افتتاحية قاسيون 663: نقل إحداثيات المعركة
يقدم الواقع السوري، يوماً إثر آخر، شواهده وأدلته، معيداً التأكيد على جملة من الاستنتاجات والحقائق:
أولاً، لا توجد أية إمكانية واقعية لا باتجاه «الحسم» ولا باتجاه «الإسقاط»، نتيجة لتدويل الأزمة السورية، أي ذاك الوضع الذي ربطها بتحولات الميزان الدولي البطيئة جداً إذا ما قيست بدماء السوريين النازفة، ذلك أنّ حسم الصراع على المستوى الدولي سيستغرق سنوات عديدة أخرى.
ثانياً، إن «الحسم» أو «الإسقاط»، ورغم كونهما افتراضين غير واقعيين، ولكن في حال تحقق أيٍ منهما فإنّه لا يعني حل الأزمة السورية، ولا يعني الخروج منها. فالشق المسلح من الصراع، إلى جانب تعبيره عن العدوان الخارجي بالدرجة الأولى، فإنه يعبر أيضاً- وإن بشكل مشوه- عن جملة الأزمات التي تعانيها سورية بإحداثياتها المختلفة اقتصادياً- اجتماعياً وديمقراطياً، وانعكاس تلك الأزمات بعيوب وتشوهات ومشاكل متعددة، سواء على الوعي السياسي أو على الواقع الاجتماعي السوري.
ثالثاً، إنّ قصر الصراع على شكله المسلح، هو بالذات الرسمة الأمريكية، والتي تسمح باستمرار الاستنزاف وتعميقه وصولاً إلى رفع درجات إنهاك الدولة والمجتمع إلى الحدود القصوى. ولذلك فإنّ انتظار «الحسم» أو «الاسقاط» واستمرار العمل ضمن الإحداثيات الأمريكية، لن يسمح لا بحل الأزمة السورية ولا بإيقاع الهزيمة النهائية بالعدو. أي أن الشكل المسلح للصراع هو الوصفة الأمريكية المثلى، وهو جملة الإحداثيات التي تسعى واشنطن لفرضها باستمرار، باعتبارها الجملة الوحيدة التي يمكن للصراع أن يجري وفقها، ذلك أنّ الحرب وتوسيع رقعتها باستمرار، استناداً إلى قوى الفاشية الجديدة، هما الطريق الإجباري الذي تسلكه الإمبريالية العالمية في إطار «علاجها» لأزمتها المستعصية، عن طريق التقسيم والتفتيت، ولكن كيف سيكون حال واشنطن هذه إن استطاعت الشعوب شق طريقها المستقل، وفرض جملة إحداثياتها الخاصة؟
إنّ الصراع، على أساس القواعد التي يضعها العدو، لا يضمن له الانتصار، ولكنه في الوقت ذاته يحميه من خسارة قاضية. أي أنّ استمرار الصراع وفقاً لقواعد واشنطن سيسمح لها بتحقيق جزء من أهدافها في نهاية المطاف. ولذلك فإنّ تغيير قواعد الصراع بحيث تتطابق مع المصلحة الوطنية السورية، سيضع العدو بأشكاله المختلفة (واشنطن والصهاينة والغرب الاستعماري وحلفائه الإقليميين وقوى الفساد الكبير الداخلي) في موضع يلحق بهم الخسارة المطلقة. فأي إحداثيات تستطيع تحقيق ذلك؟
إنّ أخذ زمام المبادرة السياسية، بنقل إحداثيات المعركة، إلى غير ما يشتهي العدو الأمريكي، هو الطريق الوحيد نحو هزيمته، ونحو إيقاف الكارثة الانسانية وحل الأزمة السورية.
أي أنّ الذهاب نحو الحل السياسي الشامل بكل الوسائل الضرورية، ووضعه استهدافاً أساسياً تسخّر كل الأدوات الأخرى لتحقيقه بما فيها الأعمال العسكرية، هو انتقال من الموقف الانتظاري والمدافع، إلى موقع الهجوم الشامل.
ولا يغيب على أحد رفض واشنطن بالممارسة للحل السياسي ومحاولاتها المستمرة عرقلته، خلافاً لتصريحات مسؤوليها بين فينة وأخرى. ولذلك فإنّ إرغامها على الذهاب باتجاهه يحتاج إلى جملة من المبادرات والتوافقات على المستوى الداخلي على أساس رؤية وطنية تنطلق من مصلحة الشعب السوري أولاً وأخيراً، وليس من مصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك.
إنّ حواراً وحلاً سياسياً جدياً يفتح أفق التغيير الحقيقي الشامل الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي، ويسمح بترميم صدوع الوحدة الوطنية، هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، وهو جملة الإحداثيات التي لا يمكن لواشنطن إلا أن تكون خاسرة وفقاً لها.