ماذا يريد العرب من موسكو؟

ماذا يريد العرب من موسكو؟

لا تخرج زيارة الوفد العربي إلى موسكو، وبعدها وارسو، عن إطار التخوُّف الذي يلفّ الكثير من دول العالم إزاء ما ستؤول إليه الأحوال بعد ظهور موقع روسيا الدولي الجديد إبان الأزمة الأوكرانية، وحيث ظهر بوضوح أنّ أوضاع الولايات المتحدة وموقعها العالمي أخذ بالتغير في طريق منحدر لا تظهر له آفاق تحسُّن نهائياً. وتتحسس الدول العربية هذا الانحدار ويلامسها مباشرة وخاصةً لعلاقتها الوثيقة بموضوع إنتاج النفط العالمي كدول الخليج، ووقوعها ضمن مجال النفوذ الأمريكي المدمّر، حيث ترى في تغيُّر توازن القوى الدولي اليوم إحداثيات جديدة لم تعتد التعامل معها وتتلمّس طريقها في التكيف مع الأوضاع الجديدة، وخاصةً مع الضغوط الأمريكية التي لم تتوقف والتي ترمي إلى الحفاظ على وضع الهيمنة الأمريكية بشأن الموقف من روسيا، رغم فقدانها لمقوّمات هذه الهيمنة وتَعَارُض المصالح العربية مع المصالح الأمريكية في مجالات عدّة أهمها النفط والغاز. ليس هذا الموقف بعيداً عن براغماتية الموقف التركي المشابه، ويبدو أنّ التملّص من الضغوط الأميركية هو الطابع الأهم لهذه التحركات.

أشار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى أنّ واشنطن بدأت تفقد زمام المبادرة والهيمنة على العالم، معرباً عن امتنان موسكو للدول العربية على موقفها تجاه الأزمة الأوكرانية. وأضاف أن الأمريكيين «في حالة هلع من التغيرات المتسارعة في العلاقات الدولية، وهم يفقدون زمام المبادرة والهيمنة على العالم الذي يجب أن يكون متعدد الأقطاب».

يأتي ذلك بعد الزيارة التي قام بها وفد المجموعة العربية إلى موسكو في الرابع من هذا الشهر والذي تكون من وزراء خارجية السودان والجزائر والأردن والعراق ومصر برفقة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط.

وكان الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب خلال دورته الـ157 قد خلص إلى ضرورة تشكيل لجنة وزارية عربية في 9 آذار الماضي، تتولّى الاتصال بأطراف الأزمة في أوكرانيا، خاصة أنّ جملة من تداعيات هذه الأزمة بدأت تظهر على عدد من الدول العربية التي تأثرت بآثارها. وجاءت الزيارة بعد مبادرة جزائرية بهذا الشأن.

وقال الدبلوماسي الروسي إنّ بلاده تدرك أنَّ «الأمريكيين مارسوا الضغط والابتزاز على الدول الإفريقية والعربية وغيرها» ووصف ذلك بأنه «أمر مؤسف بطبيعة الحال، لكن أعتقد أن أصدقاءنا وشركاءنا العرب يعتزّون بمواقفهم السيادية واستقلالهم عند اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية المبنية على مصالحهم الوطنية... أظنّ أنّ هذه المصالح يجب أن تعلو فوق أية اعتبارات أو تنازلات وحتى الضغوطات والتهديدات والقيود».

وأشار بوغدانوف إلى أن بلاده في الظروف الحالية ليست وحدها. وتابع: «لدينا أصدقاء وحلفاء كثر وفي مقدمتهم الصين ودول بريكس والكثير من الدول». وأضاف: «راضون عن مواقف الدول المصدّرة للنفط ونحن على اتصال دائم معها»، ورحَّب بجهود بعض الدول بما فيها العربية للتوصل إلى حلول للأزمة الأوكرانية. وتابع: «نحن ممتنون لغالبية أصدقائنا العرب وقد اطلعنا على البيان المشترك لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية المتعلق بالأحداث في أوكرانيا»، ووصفَ البيان بأنه «يحمل طابعاً متزناً وموضوعياً ويعكس الموقف العربي المشترك». وتابع أنّ المناقشات تناولت أيضاً «الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتطابقت آراؤنا تماماً في ملف فلسطين». وأضاف أنه بحث مع أعضاء المجموعة ملفّات اليمن وليبيا وسورية، إلى جانب احتمال عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية قريباً.