عذراً... أبحاثنا خاطئة!
مروى صعب مروى صعب

عذراً... أبحاثنا خاطئة!

أكثر من 30،000 منشور علمي معظمها صدر بعد عام 2000 واستند على نسب خلية ملوثة. العدد مرجح للتزايد مع صدور 58 منشوراً منذ شهر شباط الماضي فقط. هذا ما أفضت إليه دراسة مثيرة للجدل صدرت الشهر الحالي عن منصة PLOS ONE، وهي منصة إلكترونية علمية تحتوي على العديد من المنشورات، مركزها الولايات المتحدة الأمريكية. حيث استندت الدراسة على النهج البحثي في المقالات العلمية التي تصدر عن الصروح الجامعية ومراكزها البحثية في العالم. كما استندت إلى كيفية انتقاء الخلايا في الأبحاث العلمية التي تتابع في الصروح الجامعية في العالم.

المنهج البحثي
يتقيد المنهج البحثي السائد بعدة شروط، معظمها يأتي من الصروح الجامعية الغربية، التي نقل الشرق بعض شروطها إلى صروحه الجامعية. وتتعدد التسميات لمناهج البحث، حيث لا يتعب الباحثون بترداد مقولة: لكل بحث محدودية في منهجه، هذا لكون منهج البحث العلمي السائد هو تجريبي بمضمونه وطرحه، ومستوى المنافسة في الصروح العلمية مرتفع لدرجة أن الأولوية هي لتعداد الدراسات والمنشورات وليس لمستوى هذه المنشورات. لن ندخل في أسباب اعتماد التجريب في العلم السائد كونها ذكرت في مقالات سابقة في قاسيون، ولكن الأكيد أن هؤلاء الباحثين لم يطّلعوا على المنهج البحثي السوفييتي/الماركسي (حتى لو لم يكن مكتوباً أو موضوعاً في كتاب بشروط محددة)، الذي يعتمد آلية بحثية كاملة في العديد من جوانبها.
كارثة المنشورات الملوثة
إذا عدنا إلى الدراسة التي صدرت عن PLOS ONE الشهر الحالي، في استكمال بحث في مجال ما في العلوم الطبيعية، يقوم العلماء عادة في التجريب على نسب خلية أو خط خلوي، مستندين إلى أبحاث سابقة، هذا لكون الأبحاث قد جربت سابقاً، ولكون عامل الوقت ضاغط في معظم مراكز الأبحاث في العالم. قامت هذه الدراسة على التدقيق في نسب الخلية الملوثة التي استعملت في أبحاث سابقة وأعيد تكرارها. التدقيق حصل في ثلاثةِ خطوط خلوية من أصل العديد من الخلايا المعروف بكونها ملوثة ولا يمكن استعمالها. وقد قسمت النتيجة على المنشورات من المستوى الأول، أي تلك التي استندت على أبحاث أولية واستعملت في البحث الخلايا الملوثة، والمنشورات من المستوى الثاني، أي تلك التي استندت على منشورات المستوى الأول، أي: أنه تم استعمال الخلايا استناداً إلى نتائج أبحاث المستوى الأول (بمعنى آخر: من يقوم بهذه التجربة يستند إلى نتائج التجربة المنشورة في المنشور من المستوى الأول، ولا يقوم بالتدقيق بنسب الخلية بل يستعملها، استناداً إلى منشور سابق). وما تبين بحسب الدراسة، التي دققت في بيانات منصة إلكترونية واحدة من أصل العديد من المنصات، أن 0,8% من المنشورات من المستوى الأول ملوث (النتيجة بالنسبة للخلية الملوثة) و10% من منشورات المستوى الثاني ملوث. ما تعنيه هذه النتائج أنّه بحسب الدراسة، على الأقل 10% من المنشورات التي دققت تحتوي على نتائج بحث خاطئة، كون المنهج البحثي المعتمد في هذه المنشورات مستنداً إلى آلية خاطئة في عدم التدقيق في نسب الخلايا المستعملة في الأبحاث العلمية.
بينما تتوزع المنشورات الملوثة على مستويين من الدول: الدول الصاعدة في البحث العلمي مثل: الصين، والدول المصدرة للمنشورات الملوثة مثل: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. حيث 36% من منشورات المستوى الأول الملوث صادر عن الولايات المتحدة الأمريكية. أما الحقول العلمية الأكثر تضرراً فهي علوم الأورام، الكيمياء الحياتية، علم الأحياء الجزيئي، الصيدلة، وعلم الأحياء مما يرفع ويؤكد المخاوف حول التعاطي العلمي مع الأمراض والأدوية.
في المنهج البحثي مجدداً
كما ذكرنا هنا، وفي العديد من المقالات، أن اعتماد المنهج البحثي التجريبي سيؤدي إلى كوارث في حقول العلوم كافة، حتى لو لم تظهر هذه الكوارث في لحظة البحث عينها. فالتخبط الذي تعيشه العلوم، والضرورة للعودة مجدداً في كل بحث إلى أصل الحالة التي تدرس، يدل على أن المنهج البحثي وفهم العلوم غير مستند إلى أرضية بل يعتمد على فوضى مشروطة. هذه الفوضى التي انتقلت إلى العلوم من النظام السياسي السائد، أو المسيطر، أدت إلى أخطاء فادحة، لا تقوم على التجريب في المختبرات فقط، بل على البشر من خلال الأدوية والعلاجات، وأساليب العيش، التعلم، الحفظ، وغيره. وتستلزم شروط منافسة عالية، يمكننا ان لا نقبل ببعض بنود الشروط، ولكن الخط المناهض للمنهج البحثي التجريبي لا يزال اليوم غير قادر على فرض شروط أخرى.
قد يكون مفهوم المنافسة مختلفاً بين الغرب والشرق، ولكن الشرق ليس بعيداً عن شروط المنافسة التي وضعها الغرب، حتى لو كان الثقل العلمي ينتقل شرقاً. تستوجب هذه الشروط التقييد بمستوى عالٍ ومستمرٍ من الأبحاث، والنشر من الجامعات ومراكزها البحثية. ما يضع الجامعات ومن فيها تحت ضغط مستمر، كي لا يحافظوا على مستوى الجامعة عالمياً فقط، بل أيضاً لكي يرتفع الترتيب عالمياً بين الجامعات الأخرى. ويبقى مفهوم المنافسة عند الشرق، حتى لو كان مستنداً إلى بعض شروط الغرب، ملتزماً بالمفاهيم الاجتماعية المترسخة في المجتمع، نتيجة التمايز التاريخي والاقتصادي_ الاجتماعي_ السياسي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
834