افتتاحية قاسيون 633 : بين «عدرا» و«جنيف»..

افتتاحية قاسيون 633 : بين «عدرا» و«جنيف»..

مع اقتراب موعد المؤتمر الدولي حول سورية المعروف بـ«جنيف2» بما يعنيه افتراضاً من استحقاقات تمنع إعادة إنتاج الأزمة السورية عبر ثلاثية وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية بكل تفاصيلها بما فيها لاحقاً نمط التنمية الاقتصادية الاجتماعية

جاء اجتياح مسلحي «النصرة» و«لواء الإسلام» التكفيريين الإرهابيين لضاحية عدرا العمالية بريف دمشق لتشكل للوهلة الأولى ساحة مواجهات جديدة بالمعنى الميداني لتعوض من وجهة نظر المسلحين عن التقهقر العام في منطقة القلمون، ولتوجد بالمعنى السياسي نقطة ضغط تريدها بعض الميليشيات الإرهابية الناشطة في الداخل والمدعومة والمخترقة من كل أجهزة استخبارات العالم على طاولة جنيف.
تشترك جميع روايات الأهالي القادمة من عدرا قبل انقطاع الاتصالات فيها على أن المسلحين استباحوا على نحو مفاجئ الضاحية السكنية بعد أن قتلوا وذبحوا كل من قام بمواجهتهم في جميع الحواجز ومرافق الدولة الموجودة هناك، وذلك قبل أن يلجؤوا لعمليات مداهمة وتفتيش للمنازل وسط التكبيرات وإطلاق الرصاص عشوائياً وترهيباً ودعوات الأهالي للنزول للأقبية واحتجازهم هناك والفصل بين الجنسين، مع اقتياد أسماء محددة من الأهالي موجودة بقوائم مسبقة معهم لقتلهم أو أقله للتحقيق معهم واحتجازهم! وهذه القوائم تشمل كل التركيبة السكانية والوظيفية في تلك الضاحية التي تشكل نموذجاً مصغراً عن الوحدة الوطنية السورية. 
غير أن نمط المطالبات بالتحسب للرد في أماكن أخرى ونمط التسريبات والإشاعات المحيطة بما جرى ويجري في عدرا العمالية، المستمرة رغم انقطاع الاتصالات لاحقاً، بما فيها تلك المنطلقة من بعض أوساط الموالاة ومحيطها الإعلامي غير الرسمي، وحتى بعض الإعلام اللبناني، يسهمان عبر التركيز على أحادية الاستهداف في الجرائم الفعلية المرتكبة في عدرا، في تحويل تلك الضاحية لنقطة توتر أخرى تشكل منصة انطلاق لصراع أهلي ذي طابع مذهبي طائفي ليجري تعميمه على كل مناطق سورية بهدف نهائي يتمثل في الإطاحة بجنيف واستحقاقاته، أي نسف الحل السياسي، وبالمحصلة تجذير العنف والتدخل الخارجي بأشكال جديدة وربما غير متوقعة، بما يمهد وسط الإرادات الدولية والإقليمية الناجزة للانتهاء من الأزمة السورية لفرض حل تحاصصي في نهاية المطاف على أساس مكونات ما قبل الدولة الوطنية. وهذا يعني أن مطلقي هذه التسريبات والإشاعات، بحسن نية أم بسوئها، بوعي ودراية أم بعدمهما، رداً على ألم حقيقي ألمّ بهم أم متاجرة بآلام الآخرين، إنما ينقادون وراء طائفية مضادة للطائفية الموجودة فعلاً عند المجموعات التكفيرية الوهابية الغرائزية والفاشية الجديدة، ولكنهم في ذلك المنطق الغرائزي المضاد إنما يخدمون المخطط الأمريكي التفتيتي دينياً وطائفياً ومذهبياً وعرقياً. وهنا تكمن خطورة هذه الطروحات التي تتلاقى للمفارقة مع مصالح كل المتشددين داخلياً وإقليمياً ودولياً بما فيها قوى الفساد الكبير والقوى التكفيرية في البلاد، على اعتبار أن إنجاز حل سياسي حقيقي في سورية بمفرداته السياسية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية في خدمة السواد الأعظم من السوريين على أساس المواطنة سيلغي مكان هؤلاء جميعاً ويجفف مصادر نهبهم وإمارات حربهم بنهاية المطاف.
إن المطلوب من كل السوريين اليوم أن يدركوا أن كل أولئك المتشددين والفاسدين لن يتورعوا عن ارتكاب وترويج كل الموبقات والمجازر وتعميم منطق العنف والعنف المضاد إتجاراً بالدم السوري المراق أياً كان حامله، وإن ما يجري تسريبه حول عدرا، وكيفية التعامل الإعلامي غير الرسمي مع إجرام المسلحين ومجازرهم هناك تفوق اليوم في خطورتها مآلات تسليح الحراك الشعبي في بداية الأحداث في سورية، أي الانتقال من نفق العنف والتدخل الخارجي والاستنزاف إلى الدخول في نفق طائفي تقسيمي دموي مديد ومظلم لا يسلم منه أحد، ولن تكون بعده سورية التي نعرفها بحدودها الإدارية وتركيبتها السكانية الموحدة اليوم. إن المطلوب هو حقن دماء جميع السوريين عبر مواجهة وطنية الطابع مع المتشددين والفاشيين الجدد ومن في حكمهم وليس الإسهام في المزيد من سفكها والاستخفاف بها تحت يافطة الانتصار لها وعبر منطق التهوين من مغبة محاولات نسف جنيف