مع اشتداد التآمر الداخلي والخارجي.. وتوفير عوامل الصمود: سورية لن تركع أمام المؤامرات الأمريكية والصهيونية

تتصاعد في الآونة الأخيرة المؤامرات الأمريكية والصهيونية والرجعية على سورية العربية بدءاً من الداخل ومروراً بالمؤامرات التي تحاك ضدها في لبنان على يد عملاء أمريكا وإسرائيل بغية جعله مقراً وممراً لحوك المؤامرات ضد سورية، ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية المستمرة، وانتهاءً بواشنطن التي تمسك خيوط التآمر بيديها لتحركها عن بعد.

اتهام.. وتهديدات وقحة

فقد اتهم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد سورية بصنع أسلحة جرثومية وأخرى للدمار الشامل المحرمة دولياً لتبرير عدم تصديق بلاده على حظر هذه الأنواع. وجاء هذا الاتهام بعد أسابيع من مزاعم إسرائيلية بأن سورية تقوم بإجراء تجارب على صواريخ بعيدة المدى، قد تكون قادرة على حمل رؤوس كيميائية أو بيولوجية.

وكان آخر التهديدات الوقحة والذي يعد بمثابة عدوان سافر على الأجواء السورية قيام إحدى طائرات سلاح الجو الأمريكي من طراز ف16 المستخدم في سحق الانتفاضة الفلسطينية بالتحليق داخل الأجواء السورية دون إذن. وادعى الناطق الأمريكي بأن الطائرة دخلت المجال الجوي السوري عرضاً مدة 23 دقيقة، تحلق وحدها، بعد أن «ضلّت» سبيلها.

وبهذا الشكل تقوم الدولة الإمبريالية الأولى في العالم بالعدوان على دولة مستقلة ذات سيادة.. وإذا تذكرنا التهديدات الإسرائيلية المتواصلة لسورية وقيامها بضرب أجهزة الرادار السورية في لبنان نتوصل إلى الاستنتاج الحقيقي وهو أن التنسيق بين واشنطن وتل أبيب يجري على قدم وساق لضرب صمود سورية.

قوى التآمر في لبنان

أما في لبنان فقد جاء في الأخبار بأن الأجهزة الأمنية التابعة للجيش اللبناني قامت مؤخراً باعتقال قرابة 200 شخص من أنصار العماد ميشيل عون وقائد «القوات اللبنانية» المحظورة سمير جعجع وإجراء التحقيق معهم حول نشاطهم المشبوه الذي تضمن اتصالات بعض رموزهم بدولة العدو الصهيوني حسب اعترافاتهم، ورغم ذلك هناك لغط كبير ينبئ ببوادر انقسام فيما بين القوى الوطنية اللبنانية حول حيثيات القضية.

وتمهيداً لمحاكمتهم قالت الأجهزة الأمنية إنها لجأت إلى الاعتقالات بعدما تأكد لها بأن الموقوفين كانوا يخططون لأعمال شغب وأن بعضهم أطلق عبارات تمس العلاقات مع دولة شقيقة «سورية»، فيما أكد وزير الداخلية اللبنانية نزيه بيضون بأن ما قام به الجيش كان ضرورياً لإجهاض مؤامرة أريد من خلالها ضرب الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وتقسيم الجيش اللبناني ذاته.

وقد أعلنت قيادة الجيش اللبناني أن المستشار السياسي لقائد «القوات اللبنانية» المحظورة توفيق الهندي الموقوف لدى وزارة الدفاع اعترف بسفره إلى روما في 3 نيسان الماضي ثم انتقل إلى باريس حيث اشترى هناك بطاقة هاتفية أعطى رقمها إلى غسان توما الذي أبلغه أنه سيتلقى اتصالاً على رقم البطاقة من المستشار الإعلامي لـ «أوري لوبراني» منسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان وأن هذا المستشار يدعى عوديد زاراي حيث سيطلعه على بعض المستجدات في لبنان والتعليمات المتعلقة بالوضع اللبناني والسياسة الإسرائيلية حياله.

وأضاف بيان الجيش أن الهندي اعترف بأن المدعو زاراي اتصل به على الخط الهاتفي المذكور مستذكراً أن الاتصال تزامن مع انطلاقة حركة قرنه شهوان الأولى وأبلغه أنه على ضوء التقويم المستجد للموقف بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ينبغي القيام بتحركات ميدانية مناهضة للوجود السوري في لبنان بهدف الضغط على سورية لضمان التهدئة الأمنية في الجنوب بالإضافة إلى أمور أخرى..! وذلك إشارة مبطنة إلى ضرورة شل عمليات حزب الله انطلاقاً من الجنوب اللبناني شبه المحرر ضد دولة الكيان.

أهمية التفاهم السوري ـ العراقي

إن ارتفاع وتيرة التآمر الإسرائيلي -الأمريكي الموجه ضد سورية تحديداً لا يخرج بطبيعة الحال عن سياق التطورات الجارية في المنطقة. فبعد أن ضيّقت الانتفاضة الفلسطينية البطلة الخناق على الكيان الصهيوني ومع ازدياد الوحشية الإسرائيلية في تصعيد أوضاع المناطق الفلسطينية سوءاً وإبادة بما في ذلك الدعوة إلى قتل أهالي منفذي العمليات الاستشهادية منعاً لتكرارها، سعت الإمبريالية الأمريكية وحلفائها إلى إبعاد انتباه الرأي العام العالمي عن المجازر الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي المحتلة من خلال تجديد عمليات القصف العدواني ضد الأراضي العراقية حيث جاءت سلسلة الاعتداءات الأمريكية البريطانية لتتخطى حدود جرائم الحرب إلى جرائم الإبادة الجماعية للشعب العراقي الذي لا يزال يتعرض لقصف وحشي بعد تعرضه لكميات مكثفة من اليورانيوم المنضب في العمليات العسكرية لحرب الخليج مع كل ما بات يظهر عنها من تفاعلات صحية مستعصية بعد عقد كامل من الزمان.

ومع تزايد التهديدات المحدقة بسورية جاء الانفتاح في العلاقات بين سورية والعراق بغية إعادة التفاهم بين البلدين على أرضية إفشال تلك التهديدات والمساهمة في فك الحصار عن الشعب العراقي.

وتعتبر زيارة رئيس الوزراء السوري إلى العراق أول زيارة لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ ما يزيد عن 20 عاماً . وقد أكدت هذه الزيارة رغبة البلدين في زيادة عدد المواضيع التي يشملها ميدان العمل المشترك وأن هناك آفاقاً رحبة لتطوير هذا التعاون في مختلف المجالات لتعزيز القدرات على مجابهة الأخطار ولتوفير المزيد من الإمكانيات من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة ودعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في سبيل حقوقه المشروعة.

وقد حرص الجانب السوري على أن يتضمن البيان الختامي إدانة صريحة لاستمرار الحصار والعدوان على العراق وتأييده الكامل للمطالبة برفع الحصار الجائر ووقف العدوان المستمر على الشعب العراقي فيما أكد العراق تأييده الكامل لنضال سورية من أجل استعادة الجولان السوري المحتل وانسحاب إسرائيل حتى خط الرابع من حزيران 1967 والدعم المطلق لصمود سورية في وجه الاستفزازات والتهديدات العدوانية الصهيونية.

المحور الإسرائيلي - التركي

وفي مقابل ذلك ولأن أية لغة تناغم عربية - عربية لا تروق مسبقاً لأعداء سورية والبلدان العربية عموماً تتواصل المحاولات الحثيثة وبرعاية أمريكية مباشرة لتمتين المحور الإسرائيلي - التركي بما يخلق توازنات تخدم دولة العدو الصهيوني في صراعها مع دول الجوار العربي، وعلى رأسها سورية، وبما يخدم مصالح الفئات الحاكمة في تركيا التي ترى، عن ضيق أفق، أن تلك المصالح تقتضي التضييق على سورية رغم الجسور التي تمدها دمشق لإقناع أنقرة بأن بُعدها التاريخي هو العالمين العربي والإسلامي لا إسرائيل.

وعلى الرغم من كل الانتقادات الشعبية داخل تركيا على خلفية أحداث الانتفاضة الفلسطينية والإرهاب الإسرائيلي جاءت زيارة شارون الأخيرة إلى أنقرة تتويجاً للزيارات التي سبق وقام بها هذا العام ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين (وزير الخارجية شمعون بيريز ووزير الدفاع بن اليعازر ثم رئيس هيئة الأركان شاؤول موفاز)، ناهيك عن مواصلة ما يسمى بالتنسيق العسكري والأمني الذي شمل مؤخراً إقامة مناورات بحرية مشتركة سميت «مناورات إنقاذ» بعد أن كان سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بتدريبات واسعة النطاق في أجواء آسيا الوسطى فيما يتواصل التعاون التركي الإسرائيلي في ميدان التسليح على قدم وساق مما حدا بصحيفة يديعوت أحرونوت إلى وصف تركيا بأنها «أهم ذخر استراتيجي لإسرائيل في المنطقة مثلما أن إسرائيل هي أهم ذخر إقليمي لتركيا»...(!!)

العلاقات التركية الإسرائيلية

ولا يغيبن هنا عن البال أن الولايات المتحدة ومن خلال علاقاتها بأنقرة مباشرة أو عبر حلف الأطلسي الذي يجمعها بتركيا وجيشها أو المؤسسات المالية الدولية التي تستدين منها أنقرة تلعب الدور الرئيسي في تنمية العلاقات التركية الإسرائيلية ورعايتها . وقد جاء ذلك في متن تقرير صدر مؤخراً عن معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى الذي أكد: «أن على الولايات المتحدة أن تقدم الدعم من أجل تعميق التعاون الاقتصادي العسكري بين تركيا وإسرائيل لأنه الأكثر وعداً على صعيد المنطقة». كما حث التقرير تركيا على أن «تدخل بفاعلية أكبر في الشرق الأوسط وأن تعمل مع حلفاء وأصدقاء أمريكا الآخرين في المنطقة من أجل تحقيق السلام...» والسؤال التلقائي هنا: «السلام.. ولكن على طريقة من؟»

الأوضاع الداخلية

وإذا كان كل ما سبق هو بعض ملامح التهديدات ومصادرها الرئيسية ضد سورية باتجاه ضربها وإجبارها على القبول بحلول لا تضمن حقوقها كاملة خلافاً لكل ثوابتها المعروفة وتأكيداتها أن لا تنازل عن ذرة تراب واحدة من أرض الوطن فإن أحد الأسئلة الملحة سيتجه هنا حكماً نحو الأوضاع الداخلية..

خلط الأوراق

إذ إن المتتبع لأخبار هذه الأوضاع سيلحظ بوضوح ارتفاع وتيرة الحديث عن حياة الناس وقضايا الوطن، ولكن جانباً من هذا الحديث يتخذ صفة خلط الأوراق والإثارة والضجيج وذلك انطلاقاً من الواقع المعاش ولكن «بكلام حق يراد به باطل».

فلا أحد يستطيع أن ينكر معاناة الجماهير من واقعها المعاشي، كما أن استمرار سريان أحكام قانون الطوارئ لا يزال يلقي بظلاله الثقيلة لأن الأحكام العرفية ورغم بعض الانحسار في مظاهرها لا تزال تشعر الناس بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان. وعليه ينبغي التأكيد أن أمن المواطنين واطمئنانهم والحفاظ على كرامتهم وسيادة القانون هي أمور أساسية وبالغة الأهمية في حياة الجماهير الشعبية. ومن هنا فإن هناك ما يستوجب ويبرر الحديث عن رفع الأحكام العرفية وتوسيع الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة النهب والفساد واجتثاث آليته ووقف الهدر ورص صفوف الجبهة الداخلية. ولكن هذا الوضع ذاته هو ما أفسح في المجال أمام بعض الطامحين ليكونوا رموز الغد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كي يسارعوا (منتهزين خلو الساحة إلى حد كبير من الأصوات الوطنية الصادقة التي غيبتها الممارسات السابقة من جهة والترهل الذي أصابها من جهة ثانية) إلى التصدر أمام بعض وسائل الإعلام المشبوهة وكأنهم الأبطال الوطنيون الحاملون هموم الشعب والمدافعون عنه، ولا حاجة لتقديم الأمثلة هنا، فدافع هؤلاء الذين تحولوا للاتجار بآلام الناس وتأجيج الأوضاع ضمن الضغوط الداخلية والخارجية واضح ومعروف رغم انطلاء واختلاط أمور عديدة عند الكثيرين.

مقومات الصمود

وفي خضم هذه المعمعة يبرز السؤال: هل يمكن لسورية أن تصمد؟؟

تجربة التاريخ القريب تقول وبشكل واضح «نعم تستطيع»..!

ففي خمسينات القرن الماضي يوم كانت محاطة بالأعداء من كل حدب وصوب صمدت سورية وأفشلت جميع المؤامرات ولاسيما الداخلية منها التي وصلت إلى حد اغتيال الشخصيات الوطنية وذلك بفضل العوامل التالية:

* تحالف جميع القوى في جبهة فاعلة واحدة عرفت باسم التجمع القومي البرلماني المدعوم آنذاك بحركة جماهيرية واسعة وناشطة حقاً..

* التعاون بين التجمع والقوات المسلحة..

* تمتع جميع القوى الوطنية بأوسع الحريات الديمقراطية..

وصحيح أن الأمس يشبه اليوم في نواح ولكنه يختلف عنه كثيراً في أخرى، وبمقدور سورية العربية اليوم الصمود كما صمدت سابقاً إفشالاً لجميع المؤامرات التي تستهدفها في الداخل والخارج بغية حرفها عن ثوابتها الوطنية بأن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم تنسحب إسرائيل المعتدية من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967 ودون قيد أو شرط ودون التنازل عن ذرة تراب وطني واحدة، وهي تستطيع ذلك بالاستناد إلى جملة سياسات استراتيجية من بينها:

* تقوية التعاون، بما فيه القاعدي أساساً، بين جميع القوى الوطنية والتقدمية الحية في البلاد على قدم المساواة والتعاون والتشاور في جميع القضايا التي تهم الشعب والوطن.

* تنشيط الحياة السياسية وإطلاق الحريات الديمقراطية من عقالها لجميع القوى الوطنية والتقدمية ورفع جميع القيود التي تحد من حرية الموطنين وإعطاء السيادة للقانون بما يعنيه ذلك من رفع لقانون الطوارئ.

* إيجاد حل للأزمة الاقتصادية الآخذة بخناق الناس في البلاد من خلال اعتماد سياسات مالية وأجرية وضريبية وتسعيرية تأخذ مصالح الشرائح الاجتماعية الأوسع والأكثر تضرراً في الحسبان لا العكس مع وضع حد للبطالة وتأمين فرص عمل وخاصة للشباب مع رفع مستوى حياة الناس المعاشية والتعليمية والصحية والسكنية.

سورية لن تركع!

 

وإذا ما توافرت هذه العوامل وغيرها فإن سورية ستصمد في وجه جميع المؤامرات التي تحاك ضدها حالياً أو مستقبلاً، وتفشلها، وذلك لأن تاريخ الشعب السوري يؤكد بأن سورية لن تركع!...