الخضوع «بإيجابية»!
مروى صعب مروى صعب

الخضوع «بإيجابية»!

تسيطر على البحوث والدراسات التي تعنى بالصحة عامة (الجسدية، النفسية) نصائح مشتركة حول أساليب «بسيطة» يومية يمكن للمريض أو غير المريض القيام بها لتحسين حياته. ما يختصر بالطاقة الإيجابية والطاقة السلبية، ورواده أصحاب نظرية علم النفس الإيجابي الذي بدأ بالظهور أواخر التسعينات. وتنطلق هذه النظرية من كون الانسان في العادة يرمي إلى إطلاق طاقته السلبية أو التعامل بسلبية مع الآخرين ومحيطه، استناداً على التحليل النفسي الفرويدي ومن أيدها، التي تقول: إن الإنسان كائن غرائزي مع الوقت يكتسب العادات الحسنة وفقط في حالات معينة ولكن في الأغلب نحن غرائزيون ولهذه تتنازع في داخلنا عدة أنوات. 

 

فإذا كنا نريد تقوية الطاقة الإيجابية وإضعاف الطاقة السلبية، علينا بالابتسامة الدائمة للمحيطين بنا، عدم التعبير عن السخط المحيط بنا بطريقة سيئة أو سلبية، ممارسة الرياضة (غير المتوفرة إلّا في صالات خاصة)، اتباع نظام غذائي صحي يقوم على تقليل الدهون، ممارسة اليوغا، ممارسة أيةٍ من المهارات الخاصة (العزف على آلة موسيقية، النحت، السباحة...)، الانفتاح على الآخرين، التعبير عن الذات (عبر التعبير عن افكارنا، مشاعرنا، المنا، أو حاجاتنا الذاتية)، ومساندة الآخرين. أمّا الطاقة السلبية فهي التخفيف من الضغط اليومي، العصبية، التخفيف من الكبت (البعض يعني به الاجتماعي والبعض يعني به الجنسي)، ومجابهة الحياة بفرح وكأن اليوم الجديد لن يتأثر بما سبقه. ويختلف أصحاب علم النفس الإيجابي في تصنييفهم له، فمنهم من يربطه بقدرة الإنسان على تخطي صعابه باتباعه بغض النظر عمّا ومن يحيط به، ومنهم من يربطه بقدرة المجتمع على تخطي صعابه. 

اللافت أنه على الرغم من بعض الإيجابي في هذا الخط في علم النفس، الذي اراد ان يعطي لعلم النفس أبعاداً أكثر من البعد المرضي. انه كان نتيجة انسداد في أفق إيجاد الحلول للمجتمعات وللأفراد، في الاغتراب الذي يواجهونه في المجتمع. بعد الوعود التي قدمها النظام الرأسمالي بحياة زهيدة خالية من الاضطرابات، اصطدم بعدم القدرة على حل معضلة ملايين البشر المتوافدة الى العيادات النفسية، أو التي تتناول أدوية عصبية (باستشارة الطبيب أو من دونها). – حيث ينفق الأمريكيون على أدوية الأعصاب أكثر من ضعف ما ينفقه العالم بحسب دراسة تمت مؤخراً من خبراء أمركييين. -  فقد وعدهم بملكيتهم الخاصة وفرديتهم، وحريتهم الفردية (التي تختلف عن «قمع» الدول الاشتراكية)، وعزز عندهم فكرة «الجنس الاقوى». هذا ان لم نأخذ بالحسبان الملايين أيضاً الذين يتعاطون المخدرات (مباشرة أو عبر الأدوية). كل هذا لم يستطع إبعادهم عن الاغتراب، لكون الرأسمالية ببنيتها تقوم على الفرد وليس المجتمع، والأوهام وليس الواقع. 

ولكون الرأسمالية، حتى أثناء انهزامها، قادرةً على المراوغة، خاصةً أنها خلال عقود سيطرتها تحكمت بمدى تطور وعي الأفراد والجماعات. ترسباتها في إيجاد حلول ليبرالية في مضمونها، و«انسانية مسطحة» في طرحها، قد تتردد إلى سنين ما بعد الانهيار. ما يتمثل بخط علم النفس الإيجابي الذي يرى من هذا الخط، أولاً: أن الإنسان سيئ بطبيعته، ولا يكتسب العادات من مجتمعه ومحيطه، وثانياً عبر إيهام الإنسان أنه بالعادات اليومية لأي إنسان منفصلة عن الوضع السياسي الذي يعيش ضمنه، وانه بإمكاننا تغيير وضعنا من خلال تغيير عاداتنا اليومية، لا من خلال تغيير وضعنا السياسي. يتمثل هذا بطريقة صارخة في اليوغا التي تدعو إلى حل المشاكل (النفسية باغلبها – الضغط، القلق، الأرق...) عبر تصفية الذهن منها وليس عبر حل السبب الذي أدى إليها أصلاً. 

ولكن تقع هذه الدراسات جميعها بمشكلتين، الأولى: أنها لا تستطيع إيجاد تفسير الفروقات في الإصابة بالقلق أو الكآبة، أو نسبة عوارض المرض مثلاً بين الأفراد، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي فالسياسي والاقتصادي لهم. والثانية: هي اضطرارها مكرهةً إلى اللجوء إلى إنتاجات الشيوعيين عامةً والسوفييت خاصةً لأن أبحاثهم استطاعت تفسير الحياة ومكوناتها مجتمعةً. 

وبينما لم ترتح منطقتنا من الاضطرابات السياسية – بفروقات طبعاً – التي أنتجت العديد من الاضطرابات الجسدية والنفسية والعقلية، ومع انهيار الرأسمالية، العالم الجديد، يجب أن يحمل معه حلولاً للنظام القديم إن أردنا الحياة للبشرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
803