عذراً أيها الرفيق..
كتب الرفيق عطية مسوح مقالاً في العدد (358) من جريدة النور وفي زاويته المعروفة (جرة قلم) بعنوان (لهذا أنا متفائل)، أصفها مرعبة ومخيفة ومحبطة ويائسة ومخالفةً للماركسية اللينينية ولمنهجها المادي الديالكتيكي والتاريخي، وخاصة لقانون نفي النفي.
هذا القانون الذي يؤكد انتقال التبدلات الكمية إلى تبدلات كيفية، فالتبدلات النوعية تعني نفي النوعية القديمة. يقول أنجلس: النفي في الديالكتيك لا يعني «لا» ببساطة أو التصريح عن شيء بأنه غير موجود، أو القضاء عليه بأي وسيلة كانت، وكما هو معروف لا يجمع المفهوم الديالكتيكي للنفي أي جامع مع العدمية والريبة، وهذا النوع من النفي هو هدام، والنفي الديالكتيكي هو الذي يعتبر مقدمة للانتقال إلى الأحسن والأكمل، ويكون بمثابة مصدر للتقدم بعكس ما عبر عنه الفيزيائي الفلكي الانكليزي منذ القرن الماضي «جيتس» في كتابه «حركة الأكوان» يقول: الكون يعيش حياته، ويسير في الطريق من المهد إلى اللحد تماماً كما نسير نحن، لأن العلم لا يعرف تبدلات غير الانتقال إلى الشيخوخة، ولا تقدم آخر غير السير إلى القبر.
الرفيق عطية مسوح يعتمد في مقالته هذه على مقولة قالها الرفيق الراحل ظهير عبد الصمد في الثمانينيات من القرن الماضي، وهذه المقولة تدعي أن الحزب كالكائن الحي، يولد وينمو، ويشب ويقوى، ويضعف ويموت. ويتبين من المقالة وكأن الحركة الشيوعية في سورية أصبحت قاب قوس أو أدنى من الموت، كما فهمت، وأتمنى أن أكون مخطئاً.
أنا مؤمن تماماً أن الرفيق «ظهير» كان يعي ما يقول ولا يقصد أبداً ما يفسره الرفيق عطية. بل كان يقصد كما تؤكد الماركسية اللينينية: أن الحزب الشيوعي سيبقى مادام هناك طبقات وصراع طبقي، وإذا زال الصراع الطبقي والطبقات لم يعد هناك ضرورة لحزب شيوعي، وهذه القضية الفكرية الهامة متروكة للحياة وللمستقبل البعيد. وهذا لا يعني أبداً أن الحركة الشيوعية في سورية ليست بحاجة إلى تغيير وتطوير للكثير من المفاهيم والمقولات التي كانت سائدة، وكلنا نتذكر ما قاله أنجلس بعد مرور (25) عاماً على صدور البيان الشيوعي: «هناك بعض المقدمات يجب تركها للفئران».
أتمنى أن يكون الرفيق «عطية» يقصد من هذه المقالة استفزاز الرفاق لدفعهم للقراءة والكتابة والعودة إلى الكلاسيكيات في الماركسية ومواكبة التطورات والاستفادة من الانتكاسات والأخطاء ومن النجاحات التي تحققها الحركة الوطنية والتقدمية واليسارية في العالم.
أتابع مقالات ومساهمات وكتب الرفيق عطية بشكل مستمر، وأتفق معه حول الكثير من الأمور وخاصة التنظيمية، ولكنني لا أتفق معه حسب فهمي، حول الكثير من القضايا الفكرية، وخاصة مقالته هذه.
هذه المواضيع الفكرية الهامة نتركها للرفاق الذين يعملون في ميدان الفكر وخاصة للجنة التي تشكلت مؤخراً بيننا كفصيلين شيوعيين: اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والحزب الشيوعي النور، (لجنة الماركسية اللينينية اليوم)، هذه اللجنة التي بدأت أعمالها متمنياً لها النشاط والهمة والإبداع، وصولاً إلى هدفنا المنشود، وهو وحدة الشيوعيين السوريين. هذا الهدف الذي بات من الضرورات الملحة أكثر من أي وقت مضى.
إن التطورات الايجابية والهامة التي حدثت مؤخراً في العالم، وخاصةً في أمريكا الجنوبية، والمواقف الشجاعة والمبدئية لكوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا وغيرها من هذه الدول، والمواقف الجريئة للمقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين والعراق، وصمود سورية وإيران في وجه المخططات الأمريكية، بالإضافة إلى الانتصارات التي حققتها الكثير من الأحزاب والقوى الوطنية وخاصةً الأحزاب الشيوعية في قبرص ونيبال وغيرها. وأخيراً الانتصار الكبير لروسيا ضد العدوان الأمريكي -الإسرائيلي -الجورجي، وتحطيم سياسة القطب الواحد للغطرسة الأمريكية والأزمات الخانقة السياسية والاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الأزمات التي لا تنتهي إلا بزوالها.
إن هذه الانتصارات والتطورات أوقفت تلك الحالات من اليأس والإحباط وبعض حالات البلبلة الفكرية التي عاشتها بعض الأحزاب الشيوعية وبعض المثقفين الماركسيين والتقدميين، وأثبتت بطلان تلك المزاعم التي كانت تزعم بأن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، وأن الاشتراكية مجرد وهم، والنظرية الماركسية قد شاخت.. وغيرها من المزاعم التي دحضتها التطورات والتغييرات الأخيرة في العالم.
وأجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد.. (ناظم حكمت)..