التنشيط والتثبيط والديالكتيك
اعتبر لوريا (عالم نفس سوفياتي) أن الحديث عن الدماغ وعلاقته بالجسد بطريقة التنشيط والتثبيط (تهدئة) شيء سخيف، فالجسد هو وحدة ديناميكية متكاملة، والأفضل اعتماد التنظيم وعدم التنظيم عندما نتطرق إلى عمل الجسد ككل والدماغ في الحالات المرضية وغير المرضية.
فإذا أخذنا حالة مرضية واحدة كمثال، بالرغم من كونها ستؤثر على بعض أعضاء الجسد أو أغلبها (في حالات الأمراض المستعصية)، فإن معالجتها لا يمكن أن تكون بطريقة تنشيط أو تثبيط عامل من العوامل التي أدت إلى المرض، بل بإعادة تنظيم الخلل. الحديث للوريا عن الأمراض العصبية، والتي تتعلق بالنطق والقدرة على الحركة.
لوريا ورايش
اختص لوريا في العلوم العصبية بينما ذهب رايش إلى الأمراض الجسدية، وتحدث أيضاً عن دينامية الجسد وتفاعله مع الخارج. استعمل رايش الطاقة في أبحاثه، وطريقة التنشيط والتثبيط، التي يستعملها الدماغ للتواصل مع باقي أعضاء الجسد بحسب العلم الميكانيكي، غير موجودة في مصطلحاته، كونه انطلق من كون الجسد هو وحدة متفاعلة مع الخارج، فالتنشيط والتثبيط هما عمليتان مرتبطتان بما يحدث خارج الجسد وليس داخله، وبالحياة النفسية للفرد، وهذا كون رايش ركز في أبحاثه على الأمراض الجسدية التي ربطها بالعوامل النفسية، من هنا علاقتها مع الخارج تتأثر بحسب الفرد والمجتمع.
التنشيط والتثبيط
حديث علم النفس السوفييتي متقدم، مفاهيمه ونظرياته حول الإنسان والمجتمع لا تزال تحاكي مجتمعاتنا إلى اليوم. ولكن العلوم العصبية، البسيطة والمعقدة منها، تلك التي تدرس في المدارس أو التي تخاض من خلالها تجارب الأدوية والعمليات الطبية، لا تزال تصر على التعامل مع الجسد بطريقة التنشيط والتثبيط. وقد تكون الأدوية إحدى هذه السبل التي تستعمل من خلالها عملية التنشيط والتثبيط في التعامل مع الجسد. فالتقلص/الانقباض في العضل يؤدي في النهاية إلى أدوية الأعصاب، بحسب منطق التعامل الربحي لسوق الأدوية والطب الحالي، التي لا تتعلق مباشرة بالعضل بل بالعصب الذي يقوم بتهدئة العضل، عملية قريبة بما قد تفعله الحبوب المخدرة بالأعصاب.
السيطرة الأخلاقية
عملية أو طريقة التنشيط والتثبيط لا تبتعد كثيراً عن عمل الحكومات في النظام الرأسمالي، فهي تنشط أو تثبط أخلاق الشعوب بحسب اتجاهاتها السياسية.
خلال الحرب على فيتنام وبعدها، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بضخ العديد من الروايات والأفلام البطولية لجنودها وهم يقودون شعب فيتنام «إلى خارج الشيوعية»، مثلما دفعت وتدفع اليوم الآلاف من الدولارات لاستخباراتها بكتابة الروايات عن «بربرية» جمهورية كوريا الشعبية و«جنون زعيمها»، لتشكيل ما يطلق عليه البرت بندورا (عالم نفس كندي/أمريكي، أوكراني الأصل، مؤسس النظرية الاجتماعية المعرفية) المقارنة المفيدة، والنزوح من المسؤولية. فبعملية التنشيط تقوم هذه الحكومات بالتبرير الأخلاقي لخياراتها السياسية بحجة مقارنة ما تفعله بشيء «سيء» آخر (إن كان موجوداً أصلاً، ومنطقتنا خير مثال)، لنتخلص من المسؤولية الأخلاقية وتثبط خياراتها السياسية في أخلاقيات شعبها، وهكذا تسيطر على أخلاقياتهم، وتنجو بنفسها من الشعور بالذنب الجماعي أو الفردي الذي قد يصيب شعبها من جراء خياراتها السياسية. مثل: من يتحدث عن ضرورة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، عبر نشر الآلاف من المقاتلين الفاشيين، ويبررها بتقدمه المعرفي وتخلفنا المتوارث.
في التجريب
يشبِّه إنجلز العلوم الطبيعية التجريبية «بالتقاء الأضداد»، حيث يلتقي فيها المتقدم والخرافي في هذه العلوم، المتقدم من حيث الآلية والخرافي بإصرار العلوم الطبيعية التجريبية (السائدة) بإسقاطات آنية غير معتمدة على فكر، على العلوم. وكما يقول إنجلز أيضاً: إذا قلبنا المعادلة لأصبح قانون الديالكتيك الذي يعتبر غامضاً للغاية، للفلسفة المثالية بسيطاً. فإذا أدخلنا قانون الديالكتيك على العلوم أصبحت بسيطة المفهوم تحاكي حياتنا اليومية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828