افتتاحية قاسيون 612 : استعادة دور الدولة اقتصادياً.. إنما تحت النار!
استطاع المواطن السوري البسيط في الشارع، على مدار الأيام العشرة الماضية، أن يدرك حجم التحايل في موضوعتي سعر صرف العملات الأجنبية- وتحديداً الدولار، وارتفاعات أسعار السلع الاستهلاكية، بملاحظته انخفاض الأولى دون انخفاض الثانية مباشرة، من خلال بضعة إجراءات اتخذتها الحكومة وبعض أجهزة الدولة، .
والتي تبين أن ذلك برمته ليس قدراً لا راد له، في سياق انفتاح الجبهة الاقتصادية في الصراع داخل سورية وعليها على مصراعيه، مضافاً على الجبهات الأخرى. فمع الإغراق المعاكس في سوق العملات للدولار وزيادة الطلب على العملة المحلية التي اضطر إليها المصرف المركزي بعمليات البيع وما رافقها من تخلٍ من جانب المواطنين عن «الورقة الخضراء خشية تدهورها أكثر» ظهر أن للسلوك والإجراءات، وتحديد أسعار السلع وفتح منافذ جديدة للبيع، فعلاً حقيقياً في التأثير على الأسعار، وهو ما ينبغي أن يتحول إلى استراتيجية قائمة ومستمرة تحت عنوان عريض اسمه استعادة الدور الاقتصادي للدولة، لو تحت نار الاستعصاءات الظاهرة سياسياً وعسكرياً وأمنياً القائمة حالياً. وقد أسهمت هذه التطورات- الموضوعية أساساً- في تعرية وإفلاس جانب آخر من «حرب الشماعات» التي تعتمدها قوى الفساد الكبير المتنفذة والمحمية في البلاد تغطية على نهبها وتلاعبها وتعليقه على كاهل من يقف فكرياً وسياسياً وبرنامجياً وممارسة في وجهها، كمعارضة وطنية بالداخل ممثلة بخط وقيادات حزب الإرادة الشعبية والجبهة الشعبية للتغيير والتحرير بمن فيهم النائب الاقتصادي حالياً. وفي هذا السياق، وإذا كان من شأن الجبهة الاقتصادية أن تعيد تعميق وتصويب الفرز الاجتماعي السياسي- الوهمي إلى حد كبير حالياً- باتجاهه الوطني والطبقي السليم لنقل الصراع إلى إحداثيات جديدة نوعياً، وإذا كان استعار هذه الجبهة يستدعي قيام حكومة حرب بصلاحيات وتركيبة وذهنية وبيان جديد، فقد بدأ يتضح للعامة حقيقة بعض الأشياء وزيف بعض الأشياء الأخرى من المقولات والشماعات المتداولة ومن بينها أنه في الحقيقة لا يوجد «فريق اقتصادي حالي» بل استمرار لسياسات فريق اقتصادي ليبرالي سابق بقوة العطالة وتنفذ قوى الفساد الكبير والانفتاح على الغرب المسؤول عن استمرار تفجر الأوضاع السياسية والميدانية بتدخله غير المباشر. وعن أي فريق اقتصادي حالي منسجم مع ذاته وسياساته المفترضة يمكن الحديث اليوم إن كانت اللجنة الاقتصادية الحكومية تضم في عضويتها «خلطة متعددة» في التوجهات الفكرية والسياسية والاقتصادية (شيوعي وبعثيين وليبراليين)؟! وفي الحقيقة بدأ يتضح أكثر فأكثر أن العامل الأساسي في التلاعب بأسعار الصرف هو سلوك المضاربين الإقليميين والمحليين والصيارفة الكبار وأجرائهم المستفيدين من تراخي السياسات النقدية لدى المصرف المركزي وبقائها خارج أية مساءلة حكومية أو شعبية! وفي الحقيقة تبين أن العامل الأساسي في ارتفاعات الأسعار هي النقطة السابقة مترافقة مع الاحتكار والمضاربة إلى جانب الحصار الخارجي وارتفاع كلف النقل والوضع الميداني، ولم يعد يجدي المتشددين، الذين تتلطى خلفهم قوى الفساد، الحديث المتاجر بدماء السوريين وفي مقدمتهم أبناء الجيش العربي السوري، عن «مؤامرة كونية» على سورية ولكنها عندما تأتي للاقتصاد والمعيشة تتوقف ليصبح المسؤول عنها «النائب الاقتصادي الشرير والشيطاني»! وعليه بدأ يتضح زيف الادعاءات بأن النائب ذاته كان يطلق الوعود قبل انضمامه للحكومة ثم نكث بها بعد ذلك، علماً بأن كل ما كان يجري الحديث به هو برنامج وتحليل مشروط بعوامل محددة جاءت تطورات الحياة لتثبت صوابية التحذيرات من عدم تلبيتها أو الالتفات إليها! إن استعادة دور الدولة الحيوي والذكي في الاقتصاد والمعيشة والنقد اليوم هي جبهة رئيسية تجري تحت نيران الجبهات الأخرى وهي محدد أساسي لمستقبل سيادة واستقلال سورية ووحدة شعبها