تقاطع إسرائيلي سعودي تركي ينعكس ضغوطاً على واشنطن يحصّن «داعش» إقليمياً
حسم باراك أوباما التساؤلات. أعلن استعداده للتدخل عسكرياً في العراق، ولكن بشروط: تغيير معادلة التوازنات الداخلية بما يؤدي إلى «إلغاء التهميش»، وإلا تتدخل إيران «باسم الشيعة فقط»، في وقت بدا فيه واضحاً أن «داعش» قد باتت في حماية كل من إسرائيل والسعودية تركيا.
تقاطعت مصالح تل أبيب والرياض وأنقرة يوم أمس على حماية «داعش» من أي تدخل عسكري أميركي، وضغطت العواصم الثلاث على واشنطن من أجل الحؤول دون خطوة كهذه، لكن من دون أن تفلح في منع الرئيس باراك أوباما من الإقدام عليها.
عوامل كثيرة في الميزان الأميركي تتحكم في مسار إدارة أوباما في هذا الشأن، بغض النظر عن أصل الموقف الأميركي في ما جرى في غرب العراق. في النهاية، هي مضطرة الى التعامل مع واقع، يمكنها من خلاله أولاً تغيير معادلات في في الداخل العراقي عبر الابتزاز، واستخدامه ثانياً ورقة ضغط في العلاقة مع إيران، مع الاستشراف ثالثاً لخطورة تمركز هذا الكيان التكفيري وتناميه على الأمن القومي الأميركي، فضلاً طبعاً عن ضغوط «الحلفاء» في المنطقة، وتتقدمهم إسرائيل والسعودية وتركيا وقطر.
باراك أوباما حسم السجال أمس. قال بوضوح، في أعقاب اجتماع عقده مع مستشاريه للأمن القومي، إنه مستعد للقيام بعمل عسكري «محدد الهدف» و«واضح» في العراق، مؤكداً أيضاً احتمال إرسال 300 عسكري الى هذا البلد بصفة مستشارين، وذلك في وقت تحدثت فيه معلومات عن قيام واشنطن بطلعات استطلاع في الاجواء العراقية. وقال أوباما إن الجيش الأميركي سيطور قائمة بالأهداف الممكن استهدافها والتابعة لداعش، وذلك عندما يُتخذ قرار بذلك الخصوص، بعد التشاور مع الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
وقال وزير الخارجية جون كيري، في وقت سابق، إن «ما تقوم به الولايات المتحدة متعلق بالعراق وليس بالمالكي».
وحض أوباما شيعة العراق على توجيه رسالة تخاطب كل المكونات في العراق. وقال إن «إيران يمكن أن تضطلع بدور بنّاء إذا وجهت الرسالة نفسها التي وجهناها للحكومة العراقية، ومفادها أن العراقيين يمكنهم العيش معاً إذا ما جمعوا» كل المكونات السنية والشيعية والكردية. وأضاف «إذا تدخلت إيران عسكرياً فقط باسم الشيعة... فإن الوضع سيتفاقم على الأرجح».
وكانت صحيفة «ذي أندبندنت» البريطانية كشفت أمس أن «واشنطن أبلغت مسؤولين عراقيين كباراً أن على رئيس الحكومة نوري المالكي التنحّي، إذا كان عليها التدخل عسكرياً». ورأت أن «الطريقة الدستورية للتخلص من المالكي هي من خلال اجتماع البرلمان العراقي قبل نهاية حزيران، واختيار رئيس له ورئيس للبلاد، يقوم بدوره بالطلب من أحد أعضاء أكبر حزب تأليف حكومة».
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلت أمس عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «الحديث يدور عن خطوة أخرى تضع من خلالها الولايات المتحدة مصالحها ومصلحة إدارة أوباما قبل المصالح الإسرائيلية». وأضاف المسؤولون، وفقاً للإذاعة، أنه «بعد أن سحب أوباما القوات من العراق، فإنه لا يريد إعادتها، ويفضّل أن تنفذ إيران العمل لمصلحته، ما يعني أن الولايات المتحدة لن تتمكن من ممارسة ضغوط على إيران بكل ما يتعلق بالمحادثات حول البرنامج النووي الإيراني، وستضطر إلى تليين موقفها».
كذلك نقلت التقارير عن الوزير الإسرائيلي، عوزي لانداو، أمس، أن «إسرائيل تحاول وقف هذه العلاقة بين واشنطن وطهران». وأضافت أن إذاعة الجيش الإسرائيلي تفيد بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية رفضت التطرق إلى الخطوات التي تنفذها إسرائيل من أجل منع «هذا الحلف الجديد»، لكن التقديرات تشير إلى أن إسرائيل تعتزم القيام بحملة دبلوماسية ضد الولايات المتحدة في عواصم دول أوروبية، بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا «من أجل وقف هذا التعاون الإشكالي»، إضافة إلى ضغوط على أعضاء الكونغرس لمنع أي ضربة عسكريّة أميركيّة لـ«داعش».
أما على الجانب السعودي، وفي مقال في صحيفة «ذي تلغراف البريطانية»، فقد أكد السفير السعودي في لندن أن بلاده ستعارض أي تدخل من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، أو أي دولة إقليمية في العراق، ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وكتب محمد بن نواف آل سعود أن الأزمة في العراق يجب أن تُحلّ بين العراقيين أنفسهم، لأنها كانت نتيجة الانقسام الطائفي في البلاد. ورأى أن المالكي هو السبب وراء الأزمة التي تعصف بالبلاد، موضحاً أن «أجندته الطائفية، التي شملت أعمال العنف ضد مجموعات الاحتجاجات السنية في الماضي، قد أدت إلى إبعاد سنّة العراق، الذين اختفى عدد منهم في ظل حكمه». وقال إن «رؤيتنا ورؤية العديد من المراقبين تتمحور حول تأليف حكومة جديدة في العراق تتضمن كافة الشرائح، السنّة والشيعة».
في هذا الوقت، وتماهياً مع موقف السفير السعودي، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس، إن قيام الولايات المتحدة بشن ضربات جوية على المتشددين في العراق يمكن أن يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين، وإن واشنطن لا تحبذ هذه الاستراتيجية.
وقال أردوغان، الذي سبق أن طالب بحملة عسكرية دولية لضرب التكفيريين في سوريا، للصحافيين في أنقرة «هناك عناصر من «داعش» بين الناس. يمكن أن تؤدي عملية من هذا النوع إلى سقوط عدد كبير من القتلى بين المدنيين.»
من جانبه، قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أمس، في جدة، إن منظمة التعاون الإسلامي تدعو إلى محاربة السياسات الطائفية. وقرأ الفيصل، خلال مؤتمر صحافي في ختام اجتماع وزاري للمنظمة، بياناً أكد أن الدول الأعضاء «موحدة في محاربة سياسات الإقصاء والطائفية التي تؤدي إلى الفتن في بعض الدول وتهدد أمنها واستقرارها». وأجاب الفيصل رداً على سؤال صحافي بأن «اتهام المالكي لنا بدعم الإرهاب مدعاة للسخرية، فداعش تم تجريمها هنا، نصيحتي للمالكي أن يتّبع السياسات التي تتبعها المملكة في محاربة الإرهاب». وأكد أن السعودية «تنظر إلى الجماعات الإرهابية بكل ريبة وحذر، ونستعد لها بكل الإمكانيات، لنا خبرة طويلة معها».
وأوضح رداً على سؤال «لا أعتقد أن الخلافات بين الدول الخليجية تؤثر في التصدي للإرهاب. ليس هناك خلاف حول هذا الموضوع، لأن الدول الخليجية تتعاون في مكافحة الإرهاب»، مضيفاً أن «الخطر يكمن في نمو الإرهاب في الدول المجاورة، الأمر الذي قد يهدد بالانتقال إلى الدول الخليجية».
إلى ذلك، ناشد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدول العربية والإسلامية منع «العدوان على أهل السنّة» في العراق، وعدم الخلط بينهم وبين «الإرهاب». وبيّن في بيان أصدره، مذيّل بتوقيع رئيسه يوسف القرضاوي وأمينه العام علي القرة داغي، أنه «يندد بتصرفات «داعش» في العراق، ولكنه يرفض في الوقت نفسه «تشويه الحراك العراقي الثائر ضد الظلم، والإقصاء»، معتبراً أن ما يجرى «ثورة شعبية». وأفتى الاتحاد في البيان «بوجوب وحدة وصمود العراقيين أمام خطر الطائفية».
المصدر: الأخبار