حدود (أخلاق العلوم)
القيم والأخلاق هي من أحد الضوابط التي تضعها مراكز الأبحاث العلمية أمام أي بحث أو تجربة علمية، إما عبر أسلوب البحث أو عبر ضرورة ذكر المراجع التي استعملت كدعم لأي بحث جديد (ما يعرف بالسرقة_ أو التلاعب_ الأدبي أو العلمي). لهذا تضج مراكز النشر_ الغربية بأغلبها_ بمئات المدققين اللغويين والعلميين والبحثيين. ولهذا أيضاً، وبحسب زعم هذه المراكز، أن على الأبحاث والتجارب الجديدة التقيد بقيم محددة (مثل: عدم خوض التجارب على البشر، أو تعريضهم للخطر، بعضهم يدعو إلى عدم خوضها على الحيوانات أيضاً).
في التجارب الأخيرة
صدر مؤخراً منشوران عن معهد دراسات الملاريا في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة حول الاقتراب من إيجاد حل للملاريا، عبر التعديل الجيني. الحل هو عبارة عن اختبارين، الأول: تعديل في الدنا للذباب الذي يحمل الملاريا (وينقلها للكائنات الحية)، والثاني: تعديل الدنا المرتبط بالتناسل عند الذباب الذي يحمل الملاريا. في الحالتين الجيل الأول الذي سيولد من الذباب المعدل جينياً سيحمل بكتيريا سلبية أي: لن ينقل الملاريا للكائنات الحية. ولكن تكمن المتاهات في أن عوارض الهندسة الجينية والتعديل الجيني الذي سيطرأ على الذباب لا يمكن التنبؤ بها، ليس في الذباب الحامل للملاريا فقط بل أيضاً في الكائنات الحية في المحيط والبيئة التي يتواجد ضمنها، كون الذباب ينقل فيروساً للكائنات الحية، وإمكانية التعديل في هذا الفيروس أو في أية خلية تحملها الذبابة غير معروفة إلى اليوم. يكمل البحث الصادر في مجل علوم (Science) أن هذه الاختبارات جربت فقط في مخبر، والآن يحاول المعهد إقناع حكومة زامبيا بنقل التجربة إليها لتكون في الهواء الطلق، وليتمكن المعهد من تجربة ما سيقوم به الذباب المعدل جينياً عندما يكون في الطبيعة، مع تطمين الدولة المضيفة أن الذباب سيكون موجوداً في خيم. ولكن التعقيب الأبرز كان لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في أن «الإقناع لن يكون سهلاً ولكننا سنظل نحاول».
فلا مانع، لا من المعهد المذكور، ولا من الصحيفة المذكورة، بوضع ذباب معدل جينياً قد يحدث تغييراً في البيئة الحيوانية المحيطة، هذا إن لم يؤثر سلباً على البشر الموجودين. ولكن الموانع كلها توجد في أي استعمال للتعديل أو الهندسة الجينية، من أية جهة غير أمريكية، حتى لو كانت هذه الجهة لا تجري الاختبارات الأولية على البشر ولا تعرض حياتهم للخطر، كالصين مثلاً، هنا يصبح التعديل الجيني منافٍ للقيم والأخلاق. وهنا أيضاً يصبح تعديل النباتات الجيني، الذي تقوم به الصين (حتى لو من خلف الستار)، منافٍ للأخلاق والقيم العلمية.
الرحلة إلى الفضاء
بينما تتسارع الشركات الأمريكية بكسب رهان من سيحتل الفضاء أولاً، أصدر معهد للدراسات في استراليا تحذيراً عن خطورة ذهابنا إلى المريخ. الخطورة تتدرج من مدى قدرتنا على تحمل الإشعاعات الصادرة إما من سطح الجرم الذي «سنحتله» أو من الأجرام الأخرى، إلى عدم تأقلم جسدنا على سطح كوكب آخر، إلى الأمراض التي ستنشأ عن العيش في الفضاء. هذا البحث أتى بالتزامن مع إعلان ألون موسك_ صاحب شركةSpaceX بعزم الشركة إرسال مليون شخص للمريخ مع عام 2024. تندرج خطة الشركة لأجل بعيد نحو «استصلاح الكوكب ليصبح جيداً للعيش فيه». التقرير عن خطورة الذهاب إلى الفضاء أتى متأخراً جداً، وأتى خارج سياق العلم_ حتى السائد منه_ من حيث عزل الإنسان عن محيطه وبيئته التي يتقدم من خلالها، وجميعاً نعلم من هم المليون الذي سيذهب ليحتل المريخ، ومن منا سيبقى على كوكب الأرض بعد أن قضى عليه هذا المليون ودمره. كما أن بعضنا يعلم، كما صرح ستيفن هوبكينز بـ«أنه حل البشرية الوحيد للبقاء على قيد الحياة»، الغاية من هذا التسابق على احتلال الفضاء.
أسباب اضطراب ما بعد الأزمة عند الأطفال
في دراسة من باحثين في جامعة القدس، عن تأثير الحرب على الأزمات العاطفية عند الأطفال وإمكانية تأثير اضطراب ما بعد الأزمة على حاضرهم ومستقبلهم، استخلص الباحثون أن الأطفال الذين تعرضوا للقصف، الاعتقال، أو تهديم المنازل تنامت عندهم الأزمات العاطفية واضطراب ما بعد الأزمة، أكثر من الأطفال الذين شاهدوا هذه الأفعال عبر وسيط (التلفاز أو أي وسيلة إعلامية أخرى، أو عبر تناقل الأخبار عبر الأهل أو الأصدقاء). بالطبع خلاصة البحث طبيعية، ولكن أحياناً نحتاج إلى بعض الأرقام لكي نسكت خصمنا ومن يتهمنا بعدم المعرفة، والربط بين الوضع الاجتماعي والبيئي والتطور العقلي. حتى مع ذلك قدم طبيب أمراضٍ معديةٍ من جامعة بوسطن طعناً في مصداقية وعلمية البحث، معللاً السبب بأن «الأطفال الفلسطينيين قد تربو على الكره». وأنّ، (وهنا اقتبس الكلام حرفياً): «البيئة التعليمية، السياسية، الدينية، والاجتماعية التي يتربى عليها الأطفال الفلسطينيون تؤدي إلى أزمات عاطفية، كما الصراع المستمر في المنطقة». أما فيما يخص هدم البيوت، ف«البيوت التي هدمت كانت إما معامل ذخائر، أو تحتوي على ذخائر، فكم من طفل يعيش في هذه البيوت؟». فحتى في أن الحرب والاحتلال وكل ما ينتج عن ذلك يؤدي إلى أزمات عاطفية وذهنية، يمكن تحريف الأخلاق، القيم، والأسس العلمية. وإن كنا نتساءل: لماذا؟ شيء بدهي مثل: أنّ الحرب تؤدي إلى الدمار الذهني والعاطفي للفرد قد يحرَّف ويعتبر من المحرمات العلمية السائدة، فهي لكي تعطي شرعية لهذه الحروب والاحتلالات في استمرارها.
يضع العلم السائد حدود الأخلاق والقيم بحسب ما يراه مناسباً، لكي يثبت أنه قادر على تفسير أي عامل، أما علمي تجريبي، أو اجتماعي نفسي. وتسقط الأخلاق عندما تشكك في الثوابت العلمية التي وضعت لكي يحفظ هذا العلم ماء وجه الخط السياسي لحامليه. ونرى هذا ليس فقط في التجارب والأبحاث ونقضها، بل أيضاً في الروايات والأفلام والجوائز العلمية والأدبية، التي تسخر جميعاً لكي تقول: إن العالم أجمع لا يمكنه الخروج من القوى العظمى التي وضعت أسس العلم والمجتمع، الذي نراه يتحطم أمامنا اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 832