«علينا أن نرتكب المجزرة وأن نمثل دور الضحية في الوقت نفسه» ماذا يقول إعلام العدو حول ما يحصل في فلسطين؟

«علينا أن نرتكب المجزرة وأن نمثل دور الضحية في الوقت نفسه» ماذا يقول إعلام العدو حول ما يحصل في فلسطين؟

فيما يلي يقدم مركز دراسات قاسيون جولة موسعة في صحف الكيان الصهيوني خلال الأسبوعين الماضيين، من شأنها أن تلقي بعض الضوء على ما يتم تداوله فيه، وكذلك ما يتم التفكير فيه من سيناريوهات.

حول ما حصل

ما زال البعض في الكيان يحاول فهم ما حصل يوم السبت 7 تشرين الأول الجاري، وتتفاوت المعلومات والقراءات، ويسود تراشق الاتهامات.
قبل يومين قالت مقالة في «تايمز أوف إسرائيل»: إنه كانت هناك تحذيرات تم تجاهلها من قبل المسؤولين، حيث ورد وفق المقالة أنه سبق العملية «أشهر من علامات الإنذار التي لاحظتها جنديات المراقبة في الجيش الإسرائيلي، وتجاهلها مسؤولو الاستخبارات باعتبارها غير مهمة»، وحسب المقالة، حصل ذلك على الأقل منذ ثلاثة أشهر قبل العملية، حيث «أبلغت جنديات المراقبة اللواتي يخدمن في قاعدة في «ناحال عوز» عن وجود علامات تشير إلى حدوث تحركات غير عادية على حدود غزة المضطربة... وبحسب رواية الجنديات، فإن من تلقوا البلاغات لم يتخذوا أي إجراء». وقالت إحدى الجنديات: إنها لاحظت «أن جهود جنود حماس تركزت في نقطتين محددتين... ومع ذلك، واصلت السماع من قادتها أن الأمر ليس له أهمية، وأنه لا يوجد شيء يمكن فعله حيال ذلك»، وأشارت المقالة إلى أن هاتين النقطتين كانتا من بين «النقاط المتعددة على طول السياج التي تسلل من خلالها 2500 من مسلحي حماس إلى إسرائيل».
هذا التجاهل يبدو أحد علامات الترهل، خاصة وأنه وفق مقالة في «يديعوت أحرونوت»: «لم يكن السيناريو المرعب الذي أصاب المستوطنات المحيطة بغزة يوم السبت الماضي مفاجأة كاملة. لقد تمت مناقشة هذا السيناريو الرهيب في الماضي في المؤسسة الأمنية، بل إن هناك من تحدث عنه علناً»، حيث إنه في 2014 «مقدم ورئيس بلدية نس زيونا في ذلك الوقت، والذي كان يشغل أيضاً منصب نائب قائد قطاع غزة» توقع هكذا هجوم قائلاً آنذاك: «تخيل أنهم في يوم من الأيام قرروا التوجه إلى السياج بألف مقاتل، فمن سيوقفهم عندئذ؟ سيأتون إلى الكيبوتسات المحيطة ويفعلون ما يريدون». وأضاف في المقابلة التي أجريت معه قبل تسع سنوات: «مشكلة الأنفاق قبيحة، وهناك مشكلة أكبر؛ لا يمكنك العمل بهذه الطريقة دون أن يكون لديك حل».
ويبدو أن إلقاء اللوم على الحكومة يتردد صداه في معظم وسائل الإعلام بطرق مختلفة، أحدها المذكور آنفاً بطريقة غير مباشرة، ولكن في مقالات أخرى ورد بشكل مباشر. في إحدى المقالات في «كالكاليست» وهي صحيفة تصدر عن «يديعوت أحرونوت»، تقول الكاتبة: «هذه الكارثة سببها إهمال رئيس الوزراء. إن الكارثة الرهيبة التي حلت بنا سببها هاتان المجموعتان: حماس من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى. لو لم تكن حماس موجودة، لما حدثت هذه الكارثة. ولو كانت لدينا حكومة أخرى من دون قائد فاسد، لما حدث هذا أيضاً... لا يمكن لحكومة فاسدة أن تدير دولة، لأن الأموال تذهب إلى مصالح المقربين من الوزراء، وليس إلى أمن المواطنين ومصلحة دولة إسرائيل. وهكذا، عرف بيبي وجميع رفاقه الفاسدون أن الأمن في خطر، لكنهم لم يرغبوا في التعامل معه: «دعوا البلاد تحترق».
ويبدو أن مشهد المظليين من قوات المقاومة سيكون أكثر الذكريات المحفورة في ذاكرة الكيان؛ حيث ورد في مقالة في «كالكاليست» حول الموضوع: «في هذه المرحلة، لا يزال من غير الواضح تماماً كيف وصلت إلى قطاع غزة الطائرات الشراعية الآلية القاتلة التي استخدمتها حماس في هجومها الأخير. والاعتقاد السائد هو أنهم، بالإضافة إلى الكمية الكبيرة من المعدات المصاحبة لهم، دخلوا غزة عن طريق التهريب المنظم من الجانب المصري من الحدود. ما يمكن قوله هو: إن إسرائيل كانت على علم بالتأكيد بوجود طائرات شراعية آلية في القطاع، وبالطبع أيضاً حول استخدامها من قبل القوات الخاصة التابعة لحماس. والحقيقة الأخرى المعروفة، هي أن تلك المشاهد المروعة للطائرات الشراعية الآلية، التي يركب عليها رجال حماس القساة المسلحون من الرأس إلى أخمص القدمين، وهم يهبطون في حقول قطاع غزة – ستبقى معنا إلى الأبد».
حاولت بعض وسائل الإعلام العبرية أنْ تدفع نحو ما تسميه «الوحدة الوطنية»، كتعبيرٍ عن شدة الانقسام الداخلي الحاصل؛ حيث ورد في مقالة في «معاريف»: «في 7 تشرين الأول، تم تذكيرنا من هو عدونا الحقيقي– اتضح أنها ليست المحكمة العليا– وما هو هدفنا المشترك... وبعد سنوات من العيش في الوهم، تم تذكيرنا بشكل قاسٍ بأن الحرب من أجل حريتنا لم تنته بعد فحسب، بل هي في منتصفها».
قالت مقالة أخرى في «معاريف»: إن «الصبر كان السلاح الفعال لدى العدو» وهذا ما يجب أن تتبعه «إسرائيل» في التعامل مع الأمر، وأضافت: «يجب أن ينتقل الصبر إلى مستوانا. انتظر. امسح السيوف وأعيد المختطفين. جوّع. أضعف. ثم ادخل واسحق دون تردد، دون رحمة». وقالت مقالة أخرى في الصحيفة ذاتها: «اتفق الجميع على ضرورة تغيير قواعد اللعبة هذه المرة. كان الشعور السائد بين جميع مواطني إسرائيل هو أنه لأول مرة منذ حرب التحرير، أصبحت الدولة ومواطنوها في خطر وجودي حقيقي».

1146-17

الشارع «الإسرائيلي»

تعاطى عدد من المقالات في الجهات الإعلامية للكيان مع موضوع الأسرى الذين يُقدّر عددهم بحوالي 230. وشهد يوم الجمعة الماضي تجمّعاً في «تل أبيب» لعائلاتهم، وغطت عدة جهات إعلامية الموضوع. ورد في مقالة في «تايمز أوف إسرائيل» أن العائلات «تنتقد تقاعس الحكومة... وأن السلطات لا تطلعهم على آخر المستجدات في المفاوضات... وحذروا أن صبرهم قد نفد... وانتقد بعض المشاركين مسؤول الحكومة عن مسألة الرهائن... والذي تقول العائلات: إنه يتواصل معهم هم بما يتجاوز الحد الأدنى»، ووفق المقالة «تواجه الحكومة ضغوطاً متزايدة ليس فقط من عائلات الرهائن، ولكن من دول أجنبية لديها أيضاً مواطنون محتجزون في غزة».
تطرقت مقالة في «كالكاليست» إلى الموضوع، حيث ادّعت ادعاءً طريفاً، هو أنه كانت هناك «صفقة تم عرضها، ورفضتها إسرائيل، وهي تسليم 100 رهينة مقابل 5 أيام وقف إطلاق للنار»، ووفق المقالة، فإن «إسرائيل طالبت بكل الرهائن مقابل عدد أقل من أيام التهدئة». ونقول: إنه ادعاءٌ طريف لأنّه لقي تكذيباً وسخرية حتى ضمن الشارع «الإسرائيلي». وأشارت المقالة إلى أنه «هناك شيء واحد مؤكد: إن تدمير حماس هو هدف ليس من الواضح ما إذا كان سيتم تحقيقه– بسبب الثمن، وبسبب الضغوط الدولية، وبسبب أسباب أخرى لا يمكن حصرها– ولكن إذا لم يتم إطلاق سراح المختطفين، فإن ذلك سيكلف البلاد ثمناً كبيراً إلى الأبد». وأتى هذا الكلام في سياق الكلام بأن «الرأي الشعبي هو أن الدخول البري سيؤخر وربما– لا سمح الله– يحبط الصفقة ويعرض المختطفين للخطر».
المقالة ذاتها، ومعها كثير من المقالات المشابهة، تكشف بشكل علني عن المنطق الذي يكمن خلف محاولة تشبيه حماس بداعش أو بالنازيين، الهدف الواضح والمباشر هو وضع الأساس لعملية الإبادة الجماعية. ولا يخفي الصحفيون «الإسرائيليون» ذلك، بل يقولونه بأقصى درجات الوقاحة الممكنة؛ ففي هذه المقالة: «إن إعادة تسمية حماس بداعش ثم بالنازيين هدفه هو أن نوضح للعالم حجم الفظائع.... وهدف هذا التصنيف المحدث لداعش والنازيين... توضيح ضرورة تدمير هؤلاء الجيران. ليعلنوا أنه لم يعد من الممكن العيش بالقرب منهم. داعش والنازيون ليسوا شركاء لا كجيران، ولا للمفاوضات، ولا للاعتراف بهم ككيان شرعي»، ويضيف أن هذه التسمية تزيل الكفوف، بمعنى أنها تشرّع تدمير مدن بكاملها كما حصل مع النازيين وداعش والجيش الجمهوري الإيرلندي والكوبيين، فماذا كان سيحصل لو لم يتم تدمير الأماكن والمدن التي كانوا فيها؟ وثم يطرح كاتب المقالة السؤال: «كيف سمحنا لهم أن ينموا بهذا الشكل؟ … لماذا لم نحرس الحدود بشكل أفضل؟ والأكثر إيلاماً هو كيف سمحنا لهم بخداعنا، وكيف فشلنا في فك شفرة هذا الحمض النووي الداعشي- النازي في وقت مبكر».
وحمّلت هذه المقالة مسؤولية استمرار حماس ووجودها للإدارة الأمريكية التي أصرت على الانتخابات التي ربحت فيها حماس في 2007، والتي أرادت «إسرائيل» نسفها حتى لا تشارك فيها حماس، ولكن ذلك كان خلال «أيام ذروة التحرك الأمريكي لـ «دمقرطة» الشرق الأوسط»، ولكن لو سُمح آنذاك لـ «إسرائيل» أن تلغي تلك الانتخابات، كان ذلك «سيمنع انتصار حماس ونمو قوتها؛ ومن خلال القيام بذلك، كان من الممكن أيضاً منع سقوط السلطة في غزة في أيديها».
أخيراً، تتكلم المقالة حول الكلام أن «رئيس الوزراء نتنياهو يدرس تشكيل لجنة تحقيق حكومية» ويعبر كاتب المقالة عن استغرابه أن اللجنة ستشكلها «الحكومة وليست الدولة!» ويتساءل: إن كان ذلك منطقياً ويجيب «لقد هجر المنطق منذ فترة طويلة هذه الحكومة. ومن المنطقي بالنسبة لنتنياهو أن يقوم هو نفسه بتعيين أعضاء اللجنة الحكومية التي ستحقق في حالات الإغفال. ربما لأن الأذن الحساسة لرسائل المتحدثين تلتقطها– الضحية الرئيسية لهذا الحدث الرهيب هو في الواقع بنيامين نتنياهو»، ويعتبر الكاتب أنه بالرغم من أنه لا يوجد أي شيء غير شرعي بأن تشكل الحكومة لجنة كهذه، إلا أنها «لا تتناسب مع أبعاد الحدث البشعة» وأنه «لن تتمكن سوى لجنة تشريعية تابعة للدولة، يحدد تكوينها رئيس المحكمة العليا، من كسب ثقة الجمهور».
ويبدو أن إحدى العواقب المباشرة لما حصل يوم 7 تشرين الأول، هو القلق والأرق الشديدين لدى «الإسرائيليين»، حيث ورد في مقالة في «كالكاليست» أنه منذ بدأت ما يسمونها «الحرب في الجنوب» هناك «زيادة كبيرة في استهلاك المستحضرات المتاحة دون وصفة طبية، مثل: المهدئات لتقليل القلق والاكتئاب» وأن «الطلب على الأدوية النفسية والمهدئات قفز بنسبة 30% بسبب زيادة عدد المرضى».

1146-9

حول الأزمة الإنسانية

بعد عدة جلسات لمجلس الأمن، أفشلت الكتلة الغربية بقيادة أمريكية تمرير قرارات للتهدئة ولإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في ظل تدهور حاد للأوضاع الإنسانية، ومشروع القرار العربي الذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار A/ES-10/L.25) بأغلبية 121 دولة، وعارضه 14 دولة بقيادة أمريكية، بينما امتنعت 44 دولة عن التصويت، ومن الجدير بالذكر هنا أن كندا– التي لاحقاً امتنعت عن التصويت– قدمت مقترحاً لتعديل لإدانة «بشكل لا لبس فيه للهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في إسرائيل اعتباراً من 7 تشرين الأول، واحتجاز الرهائن»، وفشل هذا التعديل في الحصول على أغلبية ثلثي عدد الأصوات.
عودة إلى موضوع المساعدات الإنسانية، والتي لحد الآن تمنع «إسرائيل» وصولها إلى قطاع غزة إلا بالقطارة، وبأقل مما كانت تمر فيه في الأيام العادية وليس في الحرب، يقوم إعلام الكيان بتبرير ودعم عدم وصولها. وأحد التبريرات التي يتم استخدامها عادة في مثل هذه الحالات، هو ذلك الذي يقول: إن «العدو» يمكن أن يستخدمها لتعزيز قدراته العسكرية وليس لدعم المدنيين. ورد هذا التبرير في إحدى المقالات في «كالكاليست»، والتي بدأتها كاتبة المقالة بقولها: «تفشل العديد من مناطق العالم، بما في ذلك غزة، في تحقيق التنمية الاقتصادية بسبب معدل النمو السكاني فيها. ولا تساعد المؤسسات الدولية في تطويرها– حيث تشير الدراسات إلى أن المساعدات المالية المقدمة إلى البلدان الفقيرة المعرضة للإرهاب تُستخدم عادة للتسلح والحرب، وليس لتحسين جودة حياة المواطنين». وتضيف: «أي دولة ينمو عدد سكانها بمعدل أكثر من 2% سنوياً تعتبر دولة فقيرة. ومعظم الدول التي تعاني من الإرهاب هي دول يزيد معدل النمو السكاني فيها عن 2%... ليس هناك ما هو أسوأ من تحويل الأموال إلى بلدان فاسدة ذات معدل مواليد مرتفع. وهذا هو الحال بالضبط في غزة... وسيستمر الإرهاب طالما أن معدل النمو السكاني مرتفع. يجب أن يكون شرطاً للحصول على أموال المساعدات. كما أنه شرط ضروري للتنمية الاقتصادية التي تمنع الإرهاب». وتقول فيما يبدو بوضوح تبريراً للتجويع والضغط من خلال التفقير: «يجب علينا استخدام المعرفة الاقتصادية لبناء الحوافز المناسبة لسكان قطاع غزة. لن تكون هناك مساعدات خارجية حتى يروا أنهم مهتمون بالتنمية الاقتصادية من خلال إنشاء أسر صغيرة والاستثمار في تعليم الأطفال. هذه هي العلاقة بين الاقتصاد والإرهاب»، وذلك في تكرار ممجوجٍ لطروحات النخبة العالمية النيومالتوسية المعروفة حول العلاقة بين النمو السكاني والفقر، ولكن مع اختيارٍ للتوقيت يكشف عن حجم الوحشية التي يشترك فيها جنود وضباط الكيان مع «صحفييه» و«مدنييه».
كما حملت جهات أخرى مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، حيث ورد في مقالة في «تايمز أوف إسرائيل» أن رد الفعل «الإسرائيلي» على ما حصل في 7 تشرين الأول «كان مفهوماً تماماً ولا مفر منه» والذي كان من خلال «الغارات الجوية الإسرائيلية التي كانت تستهدف حماس بشكل مباشر، إلا أنها تسببت في دمار واسع النطاق. وفي هذه العملية لقي العديد من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء حتفهم، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم وجود ملاجئ في غزة للمدنيين العاديين» في حين «يتحصن قادة حماس وجنودها ... في أنفاق تبدو مقاومة للقنابل ومملوءة بكل ضروريات الحياة، بينما يعاني الفلسطينيون العاديون من الجوع، وهم يبحثون عن الطعام والماء»، ويستنتج «إن حياة الفلسطينيين مهمة، ولكن بالنسبة لحماس فإن هذا ليس صحيحاً بالضرورة». ويتابع كاتب المقالة بتبرير ما تقوم به «إسرائيل» بما في ذلك الوقوف ضد فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات، وضد الدعوة «إلى وقف فوري لإطلاق النار، الأمر الذي لن يفيد إلا حماس ويحرم إسرائيل من حق الدفاع عن النفس». وفي هذا السياق يقول: إن «إسرائيل منعت دخول الوقود الذي تشتد الحاجة إليه في المستشفيات ومحطات معالجة المياه والمخابز» إلا أنه يرى «إن قرارات إسرائيل بحظر الوقود مبررة. ومن المرجح أن تقوم حماس باختطاف شحنات الوقود لتحقيق أغراضها الخفية... فإن حماس ستستخدمها لتعزيز هدفين متداخلين: تهوية شبكتها المعقدة من الأنفاق، التي تم بناؤها بتكلفة هائلة، بينما كانت غزة ترزح تحت وطأة الفقر، وإطلاق المزيد من الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية». ويبرر كاتب المقالة استهداف «إسرائيل» للمشافي بالقول: إن حماس «تشن حربها على إسرائيل من المستشفيات في غزة وتستغل الفلسطينيين كدروع بشرية». وبكلمة، فإنّ الكاتب في مقالته هذه يقوم بشيءٍ واحد فقط، هو البحث عن ذرائع لتبرير مجمل الجرائم الصهيونية التي يتم ارتكابها ضد المدنيين في غزة، والحقيقة هي أنّ المقالة تحدث تأثيراً معاكساً لما يريده كاتبها؛ فهي جملة اعترافات بالجرائم محشورة في صفحة واحدة، والوهم الذاتي الذي يسمح للكاتب بتصديق نفسه، وبتصديق أنّ الذرائع التي يقدمها ستقنع القارئ، هو علامة إضافية على حجم الانفصال عن الواقع المتغير محلياً ودولياً.
ضمن الوهم نفسه، كان لدى البعض ردودٌ جاهزة حول انتهاك القانون الدولي الإنساني من خلال استهداف المدنيين، حيث ورد في مقالة في «معاريف» رداً على هذا الموضوع: «إن اتفاقيات جنيف والديمقراطيات الغربية لم تأخذ في الاعتبار الوحشية الحديثة للمنظمات الإرهابية الإسلامية، كما تجلى، من بين أمور أخرى، في الهجوم الأخير الذي شنته حماس. وتضمن الهجوم الذي ارتكبه الإرهابيون فظائع وانتهاكات ارتكبت بحق المدنيين، بمن فيهم كبار السن والنساء والأطفال. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإن قادة التنظيم ومقاتليه يختبئون في غزة بين السكان المدنيين، وهناك أيضا يضعون الصواريخ والقذائف التي تطلق بلا توقف نحو مستوطناتنا. ويقبلهم السكان المدنيون في غزة، بعضهم بأذرع مفتوحة والبعض الآخر بدافع الخوف والضرورة». ومرةً أخرى، يثبت الكاتب انتهاك «إسرائيل» للقانون الدولي الإنساني، ويسعى لتبريره. وما يبقى فعلياً هو إثبات الانتهاك، أما التبرير فهو هراءٌ لا يقنع الرأي العام العالمي بأي حالٍ من الأحوال.

1146-20

حول الرأي العام من غزة وفلسطين

كان هناك تعاطف غربي مع «إسرائيل» في الأيام الأولى بعد العملية التي قامت بها حماس، وكان ذلك بالدرجة الأولى من قبل الجهات الرسمية/ الحكومية في الغرب وأمريكا، وكذلك انحيازاً كبيراً في الإعلام الغربي، وتصريحات يمكن القول: إنها كانت غامضة أو حذرة من قبل باقي الدول، وبالتحديد في المنطقة، ولكن عندما بدأ العدوان الشرس والقصف الجنوني على غزة من قبل قوات الكيان الذي استهدف المدنيين والمنشآت المدنية بما فيها عدة مستشفيات، أبرزها: المشفى الأهلي المعمداني، شهدنا تحولاً وتصعيداً في إدانة واضحة لـ «إسرائيل» من قبل عدد من الدول والحكومات، وتراجعاً في اللغة شديدة الانحياز في الإعلام الغربي، ولكن الأهم من هذا وذاك، كان التضامن الشعبي واسع النطاق مع فلسطين والقضية الفلسطينية في عدد كبير من دول العالم وجزء كبير منها في أوروبا وأمريكا. هذا لم يكن غائباً عن الكيان وإعلامه.
سلطت مقالة في «كالكاليست» الضوء على هذا الموضوع، تحت العنوان «لماذا تخسر إسرائيل الحرب في ساحة الرأي العام العالمي؟»، وبدأ الكاتب المقالة بقوله: «في بداية الحرب، تلقينا دعماً غير مسبوق من زعماء العالم. لقد تم رفع العلم الإسرائيلي على المباني العامة في جميع أنحاء العالم»، ولكن «شهدنا في الأيام الأخيرة ضعفاً كبيراً في الدعم لإسرائيل، التي يُنظر إليها على أنها دولة قوية تقاتل ضد السكان المدنيين الذين يُعتبرون ضعفاء. يتم تقديم إسرائيل على أنها قاتلة للفلسطينيين. هذا الوصف لم يبدأ يوم رد إسرائيل على مجزرة الجنوب. لقد بدأ الأمر منذ أكثر من 40 عاماً، ومنذ ذلك الحين لم تفعل أية حكومة أي شيء لإيصال الحقائق بشكل فعال إلى الجمهور الدولي». يتابع الكاتب: «في الأسبوعين الماضيين، كرّس العديد من العاملين في مجال التكنولوجيا المتقدمة- في إسرائيل والخارج- وقتهم للتعامل مع كراهية إسرائيل على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية. هناك العديد من المجموعات التي تعمل بجد لإيصال الرسالة الحقيقية لعامة الناس. ومع ذلك، فإن الجهود العشوائية وغير المنظمة ليست الحل لحرب قاسية على الرأي العام الدولي». ويلوم الكاتب الحكومة قائلاً: «العمل الدعائي للحكومة في هذه الحرب يتراوح بين الضعيف والمعدوم... كما غابوا عن شاشات التلفاز العالمية والمنتديات الإلكترونية... إن قدرتنا على الاستمرار في كسب دعم الزعماء الغربيين، تعتمد على قدرتنا على جلب الحقائق إلى ناخبيهم في الوقت الحقيقي. وكما يشكّل الدعم الجوي جزءاً أساسياً من الفوز في الحرب، فإن إيصال الرسالة بفعالية يشكّل جزءاً أساسياً من تلقي الدعم السياسي والعسكري العالمي». المهم في هذه المقالة هو حجم التناقض الهائل في العقل الصهيوني؛ فهو من جهة- كما بيّنا في الاقتباسات التي سبقت هذا المقال- يرتكب المجزرة ويسعى لتبريرها ويشجع توسعها، ويشجع الإبادة الجماعية، وتوصيف الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية» بما في ذلك على لسان المسؤولين الصهاينة، وفي الوقت نفسه يتألم من أنّ «الحقيقة» لا تظهر للرأي العام! فأيّ حقيقة هي المقصودة؟ هي مرة أخرى حقيقة متخيلة تسمح للصهيوني بارتكاب المجازر والفظائع وممارسة دور الظالم المستبد، ولكن مع الاستمرار في لعب دور الضحية المظلومة على المستوى العالمي.
تطرقت بعض الجهات الإعلامية إلى السيدتين «الإسرائيليتين» اللتين تم الإفراج عنهما، وقالتا: إن التعامل معهما كان جيداً وكان عناصر حماس لطيفين معهما، وهو الأمر الذي شكل ضربة هائلة لكل السردية الصهيونية، ولذا كان من الواجب البحث عن «تفسيرات» تحد من تأثير كلام السيدتين على السردية المعتمدة. في هذا السياق، استرسلت مقالة نشرتها «معاريف» في توصيف الحالة التي سمتها «متلازمة المرأة المعنّفة»- شيء مشابه لـ «متلازمة ستوكهولم»- ووجهت المقالة اللوم للجهات المختصة للسماح للناس بالتكلم مع الإعلام دون أي رقابة، وأنه من الضروري إيلاء هذا الموضوع الكثير من الاهتمام، ويجب أن تكون هناك شروط لإجراء المقابلات، وخاصة مع وسائل الإعلام الأجنبية. وتضيف المقالة: «يجب أن نتحرك بسرعة وحسم... وأن نقيم صداقات مع وسائل الإعلام العالمية، وقبل كل شيء، أن نتوقف عن الاعتذار واستخدام الدعاية اللفظية المقززة، والتي تتضمن الحاجة إلى الحصول على موافقة العالم أجمع، وكذلك بعض الغطرسة. عندها فقط ستكون أي بادرة طيبة من جانبنا، حتى ولو كانت صغيرة، موضع تقدير... أن ندافع عن أنفسنا بقوة لا هوادة فيها، وأن نقدم للعالم من وقت لآخر اللفتات الصغيرة التي نحن على استعداد للقيام بها. ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن نخرج عن طريقنا لتبرير حربنا من أجل الوجود، مثل: القول بأننا نتعاطف مع معاناة عائلات أعدائنا. هذه لياقة سياسية غير ضرورية ومحيرة. توقفوا عن إعطاء العالم الشعور بأننا نفعل شيئاً فظيعاً».
ربما إحدى أكبر المفاجئات بالنسبة للكيان كانت كلمات الأمين العام للأمم المتحدة، لأنهم اعتبروا هذه المنظومة مضمونة لصالحهم في «حياديتها»، وتمثلت ردود الأفعال بتوصيف كلامه بالـ «شائن» والقول بأنه تكلم كذلك بسبب «كبر سنّه» وبسبب «خلفيته الاشتراكية المحابية للفلسطينيين»! كما ورد في مقالة في «معاريف»، والتي أضافت «نقول لجميع أولئك الذين لم تُسمع أصواتهم بعد ضدنا: أمة إسرائيل حية وبصحة جيدة». وأضاف كاتب المقالة مقارنة مع أحد أسلافه قائلاً: «ولم يجرؤ سلفه في المنصب، النمساوي كورت فالدهايم، النازي المعلن، على التحدث مثل غوتيريش». وأدرجت المقالة أسماء عدد من قادة الدول الذين لم يحابوا «إسرائيل» ومن بينهم الرئيس التركي لأنه قال: إن «حماس ليست منظمة إرهابية» والرئيس الروسي لقوله «إن حصار إسرائيل لغزة يشبه حصار النازيين للينينغراد»، وأضافت المقالة: «نعم بوتين الذي كنا نظنه جميعاً صديقاً وداعماً لوجود مليون ونصف إسرائيلي من أصل روسي في إسرائيل. إنه يقارننا بالنازيين!» ولذلك «الآن نرى من معنا ومن ضدنا. يجب أن نخلع قفازاتنا ونوضح لجيراننا أن الدم الإسرائيلي لم يذهب سدى».
كما ورد في مقالة أخرى في «معاريف» على أساس ردود الأفعال حول العالم، أن هناك «معاداة للسامية من نوع جديد... لم نعد نناضل من أجل تفسير دولة إسرائيل، ولكن من أجل حقها في الدفاع عن النفس، وبالتالي حقها في الوجود». وأضافت المقالة: «في المجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد على انتقادات داخلية مشروعة، كان من الصعب استيعاب أن الخطاب في العالم ليس بالضرورة ضد سياسات الحكومات الإسرائيلية، ولكن ضد وجود دولة إسرائيل. وللأسف، تغير كل ذلك في السابع من تشرين الأول عندما تعرضنا للهجوم في بيتنا، وفي الثامن من تشرين الأول عندما تم الاحتفال بالهجوم في جميع أنحاء العالم... شوارع العالم تمتلئ بالمتظاهرين الذين يطالبون بـ «تحرير فلسطين» وفي نفس الوقت أيضاً بتدمير إسرائيل».

1146-22

صداع شديد في أراضي الـ 48

شهدت الأيام منذ العملية التي قامت بها حماس في 7 تشرين الأول الجاري والعدوان الوحشي من قبل القوات «الإسرائيلية» على قطاع غزة، تزايداً في هجوم من قبل المستوطنين والمواطنين «الإسرائيليين» على الفلسطينيين في كافة أنحاء فلسطين.
وفق مقالة في «تايمز أوف إسرائيل»، قامت قوات أمن الكيان «بإنشاء حوالي 600 فرقة أمن مدنية وتسليحها في أنحاء إسرائيل تحت رعاية الشرطة الإسرائيلية... وقال نائب مفوض الشرطة المتقاعد شيمون لافي... الذي قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتعيينه منسقاً للوزارة في هذه القضية... إن هذه الجهود تشمل «ثلث» الهدف، مما يعني ضمناً أن هناك إمكانية لتشكيل ما لا يقل عن 1200 فرقة أمن» وأضاف أنه سيتم «تشكيل فرق أمن في المدن المختلطة، بالإضافة إلى البلدات الأخرى التي تفتقر إليها»، وأضاف: أنه «في الأسبوعين الأخيرين، كنا في عملية ماراثونية لتشكيل قوة كبيرة للغاية… أنا لا أتحدث عن مجرد توزيع الأسلحة على المدنيين، بل أتحدث عن بناء قوة من فرق أمن مدنية محترفة، قادرة على الاستجابة السريعة وذات نطاق جغرافي واسع، لتوفير الشعور بالأمن»، وقال: إن الهدف هو «الاستعداد لسيناريو متعدد الجبهات يتم في استنزاف قوات الأمن»، قائلاً: «لدينا جيش قوي للغاية، وقوة شرطة حازمة... لكنني أتحدث عن وضع متعدد الجبهات، وحرب شاملة، وسيناريوهات أخرى ذات انتشار جغرافي»... وبكلامٍ أوضح، فإنّ الانتقال نحو حالة التسلح «اليهودي» الكامل وليس «التعبئة» بالمعنى التقليدي، هي ما يدفع الكيان نحوه؛ وهذا أمرٌ مناسب لطبيعته العنصرية العرقية، والفاشية في آن معاً، وهي تعبيرٌ عن أنّ هذا الكيان هو أبعد ما يكون عن «دولة طبيعية».
ورد في مقالة أخرى حول الموضوع في «كالكاليست»، نقلاً عن لافي قوله: «في نفس الوقت الذي يتم فيه إنشاء الوحدات الاحتياطية وتسليحها بالبنادق الهجومية بشكل منظم، هناك أيضاً زيادة بنسبة مئات في المئة في التسليح الخاص للمواطنين الإسرائيليين [المقصود طبعاً هم اليهود]. وتم تقديم أكثر من 100 ألف طلب لإصدار رخصة أسلحة خاصة إلى شعبة الأسلحة النارية بوزارة الأمن الوطني في الأسبوعين الأولين من الحرب، بحسب بيانات الوزارة المحدثة حتى الجمعة. وتشير التقديرات إلى أنه منذ ذلك الحين تم تقديم آلاف وحتى عشرات الآلاف من الطلبات الأخرى إلى المكتب، جزئياً في ضوء تخفيف المعايير والاختبارات للحصول على ترخيص الأسلحة النارية الذي دخل حيز التنفيذ».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1146
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:14