«ليس بعد يا داعش»...
ليلى نصر ليلى نصر

«ليس بعد يا داعش»...

قتل البغدادي، ورفع العلم العراقي فوق جامع النوري الكبير في الموصل القديمة. ريف حلب أصبح خالياً من داعش بيوم واحد، ومناطق بادية تدمر، والحدود الجنوبية لمحافظة دير الزور تخلو كيلومتراً وراء الآخر من سطوة التنظيم، وتقل المساحة السوداء على الخرائط التي أكثر من رسمها المحللون والإعلاميون (لمناطق سيطرة دولة الخلافة)...

كل ما سبق تم دون مساهمة جدية أمريكية، فالمراحل الأخيرة من معركة الموصل، وضحت بأن الأمريكيين لم يكونوا مستعدين أو راغبين بهذا التحرير في هذا التوقيت، حيث أكدوا (تعقيد المعركة مع مئات عناصر داعش المتبقيين) بحسب تصريح المتحدث باسم التحالف الدولي رايان ديلون، الذي أعقب تصريح العبادي بتحرير الموصل!
الأمريكيون يركزون جهودهم في الرقة، يركزونها إلى الحد الذي يعلنون فيه أنهم مستعدون لضرب أي قوى عسكرية أخرى تتقدم في قتال داعش في (معقلها)، فيسقطون طيارة سورية بعد ادعائهم مهاجمتها للقوى التي يدعمونها، وبالمقابل معارك القوى المدعومة أمريكياً مع داعش تتقدم ولكن باضطراب، فمرات تحقق انتصارات سهلة وسريعة، ومرات أخرى تستعيد داعش مناطق وبلدات محررة في الرقة، ثم تعود المعارك لتتباطأ، وينتقل التركيز على تحضيرات (حكم الرقة الجديد)!
لقد خسر الأمريكيون زمام المبادرة في الاستفادة من (إنهاء داعش)، وأصبحوا (ملحوقين) مع الدخول الفعال للروس والسوريين في أراضي البادية والرقة، فعليهم وفقاً لمصالحهم أن يحرروا الرقة ولكن وحدهم، وبالشكل الذي يضمن إقامة عناصر توتير مستدامة في المنطقة، ولكن تدهور داعش في كل الأماكن التي تجري فيها معارك جدية، يحاصرهم بالوقت ويدفعهم إلى التصعيد المباشر مع الروس عبر استهداف القوات السورية، أو إعادة فتح ملف الكيماوي أو غيرها من وسائل التشويش.. فالأمريكان ليسوا جاهزين بعد لإنهاء داعش، وبالدرجة الأولى بسبب انقسامهم، ولكونهم لا يضمنون قوى فعالة في العملية السياسية السورية تؤمن لهم حلاً سياسياً هشاً، يتيح استمرار الاضطراب، أو تأجيل الاستقرار الذي يمر حصراً عبر حل سياسي ناجح.
انحسار داعش هو تقدم للحل الشامل للأزمة، وتحديداً مع وجود الأستانة، حيث تخرج مناطق وفصائل واسعة من دائرة الصراع إلى نطاق التهدئة، دون دور أمريكي أو أوروبي يذكر، وبمواكبة أممية فقط، والأستانة لا يمكن فصلها عن جنيف، أي عن الإطار الدولي للحل السياسي للأزمة السورية، حيث يتلقى المتراخون والمعرقلون للوصول إلى اتفاق ركلات قوية من العمل الجدي للدول الضامنة في الأستانة، وسيتلقون ضربات كبرى كلما انحسرت داعش، وانحسرت مساحة العنف، لتبقى أدواتهم محصورة في تفاصيل التفاوض والتأثير على طريقة بناء المرحلة القادمة في سورية، والالتفاف على القرار الروسي الصيني 2254 لخارطة طريق حل الأزمة السورية، ولكن إن كانت داعش الوجه الأقبح للفوضى تسير نحو التبخر، فإن كل وجوه الفوضى الأخرى حتى أكثرها لمعاناً وأناقة في الأروقة الدبلوماسية، ستتأثر وتخسر نقاطاً وقوى وبالتالي ستقل قدراتها على عرقلة بناء سورية قوية من جديد...

معلومات إضافية

العدد رقم:
817