قائدة في وحدات حماية الشعب الكردي: نحن سوريون قبل أن نكون أكراداً
لا قيمة للحياة بالنسبة إلى ميسا عبدو إذا كان الوطن محتلا. النضال واجب على كل الأكراد النساء منهم قبل الرجال. «المعركة فرضت علينا ولن نقف مكتوفي الأيدي ونبقى في المنزل ننتظر أن يدافع عنا إخوتنا أو أزواجنا».
بهذه الكلمات تعبر القائدة في وحدات حماية الشعب التي تتبع إليها وحدات حماية المرأة، مؤكدة أن المقاتلات في مدينة كوباني السورية قرب الحدود التركية «يتسابقن لنيل شرف شهادة سناء محيدلي»، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط» «المرأة الكردية لا تقل وطنية عن النساء العربيات وعلى رأسهن الفلسطينيات، ونحن لا نحارب باسم القومية أو العرقية بل دفاعا عن الإنسانية في وجه عدو مشترك وحد بين العربي والكردي والتركي».
ومحيدلي هي الفتاة اللبنانية، ابنة الجنوب التي نفذت عام 1985 عملية انتحارية بتجمع لآليات الجيش الإسرائيلي في منطقة جزين وأدت حينها إلى مقتل وإصابة عشرات الجنود.
مع العلم أنه وقبل نحو أسبوع كانت قد تحولت المقاتلة الكردية آرين ميركان التي نفذت عملية انتحارية في تجمع لمقاتلي «داعش» في مشتى نور في كوباني، إلى أيقونة للمرأة الكردية المقاتلة، وهي بعملها، ألقت الضوء على هؤلاء النساء اللواتي يقفن على الجبهات جنبا إلى جنب مع الرجال ويتلقين التدريبات نفسها.
وتقود عبدو، التي تعرف أيضا باسمها الحركي نارين عفرين، إلى جانب مقاتل آخر القوات الكردية التي تدافع عن كوباني. وفي حين تشير إلى أن شراسة المعارك قد لا تسمح بالحصول على أرقام دقيقة حول عدد المقاتلات اللواتي قتلن على الجبهة، تلفت إلى أنه بات مؤكدا مقتل 30 امرأة خلال 25 يوما، منذ بدء معركة كوباني.
«الرجل والمرأة متساويان على جبهة القتال كما في التدريبات على كل أنواع الأسلحة الثقيلة منها كما الفردية والمتوسطة»، تقول ميسا، مؤكدة أن الرصاصة التي تطلقها المرأة ترعب مقاتلي «داعش» أكثر من تلك التي يطلقها الرجل، مستندة في كلامها إلى الاعتقاد لدى التنظيم بأن قتالهم النساء قد يودي بهم إلى جهنم بدل الجنة. وهنا تؤكد «لا أجد مشكلة في التعامل وإعطاء التعليمات للرفاق المقاتلين الرجال كما النساء، وهو الأمر نفسه بالنسبة إليهم جميعا. كلنا في خندق واحد ونعمل لهدف واحد».
ترفض ميسا مجرد التفكير بأن كوباني ستسقط، وتقول «حياتنا مقابل بلدنا. يكاد يكون في كل بيت كردي شهيد قتل دفاعا عن أرضه، ودماء هؤلاء لم ولن تذهب هدرا».
بحماسة وبلغة عربية متقطعة تشدد عبدو على «أن الإرادة والروح الفدائية التي تتمتع بها المرأة الكردية ناتجة عن معاناتها طوال سنوات عدة»، مشيرة في الوقت عينه إلى المجتمع الكردي المحافظ في تربيته للمرأة وهو الأمر الذي يؤكد، وفق ما تقول، على أن «الكرامة هي أهم ما نملكه»، مضيفة «كرامتنا هي في المحافظة على أرضنا والدفاع عنها حتى آخر نقطة دم».
حملت ميسا، وهي الناشطة الاجتماعية والسياسية قبل أن تنخرط في العمل العسكري، السلاح للمرة الأولى قبل نحو سنة وشهرين في المواجهات التي حصلت بين الأكراد وقوات النظام. تقاتل في الخطوط الأمامية دفاعا عن كوباني إلى جانب إخوتها وأقربائها. في المعركة لا فرق بين المرأة والرجل. الجميع تلقى التدريب اللازم ليقوم بدوره ويكون على قدر المسؤولية التي أوكلت إليه. بعض الأمهات تركن أطفالهن وقررن القتال. بعضهن في سن يفترض أنهن يفكرن بالزواج والارتباط تخلين عن هذا الحلم لصالح حلم الحرية. وهو الوضع الذي ينطبق على ميسا، الفتاة الثلاثينية التي تعتبر أن كوباني وحدت الإرادة ومن شأنها أن توحد المصير، مضيفة: «نحن سوريون قبل أن نكون أكرادا وما نصبو إليه هو أن تكون سوريا حرة ديمقراطية». وتشير هنا إلى أن عدد المقاتلات اللواتي يقاتلن في الجبهات الأمامية في كوباني يبلغ نحو 500 امرأة فيما هناك عدد مماثل في مخيمات التدريب، لافتة إلى أن عدد النساء الكرديات في وحدات حماية المرأة في المناطق الكردية بسوريا يتجاوز 5 آلاف.
وقد تأسست وحدات حماية المرأة في منتصف عام 2012، وأصدرت حينها بيانا أكدت فيه أن «مقاتلاتها قاومن في الخنادق الأمامية بشجاعة بدءا من عفرين وإلى حلب وكوباني والجزيرة، ليكسرن النظرة التي كانت تحط من إمكانية المرأة في النضال». وقال إن «العناصر النسائية الكردية صدت هجمات القوى التكفيرية وأثبتت أن المرأة الكردية وصلت إلى مستوى عال من الوعي والقدرة التي تؤهلها لقيادة المجتمع على كل الأصعدة وقيادة الحرب بمسؤولية عالية وفي كل الجبهات».
ويتكون المجلس العسكري لوحدات المرأة من 31 مقاتلة، ميسا عبدو واحدة منهم، فيما تتكون القيادة العامة من 3 إلى 5 أعضاء، كما وتتشكل الوحدات من ثلاثة أقسام هي: القوات المحترفة والوحدات المقاومة والقوات المحلية. مع العلم، أنه ووفقا للنظام الداخلي يجب أن تبلغ الكوتة النسائية في وحدات حماية الشعب على الأقل 40 في المائة، وهو ما ينطبق على وحدة حماية المرأة، التي يتجاوز عدد المقاتلات فيها هذه النسبة وفق ما أكده مصدر في حزب الاتحاد الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط». وتشير عبدو إلى أن النظام يمنع انتساب الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 18 سنة إلى الوحدات للقتال، لافتة في الوقت عينه إلى أن هناك مئات الطلبات لمن هن لم يبلغن هذه السن بعد، موضحة أن هؤلاء يخضعن لدورات تثقيف سياسي وعسكري وتدريبات على حماية أنفسهن، إلى أن يصبحن جاهزات في السن المناسبة لدخول المعركة إذا تطلب الأمر ذلك.
بيروت: كارولين عاكوم
المصدر: الشرق الأوسط