الهجوم بهدف الانسحاب وإحياء داعش

الهجوم بهدف الانسحاب وإحياء داعش

بدأت ملامح هذه السياسة الأمريكية كمحصلة القوى الداخلية الأمريكية بالظهور منذ هجوم جبل الثردة الذي قامت به القوات الأمريكية في منطقة دير الزور، فخلافاً لكل توقعات المحللين السياسيين المعتادين على كون الولايات المتحدة، القوة التي لا تقهر، ظهر اتفاق أستانا الذي تلا ما اصطلح عليه خرق اتفاق لافروف- كيري.

الانتخابات الأمريكية

يتمترس البعض حول ما اعتادوا عليه من معارك سياسية تسبق الانتخابات الأمريكية بين القوتين الكبريين من الجمهوريين والديمقراطيين. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية كل أربع سنوات، يصبح أي سبب للسياسات الأمريكية التي يعجز المحللون عن تفسير عميق لها، هو هذه الانتخابات والصراع حولها. وكأن حرب الحزبين أو من يسمون الصقور والحمائم هي التي تقسم السياسات الأمريكية. ولإن كان من الممكن القبول بمثل هذا التفسير جزئياً على اعتباره نوعاً من المد والجزر ضمن المسرحية الديمقراطية على الطريقة الغربية في زمن الصعود الإمبريالي، فيبدو أننا بحاجة إلى صيغة تفسيرية جديدة في زمن الانحسار الإمبريالي. فانتخابات اليوم تعكس صراعاً حقيقياً بين قوى متناقضة، متمايزة المواقف بين ترامب وأتباع الانكفاء الأمريكي إلى الداخل وتحويل كل تكاليف الحروب الخارجية إلى الإنتاج الداخلي الأمريكي، وصقور المجمع العسكري الذين لا يرون حلاً للأزمة الرأسمالية الحالية إلا بالحرب بانين هذا الاستنتاج على التجارب السابقة منذ الحرب العالمية الأولى إلى الثانية إلى كل الحروب الإقليمية التي أشعلها الأمريكان بعد ذاك.
إن الصراع بين هذين التيارين لم تتضح معالمه في الخارج الأمريكي إلا مع هجوم جبل الثردة الذي أظهر للمرة الأولى خلافاً علنياً حول طرق المعالجة.
لا يعني هذا الخلاف بين الطرفين أنهما لا يتخادمان في كثير من الأحيان بسلوكيهما المتطرفين، فلئِن كانت الضربة الأخيرة التي أدت إلى اغتيال سليماني هي نوع من المحاباة لصقور الحرب الأمريكيين، فإنها في ذات الوقت مبرر لبداية الانسحاب الأمريكي من المنطقة الذي يريده الترامبيون.

الانسحاب الأمريكي جارٍ

لا يجوز أن تتقاذفنا الأحداث بسبب تخبط الموقف الأمريكي الظاهري (وأحياناً الحقيقي)، فمن الضروري التحلي برباطة الجأش حيال هذا التخبط، فالانسحاب الأمريكي جارٍ، لكنه لا يعني أن الأمريكان ينوون التخلي عن مواقعهم، بل هم يريدون إبقاءها بأقل تكلفة.
إن ترامب يحضر نفسه للمعركة الانتخابية القادمة بلا شك ورغم أن معركته ستكون قاسية فيرجح نجاحه.
إن القياس على أن كل هجوم قاسٍ في المعركة مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن يعني انسحاباً مرافقاً ليس خاطئاً.

محاولة تقسيم جديدة

رغم أن الانسحاب قد يعني في كثير من الأحيان إعادة تموضع وليس انسحاباً حرفياً، وإذا كانت التصريحات الأمريكية تتحدث عن الانسحاب إلى الشمال والغرب، أي إلى شمال العراق (المناطق الكردية) والأنبار، فلا يمكن أن نقرأ إعادة التموضع هذا إلا في إطار تحضيرات جديدة لمحاولة التقسيم على أساس طائفي عرقي مرة أخرى، ولا يبدو من المستبعد إعادة إحياء داعش مرة أخرى، لتساعد في تحقيق هذا الهدف كما كانت دوماً، على جبهتين: جبهة الإرهاب وجبهة استجلاب القوات الأمريكية لمحاربة هذا الإرهاب المسمى داعش.
إن محاولة إحداث صدام أمريكي- إيراني في العراق ينبئُّنا بأن أموراً كثيرة ما فتئت تستجد على الساحة الأمريكية، رغم أن تداعيات الوضع على الأرض العراقية قد تؤدي إلى انسحاب كبير، وهو يعكس القلق الأمريكي بعد المناورات الروسية-الإيرانية- الصينية في خليج عمان، التي أعطت إشارة قوية للأمريكان أن إيران خط أحمر، وجرى بعد ذلك احتواء للأزمة من خلال سلسلة معقدة من السياسة (تهديد- تراجع) التي أظهرت السياسة الأمريكية بموضع هزيل جداً.

قوى السلم

وإذا كانت السياستان الروسية والصينية تهدفان إلى حماية السلم العالمي، فإن الانسحاب الأمريكي لن يكون نزهة صيفية، وسيتم استخدام داعش، وتبدو مهمة مواجهتها هذه المرة أكثر دقة وصعوبة أمام القوى المدافعة عن السلم، في مواجهة الولايات المتحدة التي تهدف إلى تكرار السيناريو السوري في العراق.
ولئِن تساءل الكثيرون عن الهدف من اغتيال سليماني فيمكن القول على الأقل، إنه كان أحد الوجوه الأبرز في محاربة داعش في سورية والعراق والهدف واضح.
فلاشة: إن القياس على أن كل هجوم قاس في المعركة مع الولايات المتحدة في الوق

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2020 13:37