الإعلام وتسطيح العلوم
مروى صعب مروى صعب

الإعلام وتسطيح العلوم

أتاح الإنترنت فرصاً كثيرة للبشرية، أهمها القدرة على تسطيح المسائل الحياتية إلى أبعد الحدود. وبينما أصبح بإمكان «الجميع» الاتصال بالشبكة العنكبوتية، إذا ما تجاهلنا التكلفة والقرار السياسي، بإمكان الجميع أيضاً بث أية معلومة مفيدة كانت أم لا على هذه الشبكة. ولكن تبقى المعلومة «الصحيحة»، لمن يمتلك القوى السياسية والإعلام السائد.

كيف ساعد الإعلام
في تسطيح العلوم
مع قدرة الإعلام على الانتشار، حتى لو لم يكن بسهولة، أصبحت المعلومات تنشر على نطاق أوسع. وأصبح في كل محطة تلفزيونية، إذاعية، أو صفحة على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي «عالِم صغير«. لا نقول بعدم قدرة هؤلاء على الضلوع في العلوم أو تكونهم كـ«علماء صغار»، بل ندعو له ولكن عن معرفة وليس بخبث أو جهل. فبينما تشعرنا دعايات المنظفات المنزلية (خاصة المطهرات) برعب من كوننا نعيش في كهف من الجراثيم غير المرئية، وقدرتها على إزالة هذه الجراثيم، تنسى الجزء الجيد من الرواية وهو، أولاً: انه لا يمكن لهذه المطهرات إزالة الجراثيم، وثانياً: لا يمكن للجسم البشري العيش في بيئة خالية مئة في المئة من الجراثيم، كون الإنسان وجد كجزء من هذه الطبيعة وبالتالي لا يمكنه الاستمرار خارجها، على الأقل إلى اللحظة التاريخية الراهنة. وهذا ما نجد مثيله في العديد إن لم تكن جميع مواد الاستعمال اليومي والشخصي. والتبرير طبعاً هو جذب المستهلك وإقناعه بجودة المنتج، حتى لو كان تشويهاً لحقائق علمية أصبحت بدهيّة بعد آلاف السنين من تاريخ البشرية، وعشرات السنين من بدء تطورها العلمي.
«بربرية» قتل الحيوانات
الأخطر ليس في المواد الاستهلاكية، ولكن المسائل العلمية المتعلقة بالغذاء وصحة الإنسان التي تروج في الإعلام. مثلاً في المعتقد الخاطئ على كون الخضار والفاكهة تعوض البروتينات التي نحصل عليها من اللحوم، وهي في الحقيقة لا تحتوي على بروتينات بل فيتامينات وعناصر كيميائية. هذا المعتقد الذي انتشر بعد الانتشار الواسع ل«بربرية» قتل الحيوانات، والراحة النفسية التي تأتي من النظام الغذائي الخالي من اللحوم. الذي ربط مع ضرورة الابتعاد عن أسلوب الحياة المؤذي الذي يسبب لنا «المشاكل العصبية». أو في المعلومات التي تنتشر سريعاً عن كيفية القضاء على مرض من الأمراض عبر تناول أحد الأطعمة لمدة من الزمن، أو في الأدوية العشبية التي نفصلها عن الأدوية المركبة في المختبرات، معتبرين أن العناصر الكيميائية مركبة وخارجة عن الطبيعة التي نعيش ضمنها (يتكون الجدول الدوري للعناصر الكيميائية من 118 عنصر كيميائي، 94 عنصر منها موجود في الطبيعة، البعض منها أساسي لآلية عمل الجسم، والعناصر الباقية مركبة في المختبرات).
«الشرق المتخلف»
الأهم هو النصائح الطبية والغذائية المنتشرة على هذه المحطات الإعلامية، بكيفية التخلص من الوزن الزائد، أو كيفية تربية الأطفال، أو التعامل مع المراهقين «المشاكسين»، أو حل المشاكل الزوجية، وجميع هذه الحلول تطرح على أساس كونها «علمية» مثبتة في أكثر من بلد متطور في العالم الغربي، طبعاً لأن الشرق «متخلف»، ما عدا اليابان، وأحياناً جمهورية كوريا (الجنوبية).
التلقي السلبي والايجابي
المسألة لا تتعدى كونها جزءاً من تغييب ما يجب تغييبه عن المتلقين، لكي تمر الأمور كما يجب من قبل من يملك القدرة على التغييب. ولا تتعدى كونها تحتاج إلى قليلٍ من المجهود من قبل المتلقين لكسر هذا التغييب والتقيد بمفاهيم خاطئة وغيبية. فبدلاً من التلقي السلبي (غير الفاعل) للمعلومات، والتفرج على هولها، يمكن التلقي الإيجابي (التفاعلي) والنقدي لها من أبسط ما تعلمناه ليس في المدرسة فقط بل ومن الحياة، الذي يوصلنا لنتيجة مغايرة: ممارسة نقدية وبدائل ممكنة للحد من قدرة الإعلام من تسطيح العلوم وبالتالي تسطيح عقولنا من خلاله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
815