات تحت الطاولة مع الغرب؟)، والذي يشتمل اشتراكاً مباشراً من المطبعين العرب، وخاصة الإمارات والأردن.
القانون الجديد، «كبتاغون 2»، يأتي في السياق نفسه بالمعنى العام، إلا أنّ له ميزةً إضافية يكتسبها من السياق الذي يجري ضمنه، أي من سياق التطور الملموس لمشروع «خطوة مقابل خطوة»، الذي بات ما يسمى «التعافي المبكر» جزرته المقابلة لعصا العقوبات؛ راجع مادة المركز («التعافي المبكر»... جزرة العقوبات وأهم من ذلك: أداة من أدوات «خطوة مقابل خطوة»!).
بكلامٍ آخر، يبدو أنّ واشنطن تسعى إلى الموازنة بين العقوبات والإعفاءات، بحيث يترافق كلّ «إعفاء» جديد، مع «تشديد» إضافي للعقوبات، والهدف هو اختصار المدة الزمنية لإنجاز الخطة الموضوعة؛ فالتطورات التي تجري في الإقليم، تصب في محصلتها ضد المصلحة الأمريكية، خاصة مع تردي ردع «الكيان» ومع تعمق أزمته وأزمة واشنطن معه في غزة.
من ناحية ثانية، يمكن للتشديد النظري للعقوبات أنْ يخدم كأداةٍ في التضليل والتعمية عما يجري الدفع لتحقيقه من تحت الطاولة؛ يشمل ذلك إبقاء أقسام من المعارضة، وخاصة منها المرتبطة بالغرب، في حالة موتٍ سريري عبر إحياء آمالها وأوهامها بإجراءات شكلية واستعراضية من طراز «كبتاغون 2»، وبما يخدم إبقاءها على أبعد مسافة ممكنة من مسار أستانا، وبالمحصلة من القرار 2254...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1171