الرأسمالية منتحلة صفة العلمية؟
مروى صعب مروى صعب

الرأسمالية منتحلة صفة العلمية؟

تُحدِّثنا طريقة تعاطي القوى العالمية الرأسمالية مع العلوم من عدة منطلقات، ومنها ما هو الثابت، أننا غير قادرين على فهم العلوم، كوننا بلدان «متخلفة» بتركيبتها. وأنهم كغرب أصل التطور ومرجعه الوحيد في الصراع الثقافي بين الشرق والغرب. وكل من يريد الوصول إلى هدف العلم لا بد له من المرور من بوابة الغرب وإلا فإن هدفه ناقص، لن يضفي شيئاً على البشرية. أما المتغير فهو التاريخ، وليس بحركته الدائمة، بل بلحظته الراهنة. فالتاريخ بالنسبة لهذه العقلية يبدأ وينتهي مع من استعمل خطابها، ولبقية الخطب «نهاية التاريخ». 

 

في السنوات السابقة استطاع العلماء اكتشاف عملية يستطيعون من خلالها إضافة تغييرات على الحمض النووي للإنسان، ما يعرف بCRISPR. وللقدرة على التلاعب بال»DNA» أهمية كبيرة، كوننا نستطيع تفادي العديد من الأمراض أو الحد منها. كما القدرة على التلاعب بأعضاء الجسم التي يصيبها المرض نتيجة طفرة معينة. فCRISPR يعمل بإزالة الطفرة، وإدخال تركيبة حمضية صحيحة على الخلية، ما يجعلها سليمةً مجدداً، اي خالية من المرض، بالإضافة إلى القدرة على معرفة أيٍّ من الأمراض قد تصيب الإنسان مستقبلاً، من خلال الكشف عن تركيبته الحمضية. لهذا الاكتشاف في الوقت الحالي سبب، إن الإنسان استطاع فك شيفرة الحمض النووي عام 2000، ومنها اكتشف كيفية التلاعب بهذه الشيفرة عن طريق إدخال شيفرة من البكتيريا. هذه إحدى الاكتشافات أو الاختراعات التي يعمل عليها العلماء، بالإضافة إلى العمل على إيجاد حلول للأمراض المزمنة، مثل السكري، السرطان، ومشاكل النظر. 

حقل اختبار

بالطبع إن وصلتنا هذه الاكتشافات، فعبر إحدى الشاشات، وبطريقة بعيدة عن واقعنا وتواصلنا معها، وهو ليس كوننا «متخلفين» أو غير قادرين على فهم العلوم. بل لكون وظيفة بلداننا في الخارطة السياسية العالمية منذ ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حددتها الإمبريالية التي سيطرت على العلوم والعلم والمعرفة. وإذا نظرنا إلى الاختراعات العلمية حول الأمراض مؤخراً نرى بها بعض التناقضات. فهي من جهة تحاول إيجاد الحلول، كونها حددت لنفسها هذه الوظيفة والموقع، ومن جهة أخرى تأتي الحلول وكأن التاريخ بدأ الآن. 

وحتى لو أن البشرية استطاعت فك شيفرة الحمض النووي، فهي لا زالت غير قادرة على فهم العديد من العمليات داخل الجسد، ما يضعها أمام ذهول وأمام عجز. وما يضع البشرية أمام حقل اختبار لنقص في الفهم عند من يقوم بالتجربة. 

طفرات السرطان

 لا يمكن تفاديها

مؤخراً أيضاً ضجت المحافل الأكاديمية العلمية الغربية بدراسة خلصت بنتيجة: أن ثلثين من طفرات السرطان لا يمكن تفاديهما، وهي تحدث نتيجة العوامل الخارجية (التلوث، الدخان، النظام الغذائي...) التي لا يمكن التحكم بها. غضب العلماء حول هذه النتيجة التي تدعو الناس بشكل غير مباشر إلى التدخين وعدم المبالاة بالنظام الغذائي الصحي. ولكن جميع هؤلاء منطلقون من تعريف واحد للطفرات وكيف تحدث ولماذا تحدث. فبحسب رأيهم تحدث إما نتيجة هذه العوامل السابقة، أو نتيجة الانتقاء الطبيعي، الذي يفسَّر وكأنه غير مرتبط بالعوامل البيئية. 

استنساخ الماموث

استنتاجاتنا حول تعاطي هذه القوى مع العلوم، ومن أي منحى انطلقنا، تصل بنا إلى النتيجة نفسها. المشكلة ليست في ما يتم اكتشافه فقط، فمثلاً: ما هو الهدف من استنساخ الماموث إن لم يكن من أجل القدرة على استنساخ خلايا وأعضاء بشرية لتعويض عن فقدها؟ وما الهدف من CRISPR إن لم يكن بهدف إزالة الطفرات (وهو ما نجح به إلى حد الآن علماء صينيون في الثلاسيمياβ ). المشكلة في كيف تتطرق الإمبريالية في فكرها إلى العلوم، وكيف تخلق حججه وتفصيلاته فقط لكي ترضي وجودها. وفي عدم القدرة على استيعاب عملية الجسد المتكاملة داخلياً وخارجياً. التعاطي بالمنطلق الرأسمالي نفسه مع الأمراض والجسد وعلاقته بالمحيط سيبقي البشرية في تخبط، حتى لو أدى إلى اكتشافات جديدة، وهي طبيعية كون التاريخ لا يعود إلى الوراء، بل يتقدم إلى الامام. ولكن ستظل جميعها إما محتكرةً، كما المشافي اليوم، أو غير قادرة على إعطاء الحل النهائي، كونها غير قادرة على إيجاد العلاقة التي تربطنا بمحيطنا، وبالتالي تشكل منشأ الأمراض أو الاضطرابات، ومن بدعها مثلاً، إن الفاشية التي نشأت في العالم هي نتاج أفراد أضاعوا اتصالهم بذاتهم أو أودت مصيبة شخصية في حياتهم إلى نزوعهم إلى التطرف، أو عقدة نفسية قلبت الطاولة عليهم فجرّتهم إلى الخطيئة!

وفي الحالات كلها، هذه المنطلقات متعارضة مع التطور البشري الشامل، مع كل ما تقدمه من «علمية».

معلومات إضافية

العدد رقم:
805