السباق إلى الحل
يجري هذه الأيام سباق غير مسبوق على طريق الحل السياسي للأزمة السورية، على أكثر من مسار، وفي أكثر من اتجاه.
فمن تحديد موعد جولة جديدة من مفاوضات استانا، لتثبيت مناطق خفض التصعيد، مع احتمال أن يشمل جدول الأعمال قضية المعتقلين، إلى الإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي لمجلس الأمن، يوم أمس، وأجواء التفاؤل التي تخللتها، والرسائل التي تضمنتها، وتحديد توقيت جولة جديدة من مفاوضات جنيف، إلى التحضيرات الجارية لعقد رياض 2، إلى «المؤتمر الشعبي السوري»، المزمع عقده في قاعدة «حميميم» العسكرية، كلها وقائع ملموسة، تؤكد على أن زخم دفع مسار الحل السياسي إلى الأمام يقوى أكثر فأكثر، فمن السباق الى «الحسم أو الإسقاط» كما كان المشهد خلال السنوات السابقة، إلى السباق نحو الحل السياسي، كما هو المشهد الأن، ولا أحد يتجرأ أن يبقى خارج دائرة الحل، والكل يسعى أن يكون له موقع على طاولة التفاوض، لأنه بات شرطاً لابد منه للبقاء ضمن خريطة القوى السياسية.
إن هذه الجهود المتزامنة، والمتسارعة، التي تساهم فيها كل القوى بغض النظر عن تناقضاتها، ورؤيتها للحل، وبغض النظر عن نتائجها المباشرة، إلا أنها تؤكد انتصار حقيقة هامة، طالما تنكر لها الكثيرون، وهي، أن خيار الحل السياسي ينتصر على غيره من الخيارات، وأن مواقع قوى الحل السياسي، تتعزز أكثر فأكثر، وإن قوى الإعاقة في كل المواقع تتجه إلى المزيد من العزلة، وإن من توهم بأنه بالإمكان التنصل من هذا الاستحقاق بشكل مباشر، بات في موقع لا يحسد عليه، وهي في الوقت نفسه، رسالة واضحة لمن يحاول الالتفاف على الحل، وتمييعه، وإفراغه من محتواه، وغاياته، وما زال يمني النفس بالقدرة على إيجاد ذرائع جديدة، بعد أن تساقطت ذرائع الجميع الواحد تلو الآخر.
تأتي هذه الأحداث المتسارعة، في قضية شائكة ومعقدة بمستوى الأزمة السورية، تتويجاً لجهود القوى الدولية الصاعدة، وازدياد وزنها، وخياراتها في إطفاء بؤر التوتر، والالتزام بالقانون الدولي، ومن هنا، فإن الشرط الأول لنجاحها، يكمن في البناء على ما تم إنجازه سابقاً على طريق الحل، أي ضرورة التعاطي مع هذه الأحداث من موقع دعم مسار جنيف، وخريطة الطريق المعتمدة للحل، أي القرار 2254، والثوابت التي يتضمنها القرار، بدءاً من الحفاظ على وحدة سورية، ومروراً بإيقاف الكارثة الإنسانية ومحاربة الإرهاب، والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، فلا بديل عن مسار جنيف، ولا معنى لأي مؤتمر، أو جهد، أو نشاط دولي، أو سوري، إلا بما يخدم تنفيذ هذا القرار، ويتوافق معه، ويكون داعماً له، باعتباره يؤمن الشروط الضرورية الكافية التي تؤدي إلى انطلاق قطار التسوية السياسية للازمة السورية، و باعتباره محل توافق دولي وإقليمي، ومعبراً عن المصالح الحقيقية للشعب السوري.