المصلحة الوطنية العليا
بما أن «الوطن لا يقبل القسمة على أحزاب».. وهو أغلى من الموالاة والمعارضة، ولأن ما يجابه سورية أكبر بكثير من «إيجاد تسوية بين النظام والمعارضة»
بل إن هناك تناقضاً بين مشروعين؛ وطني ولا وطني، يعتمد الأولعلى إيجاد حل ومخرج سلمي آمن من الأزمة الوطنية العميقة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عشرة أشهر، حل يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، ويقوي دورها الإقليمي في المواجهة مع المخططات الإمبريالية والصهيونية،أما المشروع الثاني اللا وطني بشقيه الداخلي والخارجي فيدخل بإطار سياسة التفتيت الجغرافي والديمغرافي والقومي والطائفي التي تتبعها الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الصهيونية العالمية إزاء دول المنطقة، خصوصاً بعد حربتموز 2006 وما حققه خيار المقاومة، والذي كان من أهم أسباب التبدل الذي نشأ في أعقاب ذلك على ميزان القوى في المنطقة لمصلحة قوى المقاومة والممانعة، والذي أصبحت ملامحه أوضح بعد انفجار الأزمة الرأسمالية العالميةفي 2008 وما تلا ذلك من تعثر للمشروع الأمريكي من أفغانستان وباكستان وصولاً إلى العراق ومنطقة الخليج (الأزمة الإيرانية- الأمريكية نموذجاً).
المؤكد أن قوى الفساد داخل النظام وخارجه هي من أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وهي مازالت تعيق الوصول إلى حلول شاملة وعميقة تتناسب مع عمق الأزمة العميقة والمركبة التي تعصف بالبلاد، وإذا تجاوزنا الحديث عن هدرالفرص (اللقاء التشاوري نموذجاً)، والإجراءات التي كانت دائماً تأتي متأخرةً، جزئيةً وليست شاملة، عاديةً وليست صادمة، فإن ما جرى في مجلس الأمن من تحالف مطلق بين قوى الإمبريالية العالمية والرجعية العربية ضدسورية، يؤكد مجدداً أن انتصار المشروع الوطني وحل الأزمة الداخلية لا يقتصر فقط على الاستفادة من موقف روسيا ومبادرتها وتأييد الدول الصديقة الأخرى.
عندما نقول إن الحل يجب أن يكون سورياً خالصاً، فهذا يعني قبل كل شيء التوجه فوراً نحو حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة، وهنا يجب ألا يتذرع أحد بأن بعض أطراف المعارضة (المقيمين الدائمين في الخارج)ترفض المشاركة بحكومة كهذه، لأن المطلوب بالأساس مشاركون حقيقيون من المعارضة الوطنية والنظام والحركة الشعبية انطلاقاً من ثلاثة ثوابت:
ـ رفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي.
ـ رفض الفتنة الداخلية ومنع العنف من أية جهة كانت.
ـ اجتثاث قوى الفساد، والتي تلعب الآن دوراً خطيراً ليس فقط في استمرار سفك الدماء في الشارع السوري، بل وفي تهيئة المناخ لتدهور الوضع الاقتصادي، سواء بإضعاف مناعة الليرة السورية أو خلق الأزمات المصطنعة مثلالخبز والغاز والمازوت، خصوصاً بعد استخفاف وزير النفط عندما طرح إمكانية زيادة سعر الليتر عشر ليرات سورية، وهذا ما ساهم في فلتان الأسعار لمعظم السلع ذات الاستهلاك الشعبي الواسع، وكان المطلوب الاستماعلمقترح نقابات العمال بسحب الثقة من وزير النفط، ولا شك إن السياسات الاقتصادية المطبقة حالياً لم تحز على ثقة الناس، وهي غير قادرة على تحصين الاقتصاد السوري ومنع تفاقم الوضع المعيشي للمواطنين، وهي استمرارلسياسات الفريق الاقتصادي الراحل التي إذا لم يجر القطع التام والنهائي معها، والانعطاف بالاتجاه الآخر جذرياً، فإن ذلك يعني استمرار أحد العوامل الأساسية لانفجار الأزمة، مما سيعمقها لاحقاً.
إن المصلحة الوطنية العليا لسورية تفرض قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة بمن يقبل المشاركة اليوم، وإبقاء الباب مفتوحاً لمن يريد المشاركة لاحقاً، حكومة قادرة على إجراء انعطاف وتغيير وطني ديمقراطي شاملينقل سورية من حالة الدفاع إلى الهجوم، وهذا سيفتح الطريق أمام الخروج الآمن من الأزمة على أساس وحدة سورية أرضاً وشعباً، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.