افتتاحية قاسيون 630: تثبيت الغايات من «جنيف2»
مع إعلان تحديد موعد مؤتمر جنيف2 حول سورية، بعد اضطرار مختلف القوى الرافضة والمعرقلة له، لإعلان موافقتها على حضوره والمشاركة فيه بوصفه مدخلاً وحيداً للحل السياسي في سورية،
بدأت تنحصر وتتركز على السطح حالياً وحتى انعقاده صراعات متجددة، تتعلق بأجندات «النظام» و«المعارضة» وما يبتغيه كل طرف من المؤتمر، وهذا أمر طبيعي، ظاهرياً، مع افتراض انتقال الصراع في سورية وعليها كما هو مطلوب من شكله العنفي إلى شكله السياسي.
النظام يريد فقط توظيف ما ينجزه على الأرض في إطار التضييق على المسلحين كورقة أساسية كفيلة بتقديمه أقل «تنازلات» ممكنة، ويفضل أن تكون شكلية، وهو يرفع عالياً -على نحو محق في جانب ما-راية «مكافحة الإرهاب» كهدف وحيد لمؤتمر جنيف، ولكن دون تمييز عمن ممكن استقطابه من المسلحين السوريين المستعدين لنبذ العنف والإرهاب لعملية سياسية حقيقية وجدية، تفضي في أحد مندرجاتها إلى مكافحة جذرية للإرهابيين التكفيريين-الفاشيين الجدد-القادمين من خلف الحدود، ومن في حكمهم.
أما الصراعات داخل صفوف المعارضات السورية فتدور الآن حول مسألتين مترابطتين، أولهما غاية المؤتمر، وثانيهما شكل تمثيل المعارضة فيه. ويبرز هنا بطبيعة الحال في التسليط الإعلامي موقف «ائتلاف الدوحة» الذي يركز على أن غاية «جنيف2» هي إنجاز «هيئة انتقالية لا مكان فيها لرموز النظام وأدواته»، وهو الموقف الاشتراطي المسبق الذي يجري تسويقه كهدف وحيد بحد ذاته، مع تغييب الموضوعتين الأساسيتين الممهدتين له افتراضاً، وهما وقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، ووقف العنف بكل أشكاله ومن أي طرف كان ومن ثم إطلاق العملية السياسية. أي أنه الموقف الذي يجتزأ ويقلب تسلسل الأهداف المطلوب وضعها على جدول أعمال جنيف2 إذا ما أريد له النجاح في تحقيق حل سياسي حقيقي للأزمة السورية.
وإذا ما أضيف إلى ذلك مسألة محاولة الائتلاف مدعوماً بالمواقف الأخيرة من بعض الدول الخليجية تقديم نفسه ممثلاً شرعياً ووحيداً للمعارضة السورية، ليقبل بمن يريد في «وفده» ويقصي من يشاء، واستعداد بعض «معارضة الداخل» ضمن العقلية الاستئثارية الإقصائية ذاتها لقبول هذا السلوك ضمناً، فإن تكامل هاتين المسألتين مع مصالح المتشددين داخل النظام وقوى الفساد الكبير في البلاد، سيفتح الباب أمام الإبقاء على العنف وعلى التدخل الخارجي، لإنجاز «محاصصة» بين الطرفين تحفظ البنية القائمة في البلاد سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، ولكن مع إدخال بعض التغييرات و«الرتوش»، أي إنجاز «الخطة-ب» الأمريكية سيئة الصيت، التي تصادر رغبة ومصالح السواد الأعظم من السوريين الذين يريدون وقف التدخل الخارجي، ووقف الدم- أي العنف، وإحداث التغييرات الجذرية العميقة والشاملة عبر عملية سياسية سلمية تحافظ على وحدتهم وسيادتهم وكرامتهم الوطنية وتنسجم بمخرجاتها مع تضحياتهم ومعاناتهم وكارثتهم الإنسانية المريرة، مع قبولهم بترك من سيكون ومن لن يكون في المرحلة المقبلة لصناديق الاقتراع الشفافة والنزيهة.
إن التركيز المشبوه من أي طرف كان على بند بعينه هو «الهيئة الانتقالية» (كمرادف للحكومة المؤقتة أو غيرها من المصطلحات)، من البنود المطلوبة لجنيف2 دون سواه إنما يعني مسألة واحدة لا غير: رهن المرحلة الانتقالية للتدخل الخارجي والعنف، أي إطالة أمد تدويل الأزمة السورية، وزيادة أكلافها بشرياً، واقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً وعسكرياً على حساب الجيش العربي السوري، وإن فتح باب التمثيل السياسي السوري، موالاة ومعارضة، هو ضمانة لتثبيت تلك الغايات من جنيف، انسجاماً مع إرادة الشعب السوري، وإن التعنت بالتوجه عكس ذلك سيودي إلى نتائج كارثية مغايرة.