وجدتها تاريخ الطبيعة وتاريخ الإنسانية!
يمكن أن نرى في كتابات ماركس المبكرة وفي روائعه، أن الطبيعة تكمن في صميم فهمه للعالم، من خلال أسلوبه الديالكتيكي.
على سبيل المثال: يميل مفهوم البيئة إلى وضع البشر في المركز، مع وضع الطبيعة في المحيط الخارجي. ينتقد العديد من نشطاء البيئة هذا المفهوم بحجة أنه يضع البشر والطبيعة على أقطاب معاكسة، وينكر وحدتهم. في الواقع، يمكن العثور على بعض جوانب هذا النقد المعاصر تجاه مفهوم البيئة في الأعمال المبكرة لماركس، حيث يستكشف المنهج الصحيح لعرض الوحدة الجدلية للبشر والطبيعة. في مخطوطاته التي ترجع إلى عام 1844، يجادل ماركس بأن الطبيعة متأصلة في جسم الإنسان، وأن البشر عليهم إقامة حوار مستمر مع هذه الطبيعة من أجل البقاء. في «الأيديولوجية الألمانية»، يقترح أن تاريخ الطبيعة وتاريخ الإنسانية لا يمكن فصلهما ويتطلبان تصورهما ككل متكامل.
في مؤلفه «رأس المال»، يستخدم ماركس مفهوم الاستقلاب أثناء تحليل العلاقة بين البشر والطبيعة في ظل ظروف الزراعة الرأسمالية وإيجار الأراضي، وينظر إلى عملية العمل باعتبارها القوة الدافعة لعملية الاستقلاب هذه. يوضح بشكل لافت كيف أن الزراعة الرأسمالية وملكية الأراضي الكبيرة تؤدي إلى تركيز العمال المشتتين في المدن، بينما تمنع العناصر المختلفة من العودة إلى التربة تلك التي يستهلكها الأفراد من أجل الغذاء أو الملابس، مما يخلق تأثيراً مدمراً على المدينة والريف. وارتبط نقص الأسمدة في الريف ارتباطاً مباشراً بالنفايات الخطرة في المناطق الحضرية التي أصبحت سامة، لأنها لا تستطيع العودة إلى التربة وتسمم المدن والمناطق الداخلية. تمتد الرأسمالية عبر الفضاء بطريقة غير متكافئة حيث تتركز القوى العاملة ورأس المال الثابت في مراكز محددة؛ وهذا بدوره يعطل الدورة الطبيعية للنظم البيئية، ويؤدي إلى تمزق في الاستقلاب الطبيعي. إن الصناعة الرأسمالية الكبيرة تستغل القوة العاملة وتستنفدها، في حين أن الزراعة الرأسمالية تحرم التربة من قوتها الطبيعية.
يوضح تحليل ماركس للإنتاج الرأسمالي، أن عمليات التنافس والتراكم تسرع وقت دوران رأس المال، وتفرض إيقاعها الخاص على الطبيعة. هذا التحليل كافٍ لإظهار لماذا لا تستطيع الرأسمالية تأسيس نظام إنتاج بيئوي. إنه يكشف عن الأساطير الرأسمالية في خلق رأسمالية «مستدامة» في انسجام مع الدورات الطبيعية.