في الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري ابراهيم بكري لـ«قاسيون»: مقتنع أن وحدة الشيوعيين سوف تتحقق.. إن جعل الرفاق النضال الطبقي في مقدمة مهامهم!

في الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري

ابراهيم بكري لـ«قاسيون»: مقتنع أن وحدة الشيوعيين سوف تتحقق..

إن جعل الرفاق النضال الطبقي في مقدمة مهامهم!

 

أهلا وسهلا بك أيها الرفيق المحترم... نتمنى لك الصحة والعمر المديد، فأنت اليوم تعد عميد الشيوعيين السوريين الذين ما زالوا في ساحة النضال، ونترك لك المجال لتحدث قراء قاسيون حول هذه المناسبة الهامة..

أفضل أن تطرحوا عليّ الأسئلة التي تريدون، فالأسئلة لاشك ستفتح المجال أمام الذاكرة لتستعيد الماضي.

• أولاً.. كيف وجدت طريقك إلى الحزب؟

لاجدال في أن الحزب الشيوعي السوري جاء استجابة لحاجة موضوعية ارتبطت بتطور النضال الوطني ضد الاحتلال، وبتأثير إشعاع ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وأنا جئت إلى صفوف الحزب بدافع وطني وطبقي. لقد نزلت إلى ميدان العمل وأنا في الثالثة عشرة من عمري، فعملت في معمل للنسيج الآلي، وهناك تعرفت على عدد من العمال الشيوعيين، وبدأ تفتح وعيي الطبقي الذي شدني إلى التنظيم لأصبح شيوعياً أعطى جل طاقته وحياته لحزب الشعب والوطن.

• حدّثنا عن دور الحزب بين العمال، وفي تأسيس النقابات في سورية، وعن إسهاماتك الهامة في هذا المجال كونك قامة شامخة من القادة النقابيين الشيوعيين المعروفين.

إن الحديث عن ذلك لا يمكن أن يكون في سطور قليلة، ولابد لتغطية ما تتطلبه أهمية الموضوع من الرجوع إلى ما وثقته أدبيات الحزب، وما كتبه المؤرخون الوطنيون بشكل مفصل ومدقق بتواريخه وأماكنه ورجاله، وحتى بالصور والوثائق المثبتة، وحسبي في هذه المناسبة أن أذكر عناوين وخطوطاً عريضة في مقدمتها أن الحزب كرس جلّ اهتماماته بالعمل النشيط والدائب في صفوف العمال، وبخاصة في المعامل والتجمعات العمالية، ولعل الوثيقة البرنامجية للحزب التي أصدرها عام 1930 توضح الأمر، فقد عبرت عن التلاحم بين النضال الوطني ضد الاحتلال وبين النضال من أجل حقوق العمال والفلاحين وسائر الكادحين، ومن أجل الحريات الديمقراطية. هذه الوثيقة كانت دليل عملنا نحن الشيوعيين في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وكان هاجسنا النضال كي يكون حزبنا هو الحزب البروليتاري الثوري، وقد استطعنا كسب ثقة العمال وتأييدهم، وهذا شحننا بالعزم لنجسد على أرض الواقع انتصارات ومكاسب، في رأسها قيام النقابات، وصدور قوانين تكرس حقوق العمال الأساسية، وسأعطي مثالاً عن ذلك من نضال عمال النسيج. في البدايات كان العمال يعملون على الأنوال اليدوية التي انتشرت في أحياء المدن، ثم امتدت إلى القرى والأرياف، وكثر العمال بدافع الحاجة الماسة لتوفير لقمة العيش، ثم نشأت المعامل الآلية شيئا فشيئاً، آلة فآلة، إلى أن قامت المعامل الكبيرة، وفي كل تلك المراحل بقي العمال تحت نير الاستغلال والقهر، إلى أن بدأ الوعي الطبقي يتغلغل بين صفوفهم دافعاً لهم للتصدي للاستغلال والقهر، وبرز نضالهم واتخذ شكل إضرابات ومظاهرات في أكثر المدن، ومنها دمشق، حيث توجهت إلى دار الحكومة والقصر الجمهوري جموع العمال المضربين من معاملهم، وخصوصاً معمل النسيج في باب شرقي الذي كان يضم عدداً من الرفاق الشيوعيين (في طليعتهم الرفيق الشهيد حسين عاقو، وهو عامل مثقف يحب اللغة العربية ويجيد الخطابة في الاجتماعات والندوات ويكتب في الصحافة)، مطالبين بترخيص قيام نقابة لعمال النسيج، ولم تستجب الحكومة لمطالبهم ،ورغم ذلك أسسوا نقابتهم، وقد شاركت في مظاهرة حاشدة توجهت إلى مبنى البرلمان لمطالبة النواب بالوقوف إلى جانب المطالب المشروعة للعمال، وهناك تسلقت على جدار البرلمان، وخطبت باسم العمال مطالباً بالترخيص لإنشاء نقابة لعمال النسيج، ولابد هنا من التنويه إلى تعاطف بعض الشخصيات الوطنية مع العمال، ودفاعهم عن الإنتاج الوطني. وأتذكر قول فخري البارودي: (يجب ألا نسمح باستيراد الخيوط من الخارج، وأن ندعم الإنتاج الوطني)، ولقد مارست النضال النقابي، وكنت في عداد من أسسوا الاتحاد العالمي للعمال بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وكان معنا النقابي اللبناني المعروف عبد الغني العريسي. لقد قمت بما لايعد من المهمات التي كلفني بها الحزب في شتى ميادين النضال النقابي وبين العمال داخل الوطن وفي الساحة العربية وفي المؤتمرات النقابية على الصعيد الدولي. إن تلك النضالات هي التي أتنفس اليوم نسائمها، فأحس بالنشاط يدب في أوصالي.

• والآن حدثنا عن دور الحزب في النضال الوطني.

باختصار أقول: لقد اتصف حزبنا بالأمانة لشعبنا ووطننا، واستلهم تضحيات ثوارنا الأحرار البواسل، واستمد منها العزيمة لبذل الغالي والنفيس مع سائر الوطنيين في النضال ضد الاستعمار، وقد علمنا التاريخ أن الأوطان لا تنال استقلالها باستدرار عطف الآخرين، بل بالنضال والتضحيات، وهذا ما سطره شعبنا بثوراته المجيدة التي تمثلت ملحمة ميسلون الخالدة وبطولة القائد الوطني الكبير الشهيد يوسف العظمة، ونذكر بكل الاعتزاز ثورة الساحل بقيادة صالح العلي، وثورة جبل الزاوية بقيادة إبراهيم هنانو، والثورات التي قادها سلطان باشا الأطرش وحسن الخراط ومحمد الأشمر وغيرهم من الأبطال الميامين، وفي هذه المسيرة الكفاحية شارك الشيوعيون إلى جانب سائر القوى الوطنية، وبشكل خاص في الحركة الشعبية التي ناضلت من أجل الجلاء الفوري الكامل للقوات الفرنسية والانكليزية، حتى أن الكثيرين كانوا يسمون حزبنا حزب الجلاء، وأنا واحد ممن شاركوا بمظاهرات عام 1940 التي طالبت برحيل حكومة المديرين وسيدها الاحتلال الغاشم، ولا أبتعد عن الحقيقة إن قلت: إن الروح الوطنية هي الأساس في تكون الوعي السياسي وفي حشد أبناء الشعب في وجه المستعمرين، ومن الطبيعي أن يكون للشيوعيين دورهم الهام في نشر الروح الوطنية والطبقية ودفع الكادحين إلى ميدان الكفاح، ولا يمكن هنا إلا أن نذكر بالتقدير  الروح الأممية للحزب الشيوعي الفرنسي الذي دعم نضال شعبنا من أجل التحرر والاستقلال. وقد تابع حزبنا النضال بعد الجلاء للحفاظ على الاستقلال الوطني وفي سبيل التقدم الاجتماعي، وفي مقاومة الديكتاتوريات العسكرية والأحلاف والمكائد الاستعمارية، وضد الاعتداءات والأعمال العدوانية للكيان الصهيوني، ومن أجل قيام وحدة وطنية شعبية. وفي مجال العمل الحزبي شاركت بكل مؤتمرات الحزب ونشاطاته، وأذكر بكل الاعتزاز نضال رفاقنا الذين أسسوا الحزب وقادوا نضاله بكل جدارة وإخلاص، فهم من أكسبوا حزبنا سمعته العطرة بين أبناء شعبنا، وبين القوى الوطنية.

• كيف تقيمون الوضع الدولي؟

أنا لست متشائماً، وأرى كما يرى غيري ملامح وبوادر نهوض جديد للشعوب في وجه الامبريالية العالمية التي تستميت من أجل استمرارها. لقد بدأ أفق الرأسمالية المتوحشة بالانسداد، وهذا يضع أمام الشعوب مهمة تصعيد نضالها لتسد الأفق نهائياً أمام الامبريالية ورأس حربتها الامبريالية الأمريكية التي تستشرس للتفرد بالسيطرة على العالم لنهب خيراته وفرض نفسها قطباً وحيداً، مستفيدة من انهيار الاتحاد السوفياتي، وأنا على ثقة اليوم أن الامبريالية الأمريكية تحفر قبرها بيديها، وعلى الشعوب مهمة دفنها، وهذا ما بدأنا نراه على ساحة العالم، وعلينا أن نكون إلى جانب الشعوب بإنجاز هذه المهمة الكبيرة.

• كيف تنظرون إلى وحدة الشيوعيين السوريين في هذا الظرف الذي تشتد فيه المخططات الاستعمارية والصهيونية على المنطقة؟

برأيي أن الوحدة لابد أن تتحقق، وذلك يتطلب الصبر والإصرار والجهد الكبير والعمل من تحت لفوق ومن فوق لتحت، إنني مقتنع أن ذلك سيحصل إن جعل الشيوعيون النضال الطبقي في مقدمة مهامهم، وكوني واحداً من العمال والعاملين بينهم أقول بمنتهى الصراحة والصدق: إن اكتساب ثقة الطبقة العاملة لا يتحقق لا بالشعارات ولا بالكلمات الجميلة، ولا حتى بالتمنيات والقرارات، ولا بالقوانين، وإنما يتحقق عبر الجهود الكبيرة، عبر النضال والتضحية في سبيل تحقيق مطالبهم وتأمين مصالحهم ورفع مستوى معيشتهم وحياتهم، وكذلك فإن ثقة العمال بتنظيمهم النقابي لا تتحقق إلا إذا التزم التزاماً كاملاً بقضيتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إنني أطالب وأسعى مع المخلصين للعمل على تطوير الحركة النقابية ورفعها أكثر وأكثر إلى مستوى المهام التي تفرضها ظروف البلاد السياسية والاقتصادية الاجتماعية، والعمل المخلص الحثيث لدرء المحاولات المحمومة لتدجينها ولتهميشها، وبالتالي إبعادها عن ساحة النضال الوطني والاجتماعي، ولكي نحقق وحدة الشيوعيين يجب أن تكون المهمة الأهم أمامنا هي النضال الطبقي.. أن نكون بين العمال والجماهير الشعبية، فالابتعاد عنهم يبعد الحزب عن دوره الوظيفي كحزب للطبقة العاملة والفلاحين وحزب للكادحين، إن الأمل أولاً وأخيراً معقود على الطبقة العاملة.

ماذا تقول في ختام حديثك أيها الرفيق المحترم؟.

أقول لجميع الرفاق والأصدقاء وأخص منهم الشباب: لقد مر حزبنا بمحن قاسية، وقضى أعواما مديدة من العمل السري، وتعرض أعضاؤه للملاحقة والاعتقال والسجن والمحاكم والمنافي، واستشهد الكثير منهم، لكن ذلك لم يزده إلا صلابة ورجولة، وبقي مناضلاً من أجل مصالح العمال والفلاحين، مدافعاً عن حقوقهم في العيش الحر الكريم، ولئن تعرض للإضعاف والتمزيق والانقسامات، فإن استعادة العافية لا تكون إلا بتمثل الروح الكفاحية للمناضلين الأوائل الذين استشهد بعضهم ومات كثيرون منهم، وما زال بعض منهم حياً.

إنني  وفي الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري أتقدم بخالص التحية والتهنئة إلى جميع الشيوعيين في مختلف تنظيماتهم وخارج التنظيم، وأحيي جهود العاملين بصدق من أجل وحدة الشيوعيين السوريين، وأقيم إيجابياً دور صحيفة قاسيون في هذا المجال، فهي صحيفة جادة وملتزمة وواضحة الهوية والانتماء.