«ظواهر مدهشة»: العام الأعلى تعاسة!
عام 2017 هو العام الأعلى تعاسة منذ أكثر من قرن. هذا ما أظهرته نتائج تقرير gallup global emotions report، الذي أحصى 154,000 شخص من أكثر من 145 دولة حول العالم. بحسب التقرير ارتفعت نسبة الشعور بالقلق أو الضغط 2% عن العام الماضي ما أدى إلى ارتفاع المشاعر السلبية، الحزن، والأوجاع الجسدية ب1%. بينما حافظ شعور الغضب على النسبة ذاتها من السنة السابقة (2016) ب20% من النسبة الإجمالية للعيّنة. تفأوتت النسب بين البلدان، كان للبلدان التي تعيش اضطراباً سياسياً منسوب أعلى للمشاعر السلبية من تلك التي تتمتع باستقرار ما.
وكان العراق الأول من حيث أعلى معدل للمشاعر السلبية للسنة الرابعة على التوالي، أما جمهورية إفريقيا الوسطى فقد سجلت أعلى ارتفاع في معدل المشاعر السلبية للسنة السابقة. يتابع التقرير أن النتائج تعكس أزمات الدول، حيث إن 28 من أصل 30 دولة في جنوب صحراء إفريقيا سجلوا في ال2016 انخفاضاً بعشر نقاط في المشاعر الإيجابية عن عام 2010. بينما حافظت دول أمريكا اللاتينية على نسب مرتفعة من المشاعر الإيجابية مقارنة مع دول أخرى، والتي بحسب التقرير تعكس ثقافة تلك البلدان التي ترنو إلى الإيجابية في علاقاتها.
المصدر المعِدّ للتقرير، هو: شركة تعمل في تحليل البيانات، وقد قامت بهذا التقرير للسنة الرابعة على التوالي لكي تعكس للحكومات الوضع الاجتماعي لشعوبها، ربما لأن وضع الشعوب بحاجة إلى شركات لكي تظهره! يؤكد التقرير: أنّ ارتفاع المشاعر السلبية والتغير فيه يأتي نتيجة التغير في الأحداث السياسية في العالم، وفي البلدان الأكثر ارتفاعاً بالتحديد، وفي ارتفاع الإرهاب والحروب وعدم الاستقرار المالي في العالم. وحتى لو تبرر الحفاظ على المشاعر الإيجابية في أمريكا اللاتينية بالثقافة الموجودة، يرفق التبرير بإيضاح أنّ الثقافة يمكن أن تلعب دوراً ولكنها محدودة القدرة.
بين الثقافة والواقع
يفسر علم النفس المشاعر على أنها تفاعل مع المحيط، فتدخل الثقافة والتربية والعادات وأساليب الحياة لتعكس أفضلية مشاعر معينة، ولتكبت أخرى. وأن هذه المشاعر تتراكم مع الوقت وتلجأ إلى الأحداث السابقة في تقييم الشعور الحالي، أي: أن ردة الفعل في كل لحظة مرتبطة بمحصلة التجربة، وبتقييم حوادث سابقة مشابهة. في المرحلة الحالية، راكمت التجربة مشاعر معينة وعادات وأساليب حياة مشوّهة إلى حد كبير في التعامل مع الآخرين، ولعبت التربية والوعي الفردانيين وضرورة عيش الحلم الأمريكي دورها في دمج هذه المشاعر في ردات فعل الإنسان الآنية. فأصبح تقييم «أي شعور يجب أن نشعر به في اللحظة الحالية» يقيَّم على أساس ما اكتسب وما عجز عنه الفرد خلال الفترة الماضية ومحوره القدرة على تحقيق قيمة الفرد، وتحقيق الأحلام التي ضخها النظام من خلاله الثقافة والتعليم والتربية والإعلام وإلخ... فيصطدم التقييم وردة الفعل الناتجة عنه بالواقع الذي لا يسمح بالتحقق هذا، والذي على العكس يغيٍّب الأفراد عن دورهم وعلاقتهم المنتِجة بمحيطهم. فتأتي الانتكاسة المنفجرة المعبرة عن تراكم سلبي طويل من خلال ردة فعل طبيعية وصادقة، والتي يعود ليحدّها أيضاً النظام بضخ دعائي جديد، وتشويه في التعبير عنها وحرف تجاهها، وذلك لمحدودية قدرة الفرد بذاته على ترجمتها والوصول إلى غايته بمعزل عن المحيط والواقع والآخرين المأزومين أنفسهم، فتصير اضطراباً جسدياً أو نفسياً- عقلياً أو تطرفاً أو انفكاكاً أعمق عن الواقع.
ظواهر مدهشة
في حلقة مسلسل «ضيعة ضايعة» بعنوان «ظواهر مدهشة» يصاب أهل القرية بالاكتئاب، وبعد محاولات فاشلة بفرض الفرح عليهم تلجأ السلطات إلى الأدوية التي تفرحهم لمدة زمنية معينة، ليعودوا إلى الاكتئاب مجدداً. يعمل النظام الرأسمالي بطريقة مشابهة إلى حد التطابق، بفرضه على الشعوب كيفية الوصول إلى السعادة من خلال تحقيق الذات بالسبل المتاحة والثراء والشهرة، وأنّ ذلك كله سيترافق مع الشعور بالتّملك في الحياة على طريقة فيلم الباخرة تايتنك:» أنا ملك العالم». طريقة العيش هذه تُفرض عليهم من خلال التهميش في بنية الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، ليصطدموا بالاغتراب كحدود للممارسة. حال الشعب كحال قاطني ضيعة أسعد وجودي، إسعادهم يكون لا من خلال العقاقير والفرح الآني الوهمي أو المؤجل، بل من خلال كونهم مالكي مصيرهم وبنائين فاعلين فيه، لا مجرد متفرجين متألّمين.