وجدتها: المخدر أو السوط
في معرض حديثه عن الديمقراطية الغربية يشير الكاتب سيرجي قرة مورزا في كتابه «التلاعب بالوعي» إلى أدوات الهيمنة فيقول: إذا أردنا أن نتكلم بدقة فما إن تحوّل التلاعب بالوعي إلى تكنولوجيا للهيمنة، حتى صار مفهوم الديمقراطية نفسه شكلياً وخالصاً ويستخدم فقط كختم أيديولوجي. وهذا الختم لا يؤخذ على محمل الجد في أوساط المحترفين.
أشار غ. لاسويل في «موسوعة العلوم الاجتماعية» قائلاً: «ليس علينا أن نتنازل للدوغما الديمقراطية، التي يمكن للناس وفاقاً لها أن يحكموا بأنفسهم على مصالحهم الخاصة».
وبما أننا نتكلم عن الديمقراطية والشمولية، فيجب أن نَشْرد برهة لنبرز حالةً خاصة: ماذا يحدث حين تغرس فجأة بأسلوب ثوري قواعد «ديمقراطية» في مجتمع ذي تصورات «شمولية» عن الإنسان والسلطة؟ ليس مهماً، إن كان من يجلب الديمقراطية قوات المشاة العسكرية الأمريكية كما في هاييتي أو بنما (وفي منطقتنا العراق)، أو المظليون البلجيك كما في الكونغو، أو المثاليون المحليون كما في روسيا ربيع 1917. ففي الأحوال جميعها لم تترعرع هذه الديمقراطية من «الإحساس بالسلطة» المتكون في الثقافة، بل جلبت كثمرة رائعة من ثمرات ما وراء البحار.
ينشأ هجين قد يكون مقبولاً إذا عملنا بعناية وحذر (مثل «الديمقراطية» اليابانية التي بنتها سلطات الاحتلال الأمريكية بعد الحرب) لكن هذا الهجين في أغلب الأحوال مرعب مثل موبوتو.
إن الإنسان ذا نمط الأفكار الليبرالية مقتنع أن الانتقال من العنف والقسر إلى التلاعب بالوعي هو تقدم هائل في تطور البشرية ويكاد يكون «نهاية التاريخ». أما عن المنظرين فهم فرحون لهذا الانتقال إلى أقصى حد.
أما داخل المجتمع العلمي فالتقويمات عادة تكون أشد مراوغة. ففي كتابه «سيكولوجيا التلاعب» يقدم ي. ل. دوتسينكو استنتاجه الليبرالي مع بعض التحفظات: «يمكننا أن نتذكر عدداً غير قليل من أحداث الحياة، التي غدا فيها التلاعب خيراً ما دام يرفع مستوى التعامل مع غلبة العنف عليه، إلى غلبة التلاعب- أي: إلى معاملة أكثر إنسانية بالمعنى المعروف»
حجج أولئك الذين يرحبون بالانتقال من القسر إلى التلاعب بسيطة ومفهومة. السوط- مؤلم، أما المخدر الروحي فممتع. ما دام القوي سيجبر الضعيف لإرادته مهما كلف الأمر فليفعل ذلك بمساعدة المخدر وليس السوط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828