تلاحم الجيش والشعب في سورية يهدد حقاً الجناح الجنوبي للناتو!
من أغرب الأخبار التي وردت مؤخراً وتناقلته وكالات الأنباء العالمية, ذلك الخبر الذي جاء على لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية حين قالت ما معناه أن تحركات الجيش السوري على حدود تركيا يشكل تهديداً للجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو, علماً أنهذه التحركات إنما تمت ضمن الأراضي السورية وليس التركية, وهذا الخبر بحد ذاته لا يستغربه أي سوري فقط بل يشعر معه ببعض الغبطة والسرور في أن جيشه «حامي الديار» قادر على تهديد حلف الناتو بعظمته وحجمه وأسلحته النووية.
حرف الحراك الجماهيري عن محتواه
إن الخبر إياه يدفع كل متابع إلى التساؤل عن الغايات التي تتوارى خلفه, خصوصاً وأن الوضع السوري غير مستقر حالياً بسبب الحراك الشعبي وما رافقه من عمليات أمنية وعسكرية مازالت قائمة حتى الآن.
إن محتوى الخبر لا شك يثير الشفقة على هذا الحلف «المسالم» والعامل باستمرار على «حفظ السلام والأمن الدوليين»، وهو الحلف الذي انفرد بكونه الحلف الوحيد القائم حاليا, والذي جعل نفسه شرطيا عالميا بعد زوال الاتحاد السوفيتي, بقيادة زعيمة الامبريالية العالميةأمريكا, وهذا الحلف الآن مهدد بأحد أجنحته الهامة ومن الجيش السوري تحديداً, وإذا كان يتوجب أن لا نشكك بقدرات وإمكانيات الجيش السوري, فإن التصريح بمثل هذا الخبر يحمل في طياته حتماً مصيبة جديدة قد تحل بالمنطقة, وهذا يجعلنا نتوجس منه مرة ونخاف بلوأن نتوخى الحذر من إطلاقه مرات كثيرة!.
إن إجراء تحليل عميق وهادئ له, لا شك سيوصلنا إلى نتيجة حتمية واحدة وهي أن أمريكا تسعى بكل إمكانياتها وعبر كل عملائها في الخارج والداخل للاستفادة القصوى من الحراك الجاري في سورية, وذلك من أجل حرفه عن مقاصده وجرفه في تيارها, وبشكل غيرمباشر بحيث تظهر من خلاله بأنها تدافع عن الشعب السوري في الوقت نفسه الذي تحيك فيه الدسائس له, وهي بذلك تسعى لتحقيق إستراتيجيتين هامتين بضربة واحدة, ولم لا طالما الفرصة سانحة لها الآن وهي العارفة أكثر من غيرها بالاستفادة حتى من أنصافالفرص.
الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة
ومما لا شك فيه أن هذا التصريح يحمل في طياته تحريضاً مباشراً لتركيا, كي تتدخل عسكرياً في الشأن السوري وتبريراً لما قد تقوم به تركيا تجاه الوضع السوري, ولكن ما هي المصلحة التي ستجنيها تركيا من مثل هذا التدخل؟, ولو أن ما يجري على الساحة السورية منعمليات قتل للمدنيين والعسكريين وفوضى أمنية قد يؤثر نسبياً على الوضع التركي, ولكن ما يجري لا يؤثر إطلاقا على الأمن التركي مباشرة, صحيح أن استمرار عمليات العنف الجارية حول الحراك الشعبي والذي سببه المباشر هو تلك الاختراقات, إن كان في جهاز الدولةأو في الحركة الشعبية, والتي إن استمرت وتفاقمت قد تتعقد الأمور بشكل كبير, لكن الواقع يشير إلى أن الشعب السوري وقواته المسلحة الباسلة أوعى من الانجرار إلى ما تريده أمريكا ولو أنها قد خططت له لسنوات طويلة.
ولكن ما هما الإستراتيجيتان اللتان تسعى أمريكا لتحقيق مآربها من خلالهما؟!.
1 - قوس التوتر:
بعيداً عن نظرية المؤامرة, فإن المخططات الأمريكية وما ترسمه لنفسها من أهداف كان بحاجة إلى نظرية تستند إليها, عند تنفيذ هذه المخططات, فقد قام مستشار الرئيس كارتر زبيغنو برجنسكي بوضع نظرية قوس التوتر, التي اعتمدت كأساس إستراتيجي لأمريكا فيمنطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا, وهذه النظرية تنص على أن تلك المناطق الممتدة من الباكستان وأفغانستان مروراً بوسط آسيا شمالاً, إلى باب المندب جنوباً, ثم إلى مضيق جبل طارق شمالاً, وهي منطقة غنية جدا بالثروات والمواد الخام بدءاً من البترول «في أغلبهذه الدول» ومروراً بالذهب «السعودية – اليمن – السودان» وانتهاءً بالمعادن النادرة التي لا توجد حالياً إلا في منطقة دول «آسيا الوسطى» والتي نفدت في أمريكا تحديداً, إن هذه الدول هي دول متعددة الأديان متعددة الطوائف, وحتى نستطيع الاستيلاء على ثرواتها«قيمة ثروات أفغانستان فقط أكثر من 5 ترليون دولار», لابد من إعادة تشكيلها إلى دول أحادية الأديان أحادية الطوائف, أي تفتيتها إلى دول صغيرة متحاربة, وقد تمتد الحروب فيما بينها لعقود من السنوات, مما سيعطينا المجال الرحب للاستيلاء على ثرواتها, وهذا لا يتمإلا عبر تأجيج الصراعات الطائفية, و الحروب الأهلية و إحداث بؤر للصراع والتطاحن بين دولها الجديدة, لذلك لم يكن مستغرباً لو نجح الأمر, أن يتفتت لبنان الذي يمكن أن تساوي مساحته المحدودة «10252 كم2», مساحة مقاطعة ما في أصغر الولايات الأمريكيةمساحة, إلى ثلاث أو أربع دول, فما بالك في سورية والعراق والسعودية والسودان وغيرها من دول المنطقة.
2 - تطبيق المالتوسية:
إن تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة والحروب الأهلية والصراعات بين الدول إنما يراد منها تطبيقاً عملياً لنظرية القس مالتوس, التي تقول بأن الغذاء يتزايد بموجب متوالية حسابية«3-2-1 ...4الخ», في حين أن البشر يتزايدون بموجب متوالية هندسية «8-4-2-1....الخ», لذلك فإن العالم سيجد نفسه أمام أزمة غذاء جامحة في يوم ما, لذلك لم يجد لها حلا إلا بزيادة الأوبئة والحروب والصراعات في دول العالم الثالث, الأمر الذي ستذهب ضحيته مئات الملايين من البشر وربما أكثر, ولذلك فإن مقتل 2 مليون عراقي جراء الاحتلالالأمريكي للعراق, لا يشكل إزعاجا لا لجورج بوش ولا لأي رأسمالي مؤمن بهذه النظرية, كما أن العمل جار على قدم وساق لتطبيق المالتوسية الجديدة عبر شعار المليار الذهبي في الشمال, ومليارين من الخدم له في الجنوب, والتي تقوم الامبريالية العالمية وزعيمتهاالامبريالية الأمريكية على تحقيقه, ولا يهم إن تفجرت حرب نووية بين الهند والباكستان وراح ضحيتها نصف مليار إنسان, أو أن يتم ضرب إيران بقنابل نووية, لقتل عشرات الملايين تحقيقاً لهذه النظرية المجرمة بحق شعوب الأرض.
ولكن رب سائل يقول وما علاقة قوس التوتر والمالتوسية الجديدة بما يجري حالياً في المنطقة العربية عموما وسورية خصوصاً؟!.
لا شك أن الإجابة على هذا التساؤل لا يحتاج إلى تمحيص وتدقيق وبراهين, فما يجري على الأرض الآن كفيل لوحده بالإجابة, ذلك أن التحالف الصهيو أمريكي «والذي عبر عنه أوباما في مؤتمر الآيباك الصهيونية في نيويورك, ونتنياهو عبر خطابه الأخير أمام الكونغرسالأمريكي» يغذ السير في تحقيق تلك الغايات, عبر ما يجري التخطيط له في منطقتنا, ولا شك أن أمريكا تريد ضرب عصفورين بحجر واحد وذلك عبر تحريض تركيا على العدوان على سورية وتقدم لها التبريرات مسبقا عبر ما تزعمه عن قيام الجيش السوري بتهديدالجناح الجنوبي للناتو التي هي عضو فيه, وما تقوم به من اختراقات لتأجيج الحرب الطائفية في سورية, إنما تهدف إلى تحقيق مآربها بأقل الخسائر الممكنة, بل قل دون خسائر تذكر إلا من بعض رزم الدولارات التي قد تضطر لرشها هنا وهناك، علماً أن آلة طباعة عملتهاالورقية لا تكف عن العمل, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن تحقيق النجاح لمخططها هذا, يعني تمكنها من ضرب ذلك التحالف القائم الآن بين سورية وإيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية, هذا التحالف الذي يقف سداً منيعا أمام التحالف الصهيو أمريكيومخططاته المدمرة.
إن ما يتوجب علينا العمل عليه الآن هو الحفاظ على الحراك الشعبي ووقف عمليات القتل التي تطال المتظاهرين وقوات الجيش السوري فوراً، وإعادة هذه القوات إلى قواعدها وإطلاق الحريات العامة ومحاسبة كل من تجرأ وأطلق النار على السوريين المدنيينوالعسكريين، وإجراء حوار ديمقراطي بين مكونات الشعب السوري كله للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، الأمر الذي سيجعل الجيش السوري يتفرغ لمهمته الكبرى في الدفاع عن الوطن وتحرير الجولان, وبأكثر النتائج الهادفة إلى وضع سورية على خارطةالديمقراطية والمستقبل المشرق..