افتتاحية قاسيون 679: في مواجهة مخططات التفتيت..!
تعمل «واشنطن» بشكل ممنهج على رفع مستمر لسوية التصعيد والتفجير في مختلف المناطق المشتعلة على المستوى العالمي، كما تشتغل على توسيع متواتر لنقاط الاشتعال. يبرز في هذا السياق ارتفاع توتر الأوضاع مؤخراً في كل من لبنان واليمن وليبيا وأوكرانيا تزامناً مع محاولات تعقيد الملف المصري وغيره من الملفات.
وإذا كانت السياسة الأمريكية العامة تضع هدفاً أساسياً أمامها الخروج من الأزمة البنيوية العميقة التي تعيشها بما يسمح لها بالاستمرار كشرطي عالمي، وكناهب أساسي لشعوب العالم، أو على الأقل بوصفها القوة العالمية الأولى، بما يعني منع ظهور التوازن الدولي الجديد والعمل على كسره، فإنّها تنفذ تلك السياسة بأداتين أساسيتين:
الأولى، هي تنفيذ أكبر قدر ممكن من الحروب البينية والداخلية على تخوم المنافسين، وداخل بلدانهم إن أمكن، وفي الدول ذات المواقع المفصلية جيوسياسياً. وتعمل واشنطن في هذا الإطار على استدراج المنافسين إلى التورط في أتون تلك الحروب بشكل مباشر بحيث يجري استنزافهم وإنهاكهم، أما هي فتتدخل بشكل مباشر جزئياً فقط، وحيث تدعو الضرورة القصوى، بما يخفض التكاليف عليها، أساساً، وعلى حلفائها، بالدرجة الثانية، إلى الحد الأدنى.
الثانية، هي الرفع المصطنع في مستوى الترابط بين جميع الملفات المحلية والإقليمية بعضها ببعض، بحيث تغذي إحداها نيران الأخرى، بما يمنع إحداث خرق لحالة الحريق في أي من المناطق المستهدفة، لأن عمق الأزمة الأمريكية وحساسية التوازن الدولي الجديد يجعلان من أي انفراج جزئي لأي من الأزمات المنتشرة على امتداد العالم «نموذجاً خطراً» قابلاً للتعميم، ما يهدد بانفراط العقد وظهور الترجمات السياسية والاقتصادية للتوازن الدولي الجديد، الذي لن تكون واشنطن «سيدة العالم» فيه، بأي حال من الأحوال.
إنّ الاستهداف الأبعد من عملية التصعيد المستمرة، هو الوصول بالدول المشتعلة إلى حالة من الإنهاك والضعف الشديدين، بحيث لا تبقى هذه الدول قوىً جدّية، لا بمعنى الجيوش، ولا بمعنى الإمكانات الاقتصادية، القادرة على إعاقة «المشيئة» التفتيتية الأمريكية.
وبإعادة رسم الخرائط العالمية مجدداً، بتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، تكون «واشنطن» قد سارت خطوة كبيرة في حربها ضد المنافسين، وضد التوازن الدولي الجديد.
وفي السياق الأمريكي ذاته، فإنّ أخطر ما في التصعيد الراهن هو محاولة واشنطن الوصول بالوضع الإقليمي في منطقتنا إلى نقطة اللاعودة، في هدف التفتيت والتقسيم. وفيما يتعلق بسورية بهذا الإطار، وإلى جانب دور حلفاء دمشق ضمن ميزان القوى الدولي الجديد المتشكل الساعين لإطفاء بؤر التوتر والحفاظ على سيادة الدول، فإن أحد معيقات الوصول إلى هذا الهدف المنشود أمريكياً هو استمرار وجود جهاز الدولة، ولذلك تحاول الولايات المتحدة تكسير هذه المقومات ورفع درجات الاستنزاف والإنهاك والتوتير إلى عتبات غير مسبوقة تهيئ الأجواء لتنفيذ الخرائط الأمريكية الجديدة للمنطقة ككل. وإنّ سياسة واشنطن هذه توفر خلاصاً افتراضياً لقوى الفساد الكبير وتجار الحروب الذين لم يعد لديهم ما يقولونه للناس، والذين سبق للتاريخ السوري أن فضح مواقف القوى الرجعية من طرازهم أيام سايكس- بيكو وأيام المعارك ضد الاحتلال الفرنسي.
إنّ عداءً ثابتاً صلباً لواشنطن وللصهيونية العالمية ولأداتهم الداعشية يعني بلغة اليوم، إجبار هؤلاء على العودة إلى مجلس الأمن والشرعية الدولية ليس بشكلها الحقوقي أو الأخلاقي وإنما بشكلها الواقعي المستند إلى التوازن الدولي الجديد، عبر العمل الحثيث والجاد لوقف استنزاف سورية والشعب السوري بتوحيد صفوف كل الوطنيين السوريين على الأساس الوطني الجامع، الأمر الذي لا طريق إليه إلّا بالحل السياسي الشامل.
بذلك، فإنّ من واجب الوطنيين السوريين العمل من أجل الحل السياسي الحقيقي الذي يرتكز إلى وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق عملية سياسية جدية، وحشد كل الجهود باتجاهه درءاً لمخاطر التفتيت والتقسيم، وصيانةً للشعب السوري ولدولته.