الرأسمالية ومجزرة النحل
ما يتم الحديث عنه عن تغير في المناخ العالمي، نتيجة الاحتباس الحراري وما سينتج عنه من كوارث طبيعية وبشرية، هي نقطة في بحر ما سيؤدي إليه النظام الاقتصادي والسياسي الرأسمالي، الذي أدى ويؤدي إلى إبادة العديد من الكائنات الحية. فالأبحاث التي تصدر تباعاً عن الانخفاض في أعداد الكائنات الحية بسبب الاحتباس الحراري والأسلوب المعتمد من قبل النظام الرأسمالي خلال السنين السابقة تبشرنا بالمزيد من الكوارث.
ينتاب بعض العلماء قلق من مصير الحيوانات (الحشرات) الملقحة للأشجار الموردة والمحاصيل الزراعية، التي يقل عددها في السنين الأخيرة من دون معرفة وسيلة للحد من هذا الانخفاض. بينما بعض العلماء غير قلق مما يحدث، معللاً قلق الآخرين على أنه ريبة من المبكر الحديث عنها. في عدة أبحاث صادرة عن مجلتي «العلوم» والـ «البيئة»، يذكر الباحثون أن أكثر من 20,000 نوع من النحل المسؤول عن الحفاظ على صحة وعمل النظام الإيكولوجي، إعادة توليد/ إنتاج النباتات البرية، إنتاج المحاصيل، والأمن الغذائي، أي: مسؤول عن الصحة والأمن الغذائي للإنسان المهدد بالانقراض. هذه الأنواع من النحل مهددة اليوم بالانقراض مع أنواع أخرى من الحيوانات الملقحة، بخاصة الحشرات (الفراشات، البعوض) والطيور. يتم التلقيح عادة عبر الهواء، الماء، أو عبر الحيوانات، والأهم في هذه العملية هي الحيوانات التي تؤثر مباشرة على إنتاجية وجودة ما يقارب 75% من المحاصيل المهمة عالمياً، مثل: معظم الفواكه والحبوب. بينما يحتل النحل وحده مسؤولية تلقيح 107 محصول زراعي، مثل القهوة والكاكاو وبعض الحبوب. هذه المعلومات التي نشرت في عدة أبحاث في مجلتي العلوم والطبيعة تشير أيضاً إلى أنه سنخسر من 5-8% من محاصيلنا الزراعية في حال انقراض الحيوانات الملقحة، والذي يعني أن ذلك سيؤثر على نظامنا الغذائي، وسيخسرنا ذلك العديد من الفيتامينات من هذه المحاصيل. كما أنه سنحتاج إلى توسيع في الأراضي الزراعية لملء النقص من المحصول الناتج عن انقراض الحيوانات الملقحة.
تضيف الأبحاث، أن من أسباب هذا الانقراض، تغير استخدام الأراضي الزراعية وكثافة إدارتها، والاحتباس الحراري، ومبيدات الحشرات، والكائنات المعدلة جينياً، وتربية النحل، والأمراض التي تضرب النباتات والحيوانات الملقحة، وأنواع الحيوانات الغريبة التي تدخل على بيئة الملقحات لأيٍّ سبب من الأسباب السابقة. بالإضافة إلى ما يمكن أن يؤدي إليه الانقراض أو الانخفاض الهائل لأعداد الحيوانات الملقحة (خاصة النحل) على حياة الإنسان كما نعرفها اليوم. والتي ستؤثر على صحة الإنسان، كونه سيخسر التنوع الغذائي من الخضار والحبوب، وبالتالي الفيتامين والألياف التي يحتاجها. وسيساعد ذلك في ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى بما أنه ستنخفض نسبة الأشجار والنباتات بشكل عام. هذا بالإضافة إلى تأثيره على الاقتصاد، بحسب إحدى الدراسات عن الملقحات: أن المدخول السنوي من الزراعة، في الدول التي تعتمد على الزراعة كمدخول سنوي، سيتأثر بهذا الانخفاض، كونها قد لا تجد البديل عن خسارة العامل الطبيعي، الذي يزيد كمية الإنتاج. كما أنه سيترتب على الزراعة توسعٌ في الأراضي الزراعية، في حال انخفاض حاد في أعداد الحيوانات الملقحة أو انقراضها، ولكن هذا التوسع لن يرفع من نسبة الإنتاج الزراعي بل أنه سيحتاج إلى تجديد في الأراضي الزراعية لكي تستمر في الإنتاج، كون الحيوانات الملقحة لا تفيد فقط الإنتاج أو التلقيح بل أيضاً التربة.
انخفاض أعداد أو انقراض الحيوانات الملقحة هو إحدى نتائج النظام الرأسمالي الذي نعيش ضمنه، من جهة لكون هذا النظام هو الذي ثبت الطمع في زيادة الإنتاج على حساب دورة الحياة الطبيعية وأدخل عليها أنواع غريبة عن طبيعتها أدت إلى موتها. ومن جهة أخرى هو أحد أسباب عدم الوعي في أمور يومية أو موسمية نقوم بها، إما كهواية أو كوسيلة للتخلص من معيقات، مثلاً: الصيد الذي قلل من أعداد الطيور وحرق الأعشاب اليابسة، بالإضافة إلى استخدام مبيدات كيميائية للحشرات، من دون الأخذ بعين الاعتبار، أن هذه المبيدات قد تؤدي إلى موت الحيوانات الناقلة، وبالتالي موت الأشجار التي تلقحها.
أما الأسباب التي لا تبحث، نتيجة أسباب موضوعية وذاتية، وهي الحرب التي أدت إلى القضاء على أعداد هائلة من النحل والطيور والنباتات والأراضي الزراعية. هذا كله قد يحتاج إلى العديد من السنوات لكي يعود الى طبيعته، إن استطعنا أن نعيده إلى طبيعته_ أي كما هو موجود في الطبيعة_ ويحتاج إلى عملٍ جدي في إيجاد مصدر عيش للملايين الذين لا يزالون ينتطرون عودة الأمور إلى طبيعتها. ولكن ما هو ثابت أن من يصنع الاستمرار في أي مكان في العالم هم الموجودن فيه، ولهؤلاء سبب وجودي في الحفاظ على موارده الطبيعية والبيئية.