هل نملك أدوات البديل؟
مروى صعب مروى صعب

هل نملك أدوات البديل؟

البحث اليوم عن نظريات علمية تحاكي الواقع والعصر، بات العنصر المحرك لمقاربة أي موضوع. فالضخ العلمي والإنتاجي من قبل الفكر الليبرالي على مدى العقدين السابقين (على الأقل)، وصل إلى أقصاه، أنتج ما يمكن أن ينتجه من مفاهيم ومقاربات «لتفسير» الواقع ومحاولة فهمه.  حتى الأساليب الجديدة المطروحة لحل المشاكل الاجتماعية، النفسية، أو العلمية، مثل: تيار علم النفس الإيجابي، التركيز على التأمل، استراتيجية التكيف، أو حل النزاع مثلاً، عكست هذا الفكر بمفردات أخرى، كمحاولة لإيجاد الجديد. 

في السنوات القليلة السابقة، بات الموضوع أكثر تعقيداً، فبعدما عجز الفكر الليبرالي عن إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية، وتفسير هذه الظاهرات، أصبح يستعين على مضض بالفكر العلمي الجدلي، أو بالأحرى الاستعانة بعناصر منه، مع عدم الاعتراف بالكامل بهذه الاستعانة ومع تشويهات في العديد من التحليلات. إلا أن هذا العائق أتى من أزمة الفكر الليبرالي والرأسمالية كنظام وعجزها عن تكوين البديل عن الفكر العلمي الجدلي في حل المشاكل الاجتماعية وتفسير الظواهر الاجتماعية. وأتى في سياق تراجع الرأسمالية الذي نشهده عالمياً في هذه اللحظة التاريخية.
الضخ العلمي في العقدين السابقين، وما رافقه من السيطرة على العلوم عبر الإصدارات، المصدر، الناشر، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، قلص انعكاس العلوم وشعبيتها لدى أكبر فئة ممكنة من البشر إلى اعداد قليلة جداً. ما يفتح نقاشاً لأي مدى ممكن للعلوم أن تكون شعبية، وأن تطال النسبة الاكبر من البشر في العالم. النقاش مفتوح في حده الأدنى بين «الأوساط العلمية»، نتيجة تشرّب هذه الاوساط للفكر الليبرالي، ومن يجب أن يملك المعرفة العلمية، بغض النظر عن أنّ هذه الأوساط في الظاهر تحمل مهمة نشر المعرفة، وفي الباطن يعيقها المنهج وأسلوب البحث الليبرالي. إلّا أنها تصطدم بما يجب أن تمثله من «طبقة مثقفة» تخدم التطور والتقدم، بعائق كونها التي تمتلك حصرياً حق المعرفة والعلم، ما يعكس نقاشاً بين أوساط بعيدة عن المجتمع في حركته ودينامكيته، الذي هو أقرب إلى تكرار وإسقاطات من «فوق».
ضرورة البحث عن نظرية علمية تحاكي الواقع، وتجيبب عن أسئلته، تبدو أوضح في دراسات التعليم، التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي (نظرية الفعل أو النشاط) . وأقل وضوحاً في دراسات العلوم البحتة، التي تصطدم بفك شيفرات جديدة حول عمل المحيط والبيئة، التي نعيش ضمنها يومياً، كونها تتعاطى مع هذه البيئة في انفصالها عن المحيط وفي انفصال مكوناتها وعلاقة المكونات ببعضها. ويظهر كذلك في دراسات الطب والأمراض (الجسدية والنفسية)، حيث إنه في المجال النفسي تتجلى مهام معقدة وبسيطة من جهة الاعتراف بالحل المتكامل للمجتمع وبالتالي الأمراض.
حسب التيارات السائدة، يمكننا تحليل وتوصيف وذكر الكثير من الظواهر أو جميعها من خلال تيارات فكرية مختلفة، ويمكننا الاستعانة بالتحليلات السابقة كذلك. ولكن يثبت الواقع من جديد، أنّ ما لا يمكننا تجاوزه في سياق هذا التحليل والتوصيف وإنتاجنا للبديل الاجتماعي، هو: الأرضية الفكرية في تعريفنا لأنفسنا وهويتنا وواقعنا، وسعينا للتقدم والتطور الشامل، والتطوير الدائم للأساليب، الأداوات، المفاهيم، والنظريات التي تخدم هذه الأهداف. ومن هنا في كوننا نتطلع لبناء مجتمع جديد، متجاوزين الأمراض والتشوهات، أثبت الفكر الليبرالي بنظرياته العديدة، عدم قدرته على بناء هذا المجتمع، بينما يثبت الفكر العلمي الجدلي (الماركسية) مع مرور الزمن قدرته في بناء هذا المجتمع. العودة له، والانطلاق مما سبق وما تم تطويره من خلاله، كمدخل لمعالجة ومقاربة المواضيع والمشكلات في ميادين المجتمع كافة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
812