من يصنع شعارات الحركة الشعبية؟ ولماذا وصلت إلى ذروتها في وقت قياسي؟
«الشعب يريد إسقاط النظام»..
شعار غير عادي، ارتفع بشكل مفاجئ ومثير للجدل في الأسبوع الثالث من الحراك الاحتجاجي الجاري في سورية.. ليعم معظم المدن والمناطق الساخنة خلال أيام قليلة، مفسحاً المجال للأسئلة والتخمينات حول مَن يصنّع الشعارات المرفوعة في الشارع؟ ومن الذي يحملها من مكان إلى مكان؟ هل هي عفوية تنتقل بالعدوى أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
لا شك أن حركة الاحتجاجات التي انفجرت منذ أكثر من شهرين ونصف بدأت عفوية، ولكن هل بقيت كذلك؟ ولماذا ارتفع سقف مطالبها بسرعة خاطفة من المطالبة بالحرية إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؟
للوقوف على بعض جوانب هذه الأسئلة جالت قاسيون في بعض بلدات الغوطة الشرقية وأجرت بعض اللقاءات..
أسباب تستدعي الاحتجاج حقاً!
انضمت بعض المواقع في الغوطة الشرقية إلى موجة الاحتجاجات في الأسابيع الأولى لها، وكانت قد بدأت من دوما ثم انتقلت بالتدريج إلى قرى وبلدات أخرى شملت حرستا وعربين وسقبا وكفر بطنا وغيرها... والسؤال: لماذا انضم شباب الغوطة الشرقية إلى بقية المحتجين؟ ولماذا وجدت الشعارات القصوى مكاناً فسيحاً لها بينهم؟ هل إن بعضهم لا يفهمون بعمق معنى الشعارات التي يرفعونها وهي لديهم مجرد تقليد أعمى لما حدث في بعض البلدان العربية؟ هل يريدون الفوضى والتخريب والقتل والتدمير كما يتهمهم البعض وهم الذين لم يعتادوا على ذلك؟ هل خرجوا من أجل غايات ومطالب بسيطة محقة ومشروعة كالحرية والكرامة والديمقراطية ثم جاء من أوعز لهم للمطالبة بما هو أكثر؟
طرحت قاسيون هذه الأسئلة على شرائح عمرية وتعليمية وثقافية وفكرية مختلفة في هذه المنطقة فكانت الأجوبة التالية:
سألنا المهندس (س. ر): لماذا يريد أبناء هذه المنطقة إسقاط النظام؟
فأجاب: «الشعب يريد حريته وكرامته لأنه محروم من هذه الحقوق الطبيعية التي يحتاج إليها كل شخص على وجه الأرض، ففي الدول الغربية تعمل الحكومات جهدها من أجل منح المواطن أعلى قدر ممكن من الحرية وتساعده على الوصول إلى الديمقراطية، أما في سورية فيحصل عكس ذلك تماماً.. ناهيك عن تسلط الجهات الأمنية مما أدى إلى انعدام الأمن وليس انتشاره، وعلينا أن نعلم دوماً أن الحضارة ليست بالبناء والصناعة فقط، فهذه حضارة من طرف واحد، فالحضارة في نظري تكون بالكلمة الحرة والجريئة التي تقضي على الفساد، والذي أصبحت بلادنا تربة خصبة له في الأعوام الماضية. في حال سقوط النظام سيتغير كل شيء لأن الشعب هو من سيحكم نفسه بفئاته وشرائحه كافة وذلك بالكلمة الحرة والإرادة الصادقة.. هذا ما سيساعد على الإصلاح واستئصال الفساد تدريجياً»!.
أما الصحفي (ب. ي) فيقول: «إن مطالب الشعب ومطالبي تتلخص في إقامة إصلاحات جذرية، ومشاركة الشعب بشكل فعلي وحقيقي في الحكم.. ولهذا يجب العمل على إصدار قانون حقيقي للأحزاب والتخلي عن سياسة الحزب الواحد، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في شتى المجالات».
سألناه: ولكنكم تطالبون بإسقاط النظام.. بينما تتحدث الآن عن الإصلاح؟ فأجاب: «إما الإصلاح الفوري، أو إسقاط النظام!».
يقول الشاب (أ. س) وهو عامل في مجال الموبيليا: «إن المطالب التي يحتاج إليها الشعب أصبحت عديدة ومتنوعة.. ليست المسألة مسألة إصلاح فقط، بل هي أكبر من ذلك بكثير، فهناك غياب واضح للعدالة الاجتماعية، وهناك فساد في مختلف المديريات والمؤسسات العامة، وعلى الأخص في سلك الشرطة والأمن والقضاء، هذا عدا عن تحرير التجارة والأسعار وغزو البضائع الصينية التي ملأت الأسواق في بلدنا وأرهقت كاهلنا نحن أصحاب المهن الحرة».
إنهم يسرقون ثروات البلاد!
يقول العامل (م. ر): «الناس في الغوطة خرجوا إلى الشوارع غاضبين بسبب الفقر الذي يعاني منه معظم سكان هذه المنطقة، وبسبب قلة فرص العمل، وبسبب التوزيع العشوائي للثروات الوطنية.. سورية تعتبر بلد ثروات هائلة غير أن الشعب لا يحصل إلا على الفتات والقليل من هذه الثروات.. والباقي (يهفه) الحرامية!».
يقول الدكتور (ح. س): «نحن الشريحة المثقفة ما يزال لدينا إيمان بوجود فرصة من أجل إحداث إصلاحات حقيقية تشمل المطالب السياسية الحقيقية والتي يجب أن تطال تعديل الدستور وإصدار قانون الأحزاب وتعديل قانون الانتخاب وحرية الإعلام... فالتغيير قادم لا محالة ويجب أن يكون من الداخل بشكل منهجي وحقيقي دون السماح للخارج بالتدخل والعمل على تدمير البلد.. ومن يرفع شعار إسقاط النظام قصده الضغط في هذا الاتجاه».
(ض. ن) وهو شاب يعمل بتجارة الموبايلات.. يقول: «إن مطالب السوري أصبحت كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، فماذا نقول عن الفساد الذي عم البلاد، وعن الرشوة التي أصبحت سورية ملعباً لها، وعن الناس (اللي فوق والناس اللي بأسفل السافلين؟) وعن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والعقارات، وعن الضرائب والرسوم اللامنطقية والتي أصبحت غير مقبولة لأنها لا تتناسب مع دخل المواطن السوري، وعن ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، وعن سيطرة القطاع الخاص على شبكة الخليوي في سورية، وعن عدم الاهتمام بالأيدي العاملة؟؟. أنا أرى أن سقوط النظام سوف يوتر الأجواء قليلاً.. هذا صحيح.. لكن أعتقد أن الوضع سوف يتحسن مع مرور الوقت».
الحاج (و. ك) – نجار: نحن نعلم أن رفع شعار إسقاط النظام قد يدفع البلاد إلى المجهول.. ولكن هل هناك حل آخر؟ النهب كبير وما يزال مستمراً، والفساد على أشده، والتمييز بين الناس كبير لأسباب تعرفونها، وثلاثة أرباع الشباب عاطلون عن العمل.. وورشنا أغلقناها بسبب دخول (الصيني والتركي).. فليقم الرئيس بوقف كل هذه الأمور، ونعرف أن هذا سيستغرق وقتاً.. ولكن فليبدأ لنثق بأن النية موجودة، فليبدأ بقطع رؤوس الفاسدين الكبار المعروفين للكبار والصغار.. وعندها أنا أضمن لك أن لا أحد سيطالب بإسقاط النظام.. بل الكل سيهتف بحياة الرئيس..
يقول الطالب (م.ن): «إن الفساد استشرى في جميع المؤسسات، وخصوصاً في الجامعة وفي وزارة التعليم العالي، والتواصل بين الطلاب والمسؤولين أصبح يعيقه الروتين والبيروقراطية والفساد.. كما أن الدولة أصبحت عاجزة عن تأمين فرص العمل للطلاب الجامعيين والخريجين الجدد من الجامعة.. هذا ما دفع معظم الشباب للخروج إلى الشارع والمطالبة بإسقاط النظام».
احتقان طويل ومتزايد
يقول الإعلامي (ف.ر): «الشعب لم يخرج من أجل مطالب معينة وواضحة، بل خرج بسبب الضغوط المتراكمة التي عانى منها طويلاً ومازال يعاني منها حتى الآن.. نحن رهائن الاستعباد والتسلط والتمجيد والتوحيد للحزب الواحد والحاكم وآله، حتى أصبحنا نطلق اسمه على معظم الأماكن والأشياء والإنجازات أن صح التعبير والأمثلة كثيرة.. (وما في داعي نعد).. إلى متى سنبقى نساق كالأغنام ومهمتنا التصفيق فقط؟؟
إذا سقط النظام ستعاني بلدنا من اضطرابات داخلية لفترة محدودة وهذا أمر صحي، لأننا مقدمون على مرحلة جديدة في تاريخ سورية، ولكن سوف تزول هذه الاضطرابات مع مرور الوقت..».
يقول طالب الحقوق (أ.ب): «إن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتعدد الأحزاب وما شابه.. إنما هي الأسباب البعيدة والعميقة لهذه الاحتجاجات، ولكن السبب القريب الذي رفع الناس من أجله مطلب إسقاط النظام هو إنكار المجحفين لحقوقهم وسوء معاملتهم ورؤيتهم للدماء التي راحت تسيل في الشوارع.. ثم من الناحية القانونية: هل يجوز للدولة إطلاق الرصاص الحي على الناس بحجة أنهم يخالفون قانون التظاهر أو عدم الترخيص لهم؟ أما كان بإمكانها حقن الدماء وعدم حصول عمليات القتل، وإن اتهمنا الجماعات المسلحة وقلنا إنها من تقوم بعمليات القتل فأين الأمن ليحمي الناس ممن يهدر دمهم؟ أين الدولة؟ هل تعجز الدولة بكل أجهزتها عن إيقاف هذه الجماعات وكبح جماحها؟. المسؤول عن هذه الحالة من الالتباس والفوضى في الغوطة وفي كل المناطق في سورية هو النظام وأجهزته الفاسدة.. ومع ذلك هو لا يريد أن يسمع شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)، بل (الشعب يريد إسقاط الفوضى والتخريب والإرهاب!!) فهل يعقل هذا؟».
الشيخ (س) يقول: «مما لا شك فيه أن هذا النظام الذي رسخ تقديس الفرد وتأليهه، وحاول لسنوات عديدة ترسيخ الطائفية، لم يعد أحد يريده من شتى الطوائف!! والآن، وفي أحلك الظروف، لا يزال يلعب على وتر الطائفية، ولكن دون جدوى، فالشعب السوري شعب أبعد ما يكون عن الطائفية وهو يريد دولة ديمقراطية الجميع فيها متساوون بالحقوق والواجبات.. النظام لا يعرف إلا لغة التخوين لكل من يعارضه.. لذلك فإن سقوطه سينقل البلد إلى مرحلة ازدهار سوف تأخذنا إلى سورية الحديثة كواقع لا ككلام وشعارات بالية، فبلدنا تحت ظل هذا النظام أبعد ما تكون عن سورية الحديثة، حتى أن التخلف عندنا صار يمكن أن نتحدى به أي دولة متخلفة في العالم».
الشيخ (ع. ع): «نحن نظن بأن سقوط هذا النظام سيؤدي إلى إطلاق الحريات بشكل واقعي وليس بالكلام فقط، وأظن بأن البلد ستنتقل إلى حال أفضل في حال وضع منهج لمحاسبة الفساد والرشوة، وبحيث يكون الجميع متساوون في المجتمع بغض النظر عن دين المواطنين، فلا إكراه في الدين، ونحن نسعى إلى دولة وطنية تحتضن الجميع ويأخذ كل ذي حق حقه دون التعدي على حق الغير، وفرض المساواة، ومحاسبة كل من يتعرض للناس وإهانتهم، ونسعى للحفاظ على كرامة كل مواطن سوري فإننا تعرضنا للذل من أجهزة الأمن بما فيه الكفاية، حيث أننا كنا نخاف من شرطي في المخفر أو من شرطي سير مثلاً ونتعرض منه للشتم والقدح بأقبح العبارات في أعراضنا ثم ندير وجهنا ونسكت.. ولكن إلى متى؟ وها قد انفجرنا وطالبنا بإسقاط النظام»..
بعيداً عن الاستنتاجات النهائية
لا شك أن الحديث عن الحركة الاحتجاجية الشعبية وشعاراتها المختلفة تحتاج إلى الكثير من التحقيقات والبحث والتقصّي للوقوف على جملة الحقائق التي أثرت في انطلاقتها وتصاعدها وتطور شعاراتها، لكن مما خلصنا إليه مبدئياً، أن شكل تصاعدها كماً نوعاً ما تزال فيه جوانب جدية غير واضحة، وإن كان الجميع يصر الآن أن استمرار نزيف الدم واعتماد الحل الأمني هو العامل الحاسم هنا، وهذا ينطبق على نوعية الشعارات التي تم رفعها بداية، والتي رُفعت فيما بعد، فجميع من التقينا بهم تقريباً أكدوا أن لا جهة حزبية داخلية أو خارجية، تقف خلف نوعية الشعارات.. فقط قادة المظاهرات الميدانيون هم من يحاولون تحديد شعار كل مظاهرة، وهنا قد تظهر اجتهادات لحظية ارتجالية من آخرين غير متفق عليها وقد تطغى على الشعارات الأخرى، لكن قفز الشعار من «الله.. سورية.. حرية وبس»، إلى «الشعب يريد إسقاط النظام»، كان السبب الأول له هو طريقة التعاطي مع الاحتجاجات، أي قمعها بشدة وعدم الإنصات لمطالب المحتجين والتجييش الطائفي في الإعلام الرسمي.. وهذا أمر بحاجة لمناقشة وعدم التسليم بمصداقيته واقعيته، خصوصاً وأن عدداً كبيراً من الناشطين في الاحتجاجات تنقصهم الخبرة السياسية للتمييز بين ما هو طبيعي وعفوي وبين ما هو غير ذلك تماماً..
وللحديث بقية..