العجز عن التأقلم وأزمة انقراض الجنس البشري
مروى صعب مروى صعب

العجز عن التأقلم وأزمة انقراض الجنس البشري

تَطَوُر الإنسان إلى وضعه الحالي: هو نتيجة ملايين السنين التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. هذا التطور حافظ على قواعده التي وضعتها الطبيعة في كيفية البقاء على قيد الحياة. والتي تتمثل بتأقلم الكائنات مع المحيط والحفاظ عليه للاستمرارية. وفي المجتمع الإنساني انتقل التطور من جيل إلى جيل، إما بيولوجياً: عبر انتقال الجينات، أو اجتماعياً عبر تغير أسلوب الحياة التي تمثّلها التربية والتعليم والتكنولوجيا في الحياة اليومية.

ولكن مع تطور البنى الاجتماعية والاقتصادية، وسيطرة الرأسمالية على السياسة العالمية واستغلالها للطبيعة وتغييرها أسلوب الحياة، أدخلت على الطبيعة تغييرات أثرت وتؤثر على تطور الإنسان. ولكون جانب من هذا التطور هو عبارة عن انتقال الجينات من جيل إلى جيل، والتي لا تنتقل بشكل متطابق بل متشابكة ومتغيرة، وهي تتعدل عبر ما يسمى: بالطفرات الجينية نتيجة للتغيرات في أسلوب الحياة. فإن إدخال عنصرٍ جديدٍ بشكل حاد وسريع و«صادم» على الحياة اليومية، يؤدي إلى إدخال عناصر حركية أو نفسية جديدة على الإنسان، وبالتالي تدفع عملاً بمبدأ التأقلم إلى تغيير في تركيبة الجينات لكي تتأقلم مع الجديد. وتلك التي لا تستطيع التأقلم تؤدي إلى دمارها أو إلى التخثر، مثل: حالة السرطانات.
وهذا التأقلم أو التطور يتأثر بالعديد من التأثيرات التي أُدخلت على المجتمع مقارنة مع المراحل التاريخية السابقة. وبنظرة سريعة على الوضع العالمي الحالي نجد: أن الدول، إما في حالة حرب، أو في حالة أزمة اقتصادية أو الاثنين معاً، خصوصاً أن هذه الملامح ممتدة مع الزمن وطويلة. ما رفع نسبة التخبط في الحاضر وعدم معرفة المستقبل، ونتج عنه تطرف في أسلوب الحياة، إما في ارتفاع نسبة التعصب، أو في ارتفاع النمط الليبرالي في الحياة. فرص العمل تقل تدريجياً مع الوقت. هذا نتج عنه تراجع في الخدمات المعيشية البسيطة، مثل: المسكن والملبس والتعليم، وحتى لو أن نسبة التعليم ترتفع، لكن نسبة العمل بعد التخرج تقل. ونتج عنه أيضاً ارتفاع في الفقر أو تراجع في أسلوب الحياة، لكون الغاية من الحياة تغيّرت من: الطموح للعيش، في حياة أفضل، إلى: القدرة على العيش فقط. التغير في المناخ أثر على الزراعة مما أدى إلى خسارة العديد لعملهم. وبالتالي على هؤلاء إيجاد مصدر آخر للعمل أو للعيش فاكتظت المدن واكتظت العشوائيات. كما أنه أثر على العديد من الكائنات مما أثر على بعض المأكولات وعلى النظام الإيكولوجي بالاجمال. وأثر على طريقة الأكل أو العيش اليومية، فمثلاً: تغير أسلوب الغذاء مع السابق مع استخدام الأكل السريع أو الأكل الأقل تكلفة، أي: انحدار نوعية الغذاء.
عدم القدرة على السيطرة على الحاضر، أو معرفة المستقبل، أدى إلى ارتفاع في نسبة التوتر والاكتئاب والقلق، وهذا سينتج طفرات في الجينات بالترافق مع الأمراض النفسية والجسدية. وهذا أيضاً ما يدفع العِلم إلى إيجاد طرق لتمويه الصراع والمشكلة كالتركيز مثلاً على دور الطاقة الداخلة، أو التفكير الإيجابي وممارسة التأمل، وقدرة الإنسان على تخفيف التوتر فردياً. أو ضرورة اكتساب مهارات معينة لإيجاد عمل، أو اعتبار أن الإنسان هو من لا يريد أن يعمل، بدل الاعتبار أنه لا توجد فرص عمل. بالإضافة إلى الإيحاء برفع نوعية المتخرجين، التي تفشل إلى الآن، لكون المشكلة ليست في قدرة المتخرجين نفسها، بل في النظام التعليمي وانغلاق أفقه وأساليبه.
أي، بمعنى آخر: إن جميع مخارج الأزمة منغلقة اليوم، إما في الأزمة الاقتصادية أو عبر الوضع الاجتماعي المتفكك أو في الحروب المدمرة، حتى انغلاق إمكانية الهجرة (الهرب) إلى مكان آخر أيضاً. وهذا ما يؤثر بشكل كبير على الوضع الصحي والنفسي عند البشر باختلاف تردي وضعهم. وهذا ما يؤدي أيضاً إلى تغيّر في التركيبة الجينية وارتفاع الطفرات بشكل أسرع من قدرة الإنسان على التأقلم. وأزمة عدم التأقلم تلك التي لا «تجد الوقت» لكي تنعكس في الطفرات فهي تنعكس من خلال الأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية دون القدرة على السيطرة عليها و«علاجها»، لكون أساس تكونها هو الوضع المعيشي، وعدم القدرة على السيطرة على الحاضر. فتجاوز هذه الأمراض هو عبر بالخروج من السبب الذي أدى إليها، والذي حتى لو بدأنا به اليوم سيحتاج إلى سنين لكي يتم حله. والاحتمال الأصعب، أنه: سينتج العديد من المشاكل الجديدة ضمن أفق دمار الحياة، إذا كانت عجلة التغيير لم تكن بسرعة التدمير الحاصل. وهذا سيحتاج إلى مهجودٍ جماعي عالمي لتخطي ما وصلنا إليه اليوم من انغلاق في أفق الحياة. خالقاً ظرفاً ضرورياً أمام القوى الحية في العالم لكي تعمّق من تعاونها في عملية تجاوزٍ معقدة للنظام الرأسمالي نفسه، وإلا فنحن أمام مرحلة انقراض الجنس البشري، ومعه قسم كبير من الوجود الحيواني والنباتي على الأرض.

معلومات إضافية

العدد رقم:
915