شركات التأمين ترفض تغطية سرطان الهواتف المحمولة
جاء في مقال نشرته مؤخراً صحيفة الغارديان بعنوان «الحقيقة المزعجة حول السرطان والهواتف المحمولة»: «خلصت مراجعة التقارير العلمية لدراسة الحكومة الأمريكية إلى وجود» دليل واضح «على أن الإشعاعات الصادرة عن الهواتف النقالة تسبب السرطان».
ترجمة جيهان دياب
ذهب المقال ليقول :
«على مدى ربع قرن الآن، قامت الصناعة بتنظيم حملة دعائية عالمية تهدف إلى تضليل كل من الصحفيين والمستهلكين وصانعي السياسات حول الحقيقة الفعلية المتعلقة بإشعاع الهاتف المحمول. وبالفعل، استعانت الشبكات اللاسلكية الضخمة بالإستراتيجية والتكتيكات نفسها التي استخدمتها صناعة التبغ الكبرى وصناعة النفط الكبرى لتتفنن في خداع الرأي العام بشأن مخاطر التدخين وتغير المناخ. ومثل نظرائهم من صناعتي التبغ والنفط، كذب المدراء التنفيذيون في الصناعة اللاسلكية على الجمهور حتى بعد أن حذر علماؤهم بشكل خاص من أن منتجاتهم قد تكون خطيرة، خاصة على الأطفال.
تبدو صحيفة الغارديان، على الأقل في هذا المقال، متفاجئة بالتضليل. رغم أن صحيفة الأوبزيرفر، وهي صحيفة شقيقة لصحيفة الغارديان، نشرت مقالاً في عام 1999 ورد فيه: «ترفض شركة لويدز تأمين شركات تصنيع الهواتف المحمولة من خطر الإضرار بصحة المستخدمين.»
كانت هذه المقالة واضحة لا لبس فيها. إذ أن شركات التأمين لديها: «مخاوف من أن تكون الهواتف المحمولة مرتبطة بأمراض، مثل: السرطان ومرض الزهايمر». قبل عشرين عاماً، كانت الصناعة تعرف بالفعل أن أساليب أعمالها تشكل خطراً على عامة الناس، خاصة وأن شركات التأمين كانت ترفض بالفعل تغطية أخطارها.
«عبر السوق»
لا تغطي شركة لويدز أوف لندن للتأمين الأخطار الناتجة عن الهواتف الذكية- WiFi- العدادات الذكية- أبراج الهواتف المحمولة، وذلك باستبعاد جميع مخاطر الإشعاع اللاسلكي.
تحتوي سياسة تجديد التأمين التجاري على بند استبعاد المسؤولية الخاص حول المجالات الكهرومغناطيسية حيث أنها تستثني أي تعويض عن المطالبات المتعلقة بما يلي:
«الضرر الناتج بشكل مباشر أو غير مباشر عن المجالات الكهرومغناطيسية أو الإشعاعات الكهرومغناطيسية أو موجات الراديو أو الضوضاء أو تساهم فيها».
وتم توضيح لغة الاستبعاد عندما أرسلت شركة التأمين CFC ما يلي:
«استبعاد الحقول الكهرومغناطيسية هو استثناء عام للتأمين ويتم تطبيقه في السوق كمعيار قياسي. والغرض من الاستبعاد هو استبعاد تغطية التأمين عن الأمراض الناجمة عن التعرض المستمر للإشعاع غير المؤين الطويل الأجل، أي: من خلال استخدام الهاتف المحمول. «
إن الكلمات المهمة المستخدمة هناك واضحة تماماً: «تُطبق عبر السوق». وقد قامت جميع شركات التأمين الرئيسة بتحليل المخاطر المحتملة ولم تكن مستعدة لتأمين هذه الصناعة بناءً على الادعاءات الناشئة عن التعرض للإشعاع.
ومن المثير للاهتمام أيضاً: أن هذا يشمل أيضاً استخدام الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من العدادات الذكية ومن أجهزة الشبكة المنزلية (بما في ذلك منظمات الحرارة) وأجهزة إرسال Wi-Fi والأجهزة اللاسلكية في المدارس والمكاتب والمنازل، وأجهزة الاستشعار اللاسلكية وأجهزة الإنذار المتصلة لاسلكياً.
مثل أزمة «ديزيلجيت»
بدأت فضيحة انبعاثات فولكسفاغن في عام 2015عندما أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية إشعاراً بانتهاك قانون الهواء النظيف لمجموعة فولكسفاغن. ووجدت الوكالة أن فولكسفاغن قامت ببرمجة محركات الديزل عن قصد لتنشيط التحكم في الانبعاثات فقط أثناء اختبار الانبعاثات المختبرية، الأمر الذي تسبب في أن أكاسيد النيتروجين التي تصدر عن السيارات تفي بالمعايير الأمريكية خلال الاختبارات التنظيمية. ولكنها، كانت تصدر ما يزيد عن 40 ضعفاً من أكاسيد النيتروجين في ظروف القيادة الحقيقية. نشرت فولكسفاغن برمجة هذا البرنامج في حوالي 11 مليون سيارة في جميع أنحاء العالم في السنوات من عام 2009 حتى عام 2015.
وقد أظهرت الأبحاث الواضحة بالفعل أن عشرات الآلاف من الناس يموتون في وقت مبكر بسبب فشل المركبات التي تعمل بالديزل في تلبية القيود الرسمية في ظروف القيادة الحقيقية.
اتسعت أزمة «ديزلجيت» إلى الشركات المصنعة الأخرى منذ ذلك الحين، وكان لها العديد من التأثيرات الأخرى. على سبيل المثال: وصلت صناعة السيارات في بريطانيا إلى حافة أزمة حقيقية، حيث تم إقصاء آلاف الوظائف الصناعية، وهدد الوكلاء في جميع أنحاء البلاد بإعادة الهيكلة. يواجه القطاع بعض المعارك التشغيلية الشديدة على عدة جبهات- مالية وبيئية وتنظيمية نتيجة لذلك. وتدل ذلك على المخاطر (غير القانونية) التي تتعرض لها صحة ومصالح الشعوب في سعي الشركات وراء الأموال.
تحذيرات وأجراس إنذار
أبلغت شركات الهاتف المحمول، بما فيها بلاكبيري ونوكيا وفودافون وشركة EE، المستثمرين مؤخراً أنهم قد يواجهون أشكالاً جديدة من الإجراءات القانونية من قبل مستخدمي الأجهزة إذا وجدت الأبحاث في نهاية المطاف علاقة بين منتجاتهم والحالات الصحية مثل: السرطان. وهذا ما تؤكده شركة بريتيش تيليكوم، التي تمتلك EE، والتي تخبر مستثمريها في تقريرها السنوي لعام 2017:
«لا يمكننا تقديم تأكيد مطلق بأن الأبحاث في المستقبل لن تنشئ روابط بين انبعاثات الترددات الراديوية والمخاطر الصحية».
ومثلما هو الحال مع فضائح الشركات الكبرى الأخرى مثل: التبغ والأدوية والإسبستوس وديزلجيت- فإنها لا تزال تحذر المستخدمين بوضوح من المخاطر المحتملة لأضرار استخدام منتجاتها في إعلاناتها والتعبئة والتغليف
بدأت أجراس التنبيه لهذه الصناعة تدق. في أيار من هذا العام، يُعتقد أن نيل ويتفيلد، البالغ من العمر 60 عاماً، هو الأول في بريطانيا الذي يقاضي شركة نوكيا لتسببها في ورم في الدماغ بحجم كرة الجولف مما جعله يفقد السمع في إحدى أذنيه.
على مدى ثلاثة عقود، تم تقديم عشرات الحالات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، متعلقة بأورام الدماغ واستخدام الهواتف المحمولة. وبدأت القضايا تتراكم في السنوات العشر الأخيرة. وقد وقفت العديد من المحاكم، لا سيما في أمريكا، مع هذه الصناعة على أساس عدم وجود أدلة. ولكن في الآونة الأخيرة يتم كسب بعض القضايا لنفس الأسباب بالضبط. في الولايات المتحدة، هناك 13 حالة جارية تدّعي أن إشعاعات الهاتف المحمول أدت إلى سرطان دماغي شمل 46 متهماً من بينهم موتورولا ونوكيا وفودافون وفيريزون وغيرها.
اتفاق دولي
في عام 2015، وقع أكثر من 200 عالم من 41 دولة، وجميعهم متخصصون في تأثيرات المجالات الكهرومغناطيسية على الأنظمة البيولوجية، نداءً إلى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية يدعو إلى المزيد من حدود التعرض للحماية.
في أيلول 2017، وقع أكثر من 180 عالماً من 35 بلداً نداءً موجهاً إلى الاتحاد الأوروبي يدعو إلى وقف اختياري لتكنولوجيا الجيل الخامس إلى أن يتم التحقيق في الأخطار المحتملة على الصحة البشرية والبيئة من قبل علماء مستقلين عن صناعة الهواتف المحمولة. وأشاروا إلى أن الجيل الخامس «سيزيد بشكل كبير من التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية للترددات الراديوية للجيل الثاني والثالث والرابع والـ Wi-Fi وإلخ للاتصالات القائمة بالفعل».
هذا النداء لم يأت بنتيجة مع الانتشار الهائل الحالي لعدادات الغاز والكهرباء الذكية في المملكة المتحدة والنشر المتوقع لـ 5G. حيث لم يتخذ أحد على مستوى الصناعة أو صناع القرار في الحكومة البريطانية أية خطوة جراء التحذيرات المتزايدة باستمرار. ومع ذلك، قد تتفاجأ إذا عرفت أنه منذ عام 2005، أوصى كبار المسؤولين الطبيين في المملكة المتحدة بأن أي شخص يقل عمره عن 16 عاماً يجب أن يستخدم الهواتف المحمولة للأغراض الأساسية فقط وأن تكون جميع المكالمات قصيرة. هذه النصيحة لم تتغير بعد.
من المقرر طرح أول هاتف ذكي من الفئة 5G في وقت لاحق من هذا العام بغض النظر عن المخاطر المعروفة للتعرض الإلزامي المفروض على عامة الناس لها.