بقلم هيئة تحرير «قاسيون» بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

حول انتخابات مجلس الشعب

انتهت انتخابات مجلس الشعب، وصدرت النتائج، واجتمع أعضاء المجلس الجديد وأدوا اليمين القانونية وبدؤوا بممارسة صلاحياتهم الدستورية.

من المبكر اليوم تقييم المجلس الجديد وتوقع الدور الذي سيلعبه بالمقارنة مع المجالس التي سبقته.

ولكن هذا لا يعفي من تقييم الانتخابات نفسها، والدروس المستخلصة منها.

لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن النظام الانتخابي الحالي الذي طالما دعونا إلى تعديله، قد استنفد نفسه، والمعروف أن مرشحي «كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار»، قد خاضوا الحملة الأخيرة مطالبين بتعديل هذا القانون نفسه. فما الذي أكدته هذه الانتخابات في هذا المجال:

■ ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات وهذا ما تبين بوضوح في اليوم الأول منها، فهذا النظام الانتخابي، وبسبب الدائرة الكبيرة المطلوب اختيار عدد كبير لشغل مقاعدها قد خلق حالة اغتراب بين الناخب وممثله المفترض، كما أن هذه الدائرة، وبسبب اتساعها وكثرة صناديقها التي يترواح عددها حول الألف في كل محافظة تجعل من المستحيل على المرشح العادي، إذا لم يكن مدعوماً من قبل قوى السوق المليئة مالياً، أن يصل إلى كل الصناديق حتى يغطيها، اللهم إلا إذا كان مدعوماً من قبل جهاز الدولة المفترض أن يبقى حيادياً في عملية كهذه. وبعيداً عنها إلا من زاوية تأمين قانونية سيرها.

■ غياب البرامج فعلياً خلال الحملة الانتخابية التي تحولت إلى تنافس شخصي تعكسه الأسماء والصور التي لا لون لها ولا رائحة، وعاجز عن تحريك جماهير الناس الواسعة حول أفكار وآراء وبرامج، هذا الأمر الضروري لتفعيل الحياة السياسية الصحية في البلاد في هذه المرحلة الخطيرة التي تجتازها منطقتنا وبلادنا والتي تتطلب حشد أوسع الجماهير الشعبية حول المهام الوطنية والاجتماعية والديمقراطية. وإذا كان بعض المرشحين قد حملوا برامج ملفتة للنظر فقد كانوا قلة واستثناء ضمن الحالة العامة لطريقة أداء المرشحين، مما أضعف الحملة ككل ومنع وصولها إلى أعماق الجماهير التي رأت الأمر أحياناً من هذه الزاوية وكأنه لا يخصها، لأنه لا يتكلم عن همومها ومشاكلها وشجونها.

■ والملفت للنظر في هذه الحملة هو النقلة النوعية في نشاط قوى السوق التي حولتها إلى مجال للبذخ والإسراف دافعة بعشرات وعشرات الملايين من الليرات السورية إلى سوق شراء الأصوات ، صانعة إرهاباً بصرياً ومعنوياً حول بعض أسماء المرشحين المستقلين الذين إن استطاعوا جذب جزء من الناخبين بوسائلهم، إلا أنهم بالمقابل دفعوا بالجزء الأكبر منهم بعيداً عن المشاركة تعبيراً عن حالة رفض وتقزز من ممارسات لم يشهد لها التاريخ الانتخابي في بلادنا مثيلاً.

■ لقد كان متوقعاً من أحزاب الجبهة ومرشحيها أن يخوضوا معركة سياسية جدية تحشد المواطنين لدرء المخاطر عن الوطن، لكنهم بتأثير من حالة الطمأنينة التي يعيشونها بسبب ضمان نجاحهم في القوائم الجبهوية اكتفوا بحملات شكلية في أحسن الحالات حتى أن بعضهم لم يقم بأية حملة وبقي غير معروف من قبل ناخبيه قبل الانتخابات وبعدها.

ولكن، رغم كل هذه الملاحظات، يمكن التأكيد اليوم بأن المشاركة في انتخابات مجلس الشعب والاستمرار فيها هو أمر ضروري وهام ومفيد، وبغض النظر عن النتائج، فقد أثبت صحتها وخاصة بالنسبة لتلك القوى التي يبقى هاجسها العودة إلى الجماهير فالخيار الأخر هو استمرار لحالة التقوقع والانكفاء وتعبير عن العجز من الخروج منها.

وإذا كان البعض يسوق حجة التجاوزات خلال الحملة الانتخابية لتبرير سلوكه الانعزالي، إلا أن النضال  ضدها لا يمكن أن يمر إلا عبر المزيد من الاتصال بالجماهير وتحويلها إلى قوة فاعلة قادرة على حماية حقوقها، عبر استخدام كل الأقنية المشروعة المتوفرة وأهمها الانتخابات نفسها.

 

وإذا كنا لا نرى مبرراً أو مسوغا ً للتجاوزات التي تمت هنا أو هناك خلال الانتخابات، والتي تمت بشكل مخالف للتعليمات الرسمية المعلنة، فهي من جهة أخرى تعبير عن حالة الشد إلى الخلف التي تريدها بعض القوى خوفاً من ذلك الجديد الحقيقي في البلاد الذي يتبلور والذي يعبر عن مصالح الجماهير الشعبية في مواجهة قوى السوق والسوء.