افتتاحية قاسيون 631: «مكافحة الإرهاب» وتموضعات ما قبل «جنيف»..
القاسم المشترك في التصريحات المعلنة من مختلف الأطراف الدولية والإقليمية والسورية المعنية بالأزمة السورية هو الحديث عن ضرورة البحث عن حل سياسي لها، وتعطفها غالبية تلك الأطراف اليوم بحديث آخر عن ضرورة «مكافحة الإرهاب» القائم أو المحتمل انطلاقه من الأرض السورية.
وإذا كان ثمن وصول تلك الأطراف ذاتها للنتيجة الأولى قرابة ثلاث سنوات من الاستنزاف البشري والاقتصادي والسياسي والمجتمعي السوري على نحو فادح وكارثي بكل المقاييس، فإن الإعلان عن ضرورة البحث عن حل سياسي للأزمة لا يعني بالضرورة طبعاً نزاهة وجدية كل الأطراف بالبحث عنه، ولا يعني استطراداً امتلاكها فهماً مشتركاً لا لذلك الحل ولا- في النتيجة الثانية- لمقولة «الإرهاب»، ولا لسبل إنجاز أية مكافحة جدية أو جذرية له.
وبالترابط الملموس اليوم فإن الموافقة على حضور جنيف2 وإنجاحه بمعنى البحث عن «تسويات وطنية» بعيدة عن منطق التحاصص باتت اليوم جهاز كشف كذب أو صدق نوايا مختلف الأطراف من وراء طرح شعار «مكافحة الإرهاب».
إن التحليل البسيط لبعض المواقف يظهر حجم المسافة التي لاتزال، ما قبل جنيف2، تفصل بين الشعب السوري بمعاناته وصراع مختلف الإرادات حتى «موعد انعقاد جلسته الافتتاحية» المزمعة في كانون الثاني المقبل، تلك الإرادات التي تجتزئ أو تهمل أحد مكونات ثالوث حل الأزمة، مقابل التركيز على أحدها فقط، أو تقلب ترتيب ذاك الثالوث، المتكامل بتسلسله، بالدرجة الأولى: وقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، وقف العنف من أي طرف كان، وإطلاق العملية السياسية بكل مفرداتها.
ثمة تشكيلات إرهابية على الأرض السورية حالياً غير معنية أساساً لا بالذهاب لجنيف ولا بالحل السياسي، وهي ستواصل ممارساتها، مثل «النصرة» و«داعش» ذات الغالبية غير السورية، على الأقل على مستوى القيادات، وهي تشكيلات معادية لمصالح الشعب السوري وشعوب المنطقة والعالم على طول الخط، كونها تمثل الفاشية الجديدة أو سلطة رأسمال المال المالي الأكثر رجعية وإجراماً، وهي تلقى رعاية وحماية وتعليمات المتطرفين في المراكز الإمبريالية العالمية المأزومة.
وثمة مواقف «رسمية» من فصائل مسلحة سورية، ما يسمى بالجيش الحر تحديداً، ترفض الذهاب لجنيف، وتضع نفسها بالتالي، بوعي وإرادة أو دونهما، في خانة الراغبين باستمرار العنف والإرهاب في سورية، وهي تتمتع بغطاء سياسي من قوى باتت محكومة بالأفول، وهي مصنفة «معارضة خارجية» (ائتلاف الدوحة ومجلس اسطنبول) وتعلن أنها تريد الذهاب لجنيف، ولكنها مستمرة بعقلية «الشروط المسبقة» التي تجتزئ حل المسألة السورية بما تسميه بالهيئة الانتقالية، ومن يكون موجوداً فيها أم لا، أي أنها لا تدعم الحل السياسي في نهاية المطاف، لتؤيد استمرار التدخل والعنف والإرهاب كأدوات لتحقيق مآربها السياسية الخاصة بـ«استلام السلطة».
بموازاة ذلك تبرز مواقف من بعض المجموعات المنضوية في تلك الفصائل المسلحة التي تعلن استعدادها للذهاب لحل سياسي، ولكن مشكلتها تكمن في الضمانات، أي ثقتها المفقودة مع النظام، وهو ينبئ بتحول وفرز، يصمم متشددو النظام على تجاهله.
ففي المقابل يرفع النظام شعار مكافحة الإرهاب، ليركز عليه رابطاً إياه بوقف التدخل الخارجي فقط لا غير، وبـ«عدم تسليم السلطة»، مع تغييبه حتى لمبادرته سابقاً للحل السياسي، علماً بأن العملية السياسية ينبغي أن تتضمن حكومة وحدة وطنية بصلاحيات حقيقية وبرنامج عمل جدي- سياسي واقتصادي اجتماعي وديمقراطي- لحل الأزمة جذرياً بكل أبعادها، أي ضمان عدم إنتاجها لاحقاً، وهو الموقف المنسجم مع المصلحة الحقيقية للشعب السوري، والذي تعبر عنه بهذا المعنى مواقف بعض «معارضة الداخل».
القوى الدولية الصديقة لسورية، مثل روسيا، يظهر في مقارباتها ذاك التزاوج المطلوب بين الحل الجذري للأزمة ومكافحة الإرهاب وأدواته بما يمثله ذلك من خطورة عالمية، في حين تسعى بعض القوى الإقليمية مثل قطر والسعودية في تعارض مع موافقتها على الذهاب لجنيف إلى إنشاء تشكيلات مسلحة جديدة (الجبهة الإسلامية) ذات البنية «الإخوانية» والأساليب «الداعشية» والبرنامج الليبرالي سياسياً واقتصادياً لتكون «ضمانة قوة» على طاولة جنيف تكتيكياً، وخنجراً لإبقاء الجرح السوري مفتوحاً، بالمعنى الاستراتيجي، أي بما ينسف الحل السياسي في سورية من جهة، وبما يجعلها في الوقت نفسه قوى داعمة بامتياز للإرهاب العالمي على نحو سافر.
إن هذه التجاذبات تشير من جديد إلى أهمية قيام استقطاب شعبي حاسم على أساس معايير وطنية شاملة بعيدة عن الاصطفافات الراهنة وعلى مستوى مختلف القوى السياسية السورية، بما يشكل ورقة الضغط الأقوى على طاولة جنيف.